موازنة العراق متأخرة لنحو نصف عام مع عجز مالي قرابة 47 مليار دولار
محافظات عراقية تعترض على ميزانية 2024 التي أقرها البرلمان بسبب تخفيض حصصها في الموازنة، مما يعني إيقاف المشاريع الخدمية التي تم الإعداد لها بوقت سابق.
بغداد – الرافدين
اعترضت عدد من المحافظات العراقية على تراجع تخصيصاتها المالية والتي بلغت قرابة 11 تريليون دينار من مبالغ الاستثمار والتطوير ومراعاة عدد سكان كل محافظة.
وارتفعت موجة الاعتراضات على قرار تخفيض حصص المحافظات في موازنة 2024 والتي أقرها مجلس النواب يوم الاثنين، وقال أعضاء في مجالس المحافظات أن الموازنة لم تراع نسبة السكان وانتاجية المحافظات للنفط واحتياجاتها للأموال المخصصة للإعمار.
وأقر مجلس النواب يوم الاثنين موازنة العراق المالية لعام 2024 بعد تأخر لنحو نصف عام، وجاء التصويت بعد إجراء تعديلات على عدد من جداول النفقات وتخصيصات مالية لتنمية المحافظات.
وبلغ إجمالي الموازنة المالية، 211.9 تريليون دينار، ما يعادل أكثر من 153 مليار دولار بزيادة 7 بالمائة عن موازنة العام الماضي، وبلغت مرتبات الموظفين منها 62 تريليون دينار، بفارق كبير عن العام الماضي الذي كانت تبلغ نحو 59 تريليون دينار.
وتبلغ الإيرادات العامة للدولة العراقية وفقا للموازنة نحو 145 تريليون دينار، ما يعني تسجيل عجز يبلغ 66 تريليونًا، تقول الحكومة إنها ستقلص الفارق بالعجز من أسعار النفط المرتفعة. لكنها قراءة غير مضمونة خصوصًا بعد الاتفاق في أوبك على تخفيض الإنتاج بعد هبوط الأسعار.
وبحسب بيان مقتضب للبرلمان فإنه تم التصويت على جداول الموازنة العامة للبلاد، بمشاركة 199 نائبا من أصل 329 نائبا وبذلك تصبح الموازنة نافذة بعد نشرها في الصحيفة الرسمية خلال الأيام المقبلة.
وتُظهر الميزانية لعام 2024، أن قسم كبير من أموال الموازنة تذهب كرواتب للموظفين وتخصيصات للأمن والدفاع ومنها ميليشيا الحشد التي تمثل نصف حجم الجيش الحكومي وثلث حجم القوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية.
وتتهم الميليشيات الولائية، المرتبطة بشكل مباشر بفيلق القدس الإيراني، بإدراج آلاف الأسماء الوهمية ضمن جداول التعيينات، لتُدخل مليارات الدنانير العراقية في خزائن هذه الميليشيات، لممارسة نشاطات تجارية وأخرى عسكرية لتكريس نفوذها الطائفي في العراق والمنطقة فضلًا عن تمويل وسائل الإعلام الخاصة بها لمهاجمة خصومها، وتغذية الطائفية في البلاد.

واتسعت موجة الاعتراض داخل البصرة على قرار تخفيض تخصيصات المحافظة في موازنة 2024 بنسبة 70 بالمائة، من تريليونين و900 مليون دينار إلى 850 مليار فقط.
وقال عضو مجلس محافظة البصرة، إياد عبيد، إن “هذا المبلغ الذي حدد إلى المحافظة مع عدد المشاريع التي تم إعدادها من قبل ديوان محافظة البصرة وقسم التخطيط وبالتنسيق مع الأقضية والنواحي في مركز وعموم المحافظة لا يتناسب مع حجم المشاريع الموجودة”.
