لم تستعجل أمريكا موافقة حماس؟
بدا لافتا أن خرج الرئيس الأمريكي بايدن بخطاب رئاسي كامل، تحدث فيه عن مبادرة إسرائيلية من ثلاث مراحل لتبادل الأسرى بين حماس والكيان الصهيوني. فإذا كانت المبادرة صهيونية، فلم لم يعلنها نتنياهو أو أي طرف صهيوني؟
وكانت المفاجأة أن سرب نتنياهو أخبارا عن رفضه لما ورد في خطاب بايدن!
وبدا الأمر مثيرا من بعد، إذ تتالت التصريحات الأمريكية من البيت والخارجية ومجلس الأمن القومي، لتحث حماس -ليل نهار- على الإسراع بالتوقيع على الاتفاق المعروض أو المبادرة التي أعلنها بايدن، وقال إنها إسرائيلية.
فلم تستعجل أمريكا توقيع الاتفاق، وهي التي صمتت صمت القبور حين وافقت حماس على المبادرة السابقة التي قدمها لها الوسطاء ولم يرفضها نتنياهو فقط، بل بادر فور موافقة حماس عليها إلى اجتياح رفح.
-بطبيعة الحال- يمكن تفسير الأمر على أنه نمط من الملاحقة الضاغطة على المقاومة، لتمرير المبادرة الصهيونية. كما يمكن القول بأن بالمبادرة فخاخ تريد الولايات المتحدة إيقاع حماس والمقاومة فيها عبر تشديد الضغط عليها.
وهناك من يرى أن الأوضاع تتصاعد والتصريحات الصهيونية تشي باحتمالات هروب نتنياهو للأمام مجددا وهذه المرة باتجاه لبنان، وهو ما ترفضه إدارة بايدن.
غير أن توضيح أسباب إطلاق بايدن ما يوصف بخريطة الطريق، وتخصيص خطاب رئاسي كامل لها، هو المفسر الأدق لهذا الإلحاح الأمريكي على الخروج من تلك الأزمة.
قيل بوضوح إن ثمة أسبابا انتخابية جليه خلف إطلاق المبادرة. وهنا فالإلحاح ناتج عن ضيق الوقت المتاح أمام بايدن انتخابيا. في الأسباب، أن بايدن في ورطه بسبب استمرار الحرب. هو أطلق المبادرة بنفسه لتطويق محاولة نتنياهو إسقاطه في الانتخابات عبر اللعب مع الجمهوريين، وأطلق المبادرة لإعادة جذب الجناح الرافض للتصويت له من داخل حزبه بسبب دعمه اللامحدود للكيان الصهيوني، بعدما أظهرت الانتخابات التمهيدية تزايد نسبة الذين امتنعوا عن الالتزام بالتصويت له في الانتخابات وأغلبهم في الولايات المتأرجحة، بسبب موقفه الداعم والمشارك في الجرائم الصهيونية.
بايدن تحرك بعدما أشارت تقارير عديدة إلى أن نتنياهو يماطل ويضيع الوقت، وأن خطته تقوم على انتظار وصول ترامب. وهو تحرك بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي مدى تأثير الرافضين التصويت له من أعضاء حزبه، على حظوظ إعادة انتخابه.
قرر قطع الطريق، وأن يعمل هو وإدارته بسرعة لكي يحمل ورقه انتخابية تعزز فرص فوزه، وهذا هو سبب التشديد على فكرة توسيع مساحة التطبيع بين الكيان الصهيوني ودول عربية جديدة.
غير أن الأسباب الأهم تعود إلى ما بات واضحا- بل مؤكدا- وفق التقارير الإستراتيجية الأمريكية، بأن كل يوم يمر والحرب مشتعلة، هو لمصلحة المقاومة والشعب الفلسطيني. وبايدن أشار لذلك في خطابه أو بيانه الرئاسي.
في هذا البيان- الخطاب، قال بايدن نصا “إن الحرب إلى أجل غير مسمى سعيا وراء فكرة النصر الكامل غير المحددة لن تؤدي إلا إلى تعثر إسرائيل في غزة واستنزاف مواردها الاقتصادية والعسكرية والبشرية وتعزيز عزلتها في العالم”.
وقال أيضا “لن تعيد الحرب إلى أجل غير مسمى الرهائن إلى منازلهم ولن تحقق الهزيمة الدائمة لحماس ولن تؤمن الأمن المستدام لإسرائيل. ولكن النهج المتكامل الذي يبدأ بهذه الصفقة سيعيد الرهائن إلى منازلهم ويحقق المزيد من الأمن لإسرائيل”.
هنا يعترف بايدن بأن استمرار الحرب ليس لمصلحة الكيان الصهيوني. وهو ما تحدثت عنه تقارير أمريكية عديدة، قالت إن المقاومة تعتمد خطة استنزاف مؤثرة على الكيان الصهيوني.
وقد جاءت المؤشرات متسارعة بتحول المقاومة إلى الهجوم الإستراتيجي، وبتحول الكيان الصهيوني إلى الدفاع.
وإذا كانت هجمات المقاومة ونوعيتها –وآخرها الهجوم خلف خطوط القوات الصهيونية في معسكر كرم أبو سالم- قد أكدت هذا التحول، كذلك كان انضمام إسبانيا لجنوب أفريقيا في الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية.
غير أن الأخطر هو ما أظهره استطلاع رأي حديث جرى للضباط العاملين في الجيش الصهيوني، إذ قال 42 بالمائة منهم أنهم راغبون في الاستمرار في الخدمة العسكرية الدائمة بعد انتهاء الحرب على غزة، فيما قال 58 بالمائة منهم أنهم يرغبون في مغادرة الخدمة.
ووصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية، هذه المعطيات بأنها “أذهلت قيادة الجيش الإسرائيلي. وفي الجانب الآخر، فقد أظهر استطلاع لرأي الجمهور الصهيوني، أن نسبة من يؤيدون وقف الحرب في مقابل الإفراج عن الأسرى ارتفعت إلى 60 بالمائة.
وهو ما يعنى أن الكتلة الحرجة المنوط بها الضغط لأجل وقف الحرب دون تحقيق أهدافها تتشكل وتقوى، وأن الهزيمة واقعه لا محاولة.
بايدن لديه أسباب انتخابية، لكن الأهم أنه يتدخل لإنقاذ الكيان الصهيوني من هزيمة إستراتيجية محققة.