بلاد النهرين تحت وطأة التصحر والجفاف والعطش والتلوث في اليوم العالمي للبيئة
بحلول العام 2050، يزداد معدّل الحرارة السنوي في العراق بدرجتين ونصف الدرجة المئوية، وفق البنك الدولي. الأمر الذي يتسبب بالمزيد من التصحر والجفاف في بلاد النهرين التي كانت تسمى بأرض السواد لخصوبة أراضيها ووفرة مياهها.
بغداد- الرافدين
يمثل العراق المثال الدولي الأبرز على التدهور البيئي والتصحر والجفاف والفشل الحكومي في تخفيف الأعباء على العراقيين وهم يواجهون أزمة وجودية متعلقة بالعيش في بلدهم منذ أكثر من عقدين.
وتتم الاستعانة بالعراق كمثال على الخطر الذي تواجهه البيئة في الاحتفال السنوي باليوم العالمي للبيئة الذي حددته الأمم المتحدة في الخامس من حزيران من كل عام.
وتقول الأمم المتحدة تواجه النظم البيئية تهديدات متزايدة في جميع أنحاء العالم. بدايةً من الغابات والأراضي الجافة إلى الأراضي الزراعية والبحيرات، وتصل تلك المساحات الطبيعية والتي تعتمد عليها وجود البشرية مرحلة الانهيار.
وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن ما يصل إلى 40 في المائة من أراضي الكوكب متدهورة، مما يؤثر بشكل مباشر على حوالي نصف سكان العالم. كما زاد معدل مدة الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000 – وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة، قد تؤثر حالات الجفاف على أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم بحلول عام 2050.
لهذا السبب يركز اليوم العالمي للبيئة 2024 على استعادة الأراضي، ووقف التصحر وبناء مقاومة الجفاف تحت شعار “أرضنا مستقبلنا. #معا_نستعيد_كوكبنا”. وسيوافق عام 2024 الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
وتصنّف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررًا من بعض تداعيات التغير المناخي.
ويتوقع بحلول العام 2050، أن يزداد معدّل الحرارة السنوي في العراق بدرجتين ونصف الدرجة المئوية، وفق البنك الدولي. الأمر الذي يتسبب بالمزيد من التصحر والجفاف في بلاد النهرين التي كانت تسمى بأرض السواد لخصوبة أراضيها ووفرة مياهها.
ويعاني العراق منذ سنوات من ارتفاع معدلات التلوث البيئي، وتعد العاصمة بغداد من أسوأ مدن العالم من حيث جودة الهواء والتلوث وفقًا لإحصائية صدرت في التاسع من تشرين الأول 2023 لمرصد “WORLD OF STATISTICS” الذي يصدر إحصائيات عالمية دورية بمختلف المجالات اعتمادًا على بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الفاو ومنظمة العمل الدولية.
ورسمت وزارة البيئة في العراق صورة ملوثة في اليوم العالمي للبيئة بإعلانها ارتفاع نسبة تلوث الأنهر إلى تسعين بالمائة، داعية إلى إعادة النظر باستراتيجية المياه في العراق.
وذكر مدير عام الدائرة الفنية في الوزارة عيسى الفياض، إن نسبة تلوث الأنهر بلغت 90 بالمائة بسبب تصريف مياه الصرف الصحي فيها دون معالجة.
وأضاف أن البنى التحتية في بغداد تستوعب من 3-4 ملايين مواطن، في حين يعيش في بغداد ما يقارب 8 ملايين نسمة، مشيرا إلى أن كل محطات تصريف مياه الأمطار تحولت إلى محطات للصرف الصحي وترمي المياه إلى الأنهار دون معالجة، فيما تكون هذه المحطات في بعض الأحيان قريبة من مأخذ مياه الشرب.
وكشفت وزارة البيئة عن أن كميات النفايات الإجمالية التي ترمى في البلاد تصل إلى 20 مليون طن يوميًا.
وأضافت الوزارة أن أكثر من كيلوغرامَين من النفايات هو المعدّل اليومي لكلّ فرد عراقي، مضيفة أنها بصدد مفاتحة أمانة بغداد والبلديات لإطلاق مشروع “صفر نفايات”، لكنه بحاجة إلى وقت طويل، على حد وصفها.