وأضاف عبيد الذي يشغل رئيس لجنة التخطيط في مجلس المحافظة أن “البصرة لها خصوصية، فهي تمد العراق بأكثر من 80 بالمائة من الموازنة، وأن الأقضية والنواحي في شمال وجنوب البصرة أعدت مشاريع لبنى تحتية متكاملة، وكانت هذه ضمن وعودنا إلى جماهيرنا في المحافظة، بأنه سيتم إطلاق حملة إعمار كبيرة في عموم المحافظة، لكن تفاجأنا بتقليص هذه الموازنة إلى رقم لا يتناسب مع حجم المشاريع”.
ويشير مراقبون إلى أن الأرقام التي جاءت بها موازنة 2024 تدل على أن العراق يمر بفوضى اقتصادية ومالية كبيرة وأن لا سياسة اقتصادية واضحة في البلد.
وأكدوا على أن أموال الموازنة والأرقام الفلكية فيها لا تغير شيئًا من الواقع البائس في العراق ما دام الفساد والأحزاب الفاسدة تعشعش في البلد وتسيطر على مفاصل الدولة ومقدراته، وكما حدث بالموازنات الانفجارية السابقة التي اختفت دون تأثير على أرض الواقع.
وقال الكاتب مجاشع التميمي “الموازنة لن تحدث تغييرًا كبيرًا في الجانب الخدمي والاستثماري في العراق بسبب الفساد ونقص الإيرادات والافتقار إلى الخطط، وكانت التأثيرات السياسية واضحة على هذه الموازنة التي لم تختلف عن سابقتها”.
وأضاف “الجداول الخاصة بسنة 2024 هي جداول لموازنة تشغيلية وموازنة بنود، والحكومة تفاءلت كثيرًا بالواردات قبالة عجز كبير، وإن كان هذا العجز يسمى عجزًا تخطيطيًا ولا قلق منه، لكن تبقى هناك أزمة لأن الحكومة استهدفت أكثر من 30 قطاع وأكثر من 7000 مشروع وهذا صعب في ظلّ الفساد المالي والإداري في البلاد”.
وكشفت اللجنة المالية في مجلس النواب، حجم موازنة 2024 ونسبة العجز فيها، فيما حددت النقاط الخلافية الدائرة حولها.
وقال عضو اللجنة، محمد نوري إن “العجز الحقيقي في موازنة 2024 كبير جدًا وهو يتجاوز 80 ترليون دينار، وما ذكرته الحكومة (نحو 64 ترليونًا) غير حقيقي”، مبيناً أن “المبلغ الإجمالي للموازنة يتجاوز 211 ترليونًا” .
وأشار إلى أن نقاط الاعتراض تتمحور حول خفض تخصيصات المحافظات بشكل كبير جدًا، إضافة الى نقل صلاحيات بعض الجهات وزيادة تخصيصات الصناديق”، منوهًا إلى أن “اللجنة المالية لم تعدل حتى الآن على الجداول وباقية كما وردت من الحكومة.

ومن أبرز التعديلات على الموازنة الحالية التي خضعت للتدقيق في اللجنة المالية بالبرلمان، منح الحكومة صلاحية مناقلة الأموال بين الوزارات وكذلك مبالغ استثمارية مختلفة لصالح مشاريع خدمية وبنى تحتية في عموم مدن البلاد.
وبدا واضحا ارتفاع كلفة إنفاق التشغيل العام في البلاد، حيث ارتفع اجمالي مرتبات الموظفين من 59.2 إلى 63.4 تريليون دينار بزيادة قدرها 4.2 تريليونات دينار، كما ارتفعت كلف شبكات الرعاية والإعانات الحكومية من 24.5 إلى 26.9 تريليون دينار بزيادة قدرها 2.4 تريليون دينار.
وقال المختص بالشأن الاقتصادي أحمد الشيخ إن “موازنة العام الحالي أقرت بعد اقتراب انقضاء النصف الأول من هذا العام، وهو ما يعني وجود صعوبة أمام الحكومات المحلية بالمحافظات وحتى على مستوى الوزارات من إقرار خطط مشاريع التنمية والتطوير على أساسها، ومن غير المتوقع أن تتمكن جميع الجهات الحكومية والتنفيذية من إنفاق كل مفردات الموازنة”.
