أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

التغير المناخي وغياب الحلول الحكومية يتسببان بموجات نزوح جديدة بين المحافظات العراقية

تفاقم أزمة التغير المناخي وما تخلفه من موجات نزوح يعود إلى تجاهل الحكومة للتحذيرات الدولية، والاكتفاء بإعداد الدراسات وتحديد المشكلة، دون أن تكون هناك إجراءات على أرض الواقع لمعالجة الأزمة.

النجف – الرافدين
حذر مختصون عراقيون من تفاقم ظاهرة التغير المناخي وانعكاسها على العراق بالتزامن مع تسجيل معدلات نزوح من عدة محافظات إلى محافظة النجف، وارتفاع وتيرة التصحر والجفاف وشح المياه، التي وصلت إلى حد معاناة وحرمان مناطق عديدة من المياه الصالحة للشرب.
ولفتوا إلى تضرر الزراعة المحلية، التي سبّبت هجرة قسرية للكثير من العائلات إلى مناطق أخرى، ما ينذر بكوارث يصعب مواجهتها.
وأكدوا أن هناك ارتباط وثيق بين انحسار مساحة الأرض المزروعة والهجرة من الريف إلى مدن العراق ومخاطر تراجع البساط الأخضر الذي يؤدي إلى تداعيات كبيرة على التنوع البيولوجي.
وأشار آخرون إلى أن ما يقف حائلاً أمام تنفيذ مشاريع تنظيم الحصص المائية والسدود التي يمكنها إعادة الحياة إلى الأراضي الزراعية هو المحاصصة الطائفية والسياسية التي تتسبب في تدهور مختلف القطاعات.
وأجمعوا على أن تفاقم أزمة التغير المناخي وما يخلفه من موجات نزوح يعود إلى تجاهل الحكومة للتحذيرات الدولية، والاكتفاء بإعداد الدراسات وتحديد المشكلة، دون أن تكون هناك إجراءات على أرض الواقع لمعالجة الأزمة.
وأكدوا على أن تداعيات أزمة نقص المياه التي تضرب العراق لها انعكاسات خطرة على الزراعة والأنشطة الاقتصادية والأحوال الاجتماعية والبيئة وغيرها، كما تؤدي إلى تراجع حاد في الاكتفاء الذاتي وقلة الإنتاجية وازدياد نسبة الفقر بين سكان المناطق الريفية، وموجات النزوح والمشكلات الاجتماعية التي تحصل بين المزارعين والصيادين بسبب نقص المياه، لذا فإن التداعيات خطرة جدًا على العراق وتحتاج إلى وقفة جادة لإنقاذ البلد من كارثة باتت قريبة للغاية.
وسجلت دائرة الهجرة والمهجرين في النجف، نزوح 743 عائلة إلى المحافظة قادمين من محافظات الوسط والجنوب، بسبب ظاهرة التصحر والتغيرات المناخية.
وقال مدير دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة النجف حيدر عبد الكاظم إن هذه العائلات انقسمت بواقع 664 عائلة من محافظة القادسية و67 عائلة من المثنى، إضافة إلى 12 عائلة من محافظة ذي قار، مشيرًا إلى أن ظاهرة التصحر والجفاف بدأت بالظهور منذ نحو أربع سنوات.
وأضاف أن “النازحين جاؤوا من مناطق محددة تعرضت للتصحر في هذه المحافظات، وانتشروا في مختلف الأماكن بمحافظة النجف”، منوهًا أن “النجف لم تشهد في السنوات السابقة هكذا نزوح”.
وأكد على أن السبب الرئيس لحالات النزوح يعود بالدرجة الأساس يعود إلى لقلة مناسيب المياه والاطلاقات المائية.
وقال الرئيس السابق لجمعية الفلاحين في محافظة ذي قار إبراهيم حسن الشاهر، إن “التغير المناخي تسبب في عدم استقرار حياة الفلاحين في الأرياف ما دفعهم إلى الهجرة باتجاه المدن بحثًا عن لقمة العيش”.
وأضاف أن أكثر من 40 بالمائة من القرى والأرياف في حدود محافظة ذي قار أصبحت “مهجورة” بسبب تغير المناخ، وانخفضت أعداد الجمعيات الفلاحية التي كانت تبلغ سابقًا 93 جمعية إلى النصف خلال السنوات القليلة الماضية.
وتابع “أما الفلاحون فقد هاجروا مع عائلاتهم من هذه القرى، ويشكلون اليوم غالبية سكان المناطق العشوائية عند أطراف الناصرية، لأنهم لا يمتلكون الأموال لشراء بيوت في المدينة أو دفع الإيجار”.
ووفقًا لتصريحات لرئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي مطلع شهر أيار الماضي، فإنه منذ عام 2016 وحتى العام الماضي، نزح أكثر من 100 ألف شخص، من المناطق المتضررة بالجفاف.
وبين أن “العراق صنف خامس أكثر البلدان عرضة للانهيار المناخي، إذ يتأثر بارتفاع درجات الحرارة، وعدم كفاية تساقط الأمطار، وتفاقم حالات الجفاف وندرة المياه، والعواصف الرملية والترابية المتكررة والتصحر، والفيضانات”.
وأضاف الغراوي “هناك أيضًا تدهور الأراضي الزراعية وارتفاع ملوحة التربة فيها، ومما يزيد من تفاقم هذه المشكلة، أن سياسات المياه في البلدان المجاورة أدت إلى تقليص مصادر المياه الحيوية، في حين يعمل النمو السكاني السريع، والتوسع الحضري، والاستخدام غير الفعال للمياه في القطاعين الزراعي والصناعي، على دفع الطلب على المزيد من المياه”.
وأشار إلى أنه استنادًا إلى تقرير منظمة الهجرة الدولية، فإن الأبعاد التي أدت إلى النزوح البيئي في العراق كانت بسبب الأحداث البيئية والحصول على الخدمات والبنى التحتية والمياه وسبل العيش.
وأوضح أنه سجلت 10.09 من نسبة السكان النازحين بسبب المياه، ونسبة 8.64 من الأسر النازحة بسبب معاناتها في تلبية احتياجاتها، وبنسبة 8.28 بسبب الخدمات والبنى التحتية، وبنسبة 7.73 من الاعتماد على الأرض لسبل العيش.
ويرى مدير معهد نيسان المهتم بالشأن البيئي، فلاح الأميري أن “العراق شهد تغييرًا ديموغرافيًا كبيرًا جراء التغير المناخي وعدم وجود سياسة للتكيف معه، فكانت هناك هجرة ونزوح غير منظورة وتدريجية في عام 2003 إلى أن بدأت واضحة في العام 2023، وذلك بسبب العامل الأساس في التغير المناخي، ألا وهو قلة الموارد المائية في الأراضي الرطبة”.