وتعاني محافظات العراق من عدم تخصيص مساحات واسعة في معظم مناطقها لرمي النفايات، فيعمد الكثير من السكان إلى حرقها للتخلّص منها ومن الروائح الكريهة المنبعثة منها، الأمر الذي يتسبّب في تصاعد الأبخرة السامة في تلك المناطق، وسط استمرار شكاوى السكان من المكبّات ومواقع الطمر التي تخنق مناطقهم.
وقالت الوزارة إن أكثر المؤسسات الحكومية ضررًا على البيئة في البلاد، هي ضمن قطاع الطاقة مثل النفط والكهرباء والنقل وأمانة بغداد، والإسكان والاعمار والبلديات العامة لقطاع النفايات.
وأوضحت أن الاجراءات المتخذة من المديريات في المحافظات غير فعالة بالشكل المطلوب، ولا تتلاءم مع حجم التلوث البيئي.
ونوهت إلى أن المؤسسات الحكومية هي الأكثر ضررًا على البيئة بسبب حجم الأنشطة الحكومية وما تطلقه من ملوثات للبيئة المحيطة، ما يتسبب بتلوث الهواء والماء والتربة كأنشطة القطاع النفطي وقطاع الطاقة الكهربائية والقطاع الصحي وقطاع الصناعة والقطاع البلدي وغيرها”.
إلى ذلك أكد معهد “الولايات المتحدة للسلام”، أن العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررًا من تأثير تغير المناخ في العالم.
وحذر المعهد من أن التغير المناخي يهدد الأمن المائي والغذائي لأكثر من (43) مليون عراقي، في ظل الإهمال الحكومي المستمر وغياب الحلول لمشكلة الجفاف والتصحر.
ولفت إلى أن العراق مازال بحاجة إلى التكنولوجيا والخبرة للتخفيف والتكيف مع التغير المناخي.
وسبق أن كشف رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، في آذار الماضي، عن تضرر سبعة ملايين عراقي بسبب التغير المناخي.
ونتيجة لهذه الظروف مجتمعة، اضطرت الحكومة والأهالي إلى اللجوء للمياه الجوفية بغية سد النقص الحاصل في مياه الشرب والسقي.
ويمتلك العراق 5 ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة أي التي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلًا عن الخزين الاستراتيجي غير المعلوم الكمية إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.
وتستخدم هذه المياه – التي تعد بديلاً عن المياه السطحية – للأنشطة الزراعية أو الصناعية أو حتى للاستخدامات البشرية، حسب الاحتياج الفعلي في تلك المناطق.
وبينما يحذر متخصصون من الاعتماد على المياه الجوفية في الزراعة، لما لها من آثار خطيرة على المستوى القريب فضلًا عن البعيد، يطالب آخرون بوضع شروط لاستخدامها وأن يكون للطوارئ وحسب الاحتياج الفعلي للمياه، وعبر استخدام طرق الري الحديثة لترشيد الاستهلاك.
وقال الخبير في الموارد المائية تحسين الموسوي إن طريقة سحب المياه الجوفية بهذه الكميات لها آثار خطرة على المستوى القريب فضلًا عن البعيد، وحاليًا وصلت البلاد إلى مرحلة الجفاف بعد أربعة مواسم متتالية، ومنذ موسمين يتم استخدام الخزين الميت وهذا يحدث لأول مرة في التاريخ.
ولفت إلى أن ما يزيد الأزمة بعد عام 2003، اعتماد الحلول الترقيعية كخطة استراتيجية، فلا يدرك صانع القرار في البلاد خطورة وضع المياه في المستقبل.
ويتفق مدير دائرة المياه الجوفية السابق في محافظة المثنى أحمد سرداح الزبيدي مع ما ذهب إليه الموسوي بالقول إن “المياه الجوفية في بادية السماوة تتعرض للاستنزاف جراء الآبار التي تحفر دون موافقات رسمية”.
ويؤكد الزبيدي أن المياه الجوفية وخلافًا لما يشاع عن وفرتها إلا إنها محدودة، وتتقلص باستمرار جراء تراجع الأمطار وزيادة الاستخدام ويضرب مثالًا في هذا الصدد هو الأوضح كما يقول “جفاف بحيرة ساوة”.