وأضاف أن “الموازنة التشغيلية والمقصود بها مرتبات الموظفين تستهلك أكثر من 60 بالمائة من الموازنة، ومقدمًا الحكومة مدينة للبنك المركزي بمرتبات الأشهر الخمسة التي انقضت، وهو ما يعني أن إقرار الموازنة الحالية لم يعد مؤثرا على السوق كما لو أقرت منذ بداية العام”.
وخلت الموازنة من التعيينات الجديدة بحسب ما كشف عنه عضو اللجنة القانونية في البرلمان رائد المالكي، والذي أشار إلى احتوائها على ضرائب كبيرة على تجهيز الكهرباء فضلا عن ارتفاع محتمل في أسعار البنزين.
وأضاف، أن جداول الموازنة التي أرسلتها الحكومة تحتوي فقط على تغييرات من ناحية تخصيصات الوزارات، والتخصيصات المرصودة لكردستان العراق، كما احتوت على بعض التعديلات التي تتعلق بطرق التمويل، الذي اعتمد على فرض الرسوم والضرائب وزيادة أسعار بيع النفط الخام، وهو ما سيؤدي إلى نقل عبء التكاليف الإضافية الى شركات توزيع المنتوجات النفطية، ما يعني أن الأخيرة ستنقلها إلى المواطن وترفع أسعار البنزين.
وبالنظر لحجم الانفاق الكبير من قبل حكومة الإطار التنسيقي المتمثلة برئيس الوزراء محمد شياع السوداني طالب مختصون في البنك المركزي العراقي حكومة السوداني بتقديم إيضاحات بشأن السياسة المالية والنقدية خلال السنة والنصف الماضية.

وأشار مختصون إلى سلبيات رافقت تلك الفترة ومنها ارتفاع مقدار العملة المصدرة من 82 ترليون دينار إلى 99 تريليونا، مقابل انخفاض الاحتياطيات من العملة الأجنبية من 148 تريليونا إلى 141 ترليون دينار.
ونبهوا إلى ارتفاع الدين الداخلي من 66 ترليون دينار إلى 74 تريليونا وانخفاض الاستثمارات الأجنبية من 27 ترليون دينار إلى 17 تريليونا فضلا عن ارتفاع النفقات التشغيلية من 60 مليار دولار إلى 90 مليار دولار سنويا.
وأكد الباحث الاقتصادي علي العامري أن الديون الخارجية والداخلية وارتفاع النفقات التشغيلية ضمن جداول الموازنة فاقم من نسبة العجز، وشكل خطورة بالغة على الاقتصاد الوطني العراقي.
وأضاف أن الصراعات السياسية والتنافس على تحقيق المكاسب المالية من الموازنة تعتبر سببًا رئيسًا لتأخر إقرارها، والإسراع في إقرارها في البرلمان يعتمد على التوافقات الحزبية والسياسية.
وبيّن أن الحكومة لم تستثمر فرصة ارتفاع أسعار النفط وارتفاع الإيرادات المالية العائدة منها في تخصيص جزء مالي لسداد الديون وخفض تأثيرها من أجل الحد من ارتفاع مستويات الديون المترتبة على ذمة العراق.
وأشار إلى أن التعيينات التي وصلت إلى عشرات الآلاف دون تخطيط حقيقي ستكون عبئاً على الدولة، ولا يمكن الاستمرار في دفع الرواتب مع أي انخفاض محتمل لأسعار بيع النفط في الأسواق العالمية.
وأفاد العامري بأن ارتفاع مستويات العجز سوف يستنزف موارد الدولة المالية ويقيد الفرص المتاحة لتنمية المستدامة، ويعرض البلد لأزمة مديونية لا يمكن التخلص منها ما لم يتم تجاوزها من خلال الاستثمار الأمثل لموارد الدولة، والحد من مستويات الإنفاق الحكومي.
وشدّد على أهمية فتح مجالات جديدة للاستثمار وتعديد مصادر الدخل العام للدولة العراقية من أجل تجاوز أزمة مالية واقتصادية كبيرة قد تكلف العراق الكثير من الخسائر على المستوى الداخلي والخارجي.