كارثة تعيشها الأهوار العراقية

وذكر أن العلاقة بين الهجرة والنزوح علاقة عكسية؛ فكلما أصبحت هناك وفرة بالمياه انخفضت نسبة الهجرة والنزوح، وكلما انحسرت كميات المياه في المناطق الرطبة التي يعتمد سكانها على المياه في الزراعة والصيد وتربية المواشي، زادت نسبة الهجرة والنزوح.
ونبه إلى أن استمرار الهجرة والنزوح وبدون متابعة وتدقيق، وبدون تشخيص المشاكل البيئية وتفصيلاتها، قد تزيد الحالة ويكون هناك تهديد أمني ومجتمعي كبير لا يمكن السيطرة عليه جراء النزاعات والاكتظاظ السكاني في مراكز المدن.
ويرى الصحافي المختص في قضايا المناخ مرتضى حميد، أن اضطرار الفلاحين ومربي الحيوانات بعد الهجرة من الأرياف إلى تغيير مهنهم، تسبب لهم بالمشاكل في المدينة وتضايق سكانها الذين يبحثون أيضًا عن فرص العمل، مشيرًا إلى صعوبة تعلم مهن جديدة بالنسبة للكبار في السن من المهاجرين.
ولفت مرتضى حميد إلى أن تأقلم أهالي الريف على العيش في المدن ليس سهلاً نظرًا للاختلاف الموجود بين طبيعة المجتمعين، وهو من أسباب اختيارهم أطراف المدن للعيش فيها.
ويروي ضياء صابر، وهو فلاح من قرية أبو خصاف في قضاء الكحلاء التابعة لمحافظة ميسان جنوب العراق جانبًا من معاناته، فمنذ نحو عام قرر العيش في مدينة العمارة مركز المحافظة، إذ اضطر لترك قريته نتيجة تداعيات تغير المناخ التي أضرّت باقتصاد منطقته.
وقال “خلال العامين الماضيين انخفضت مناسيب المياه بشكل كبير في الأهوار وأصبحنا نصرف أموالاً طائلة يوميًا على شراء المياه للشرب واحتياجاتنا اليومية، ولم نعد نتمكن من العيش وممارسة عملنا في تربية الجاموس والزراعة، لذلك اضطررت مع الكثيرين من سكان القرية والأهوار إلى الهجرة نحو المدينة بحثاً عن لقمة العيش”.
وأضاف أنه بات يعتمد على سيارته من أجل توفير القوت اليومي له ولعائلته المكونة من 8 أفراد، إذ يقوم بنقل البضائع داخل المدينة.
وأكد على أن أقرانه من سكان الأرياف المهاجرين الذين لا يمتلكون سيارات، يعملون اليوم كعمال في مشاريع البناء بأجر يومي.
وقال محمد بهلول، المزارع السابق والعامل في أحد الأفران بالعاصمة بغداد، إن “شح المياه أجبرني على القدوم من واسط إلى بغداد للعمل هنا وكسب المال وإعانة عائلة مكونة من خمسة أفراد كانت في السابق تعتمد على ما تبيعه من المحاصيل الزراعية”.
وتابع أن “الأرض التي كنت أزرعها أصبحت صحراء نتيجة شح المياه والجفاف، فالمساحات الزراعية تقلصت بشكل كبير عما كانت عليه خلال العقود الأخيرة”، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الشباب هاجروا نحو المدن الصناعية للعمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى