العراق يتحول إلى موطن لمرض الحمى النزفية بعد ارتفاع وتيرة الإصابات مجددًا
مختصون يحذرون من تبعات فشل السلطات الحكومية في القضاء على مسببات تفشي الحمى النزفية لاسيما مع قرب حلول عيد الأضحى المبارك وارتفاع درجات الحرارة.
بغداد – الرافدين
كشف ارتفاع إصابات الحمى النزفية في العراق حجم الإهمال واللامبالاة الحكومية بأرواح العراقيين والعجز عن وضع حد للمرض الذي يزداد تفشيه مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة وسط مخاوف من موجة أشد فتكًا مع حلول عيد الأضحى المبارك.
وتسببت الحمى النزفية بوفاة نحو 50 مواطنًا وإصابة 273 آخرين منذ مطلع العام الحالي وفق أحدث إحصائية أعلنتها وزارة الصحة التي كشفت كذلك تصدر محافظة ذي قار قائمة أكثر المحافظات بعدد الإصابات والوفيات بالحمى النزفية.
واستعرض المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر أرقام الإصابات التي جاءت على النحو التالي “ذي قار 113 إصابة و26 وفاة، ميسان 31 إصابة و3 وفيات، واسط 24 إصابة ووفاتان، بابل 24 إصابة ووفاتان، المثنى 17 إصابة و6 وفيات، البصرة 11 إصابة وحالة وفاة واحدة”.
ووفقًا للبدر فإن “القادسية سجلت 10 إصابات، وبغداد الكرخ 9 إصابات ووفاتان، كربلاء 8 إصابات، بغداد الرصافة 6 إصابات ووفاتان، نينوى 4 إصابات، أربيل 3 إصابات وحالة وفاة واحدة، كركوك 3 إصابات وحالة وفاة واحدة، النجف 3 إصابات، ديالى إصابتان وحالة وفاة واحدة، صلاح الدين إصابتان ووفاتان، دهوك إصابتان، الأنبار إصابة واحدة.
وتشير الأرقام إلى اتساع رقعة الإصابات في البلاد بشكل متسارع خلال الأشهر الماضية قبل أن تصل إلى مستويات قياسية مع ارتفاع درجات الحرارة ما أظهر ردود فعل ومخاوف من تفشي الفيروس، وعدم جدية حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في معالجة هذا المرض وانتشاره.
ويؤكد عضو لجنة الصحة النيابية باسم الغرابي، أن “حشرة القراد الناقلة لمرض الحمى النزفية تمر بسبات في فصل الشتاء وتنشط في فصل الصيف، لذلك تسجل إصابات في هذا الوقت عند كل موسم، وهي في ارتفاع أكثر من المعتاد منذ عامين”.
ويرجع الغرابي، نشاط المرض إلى “الرعي والجزر العشوائي في الشوارع، ما يتطلب حملة إرشادية وإجراءات علاجية من قبل وزارة الصحة التي لديها معلومات كاملة عن الحمى النزفية، كما أن بروتوكول العلاج متوفر ويتم القضاء على حشرة القراد من خلال المبيدات وتغسيل وتغطيس الأغنام وغيرها”.
ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن الحمَّيات النزفية الفيروسية هي من بين حالات طوارئ الصحة العامة الهامة التي تثير قلقًا دوليًا كما حددتها اللوائح الصحية الدولية (2009).
و تتميز الحمَّيات النزفية الفيروسية ومن بينها حمى الضنك أو الحمى النزفية بظهور مفاجئ، وألم في العضلات والمفاصل، وحمى، ونزف، وصدمة، نتيجة فقْد الدم. في الحالات الشديدة في حين يكون العرض البارز هو النزف من فوهات الأعضاء الداخلية.
ودق خبراء بيطريون ناقوس الخطر لتجاهل الحكومة التحذيرات المستمرة من مخاوف انتشار الفيروس على نطاق أوسع ولاسيما في ظل انهيار الواقع الصحي وانتشار عوامل التلوث البيئي، مشيرين إلى أن الحمى النزفية توطنت في العراق، وما يحصل اليوم هو وباء الحمى النزفي.
وأضاف الخبراء أن “عدم مكافحة حشرة القراد على مدار السنوات الماضية تسبب بانتشار المرض في العراق”.
وأكدوا أن “وزارة الصحة لم تتبن أي خطط لمواجهة الحمى النزفية والحد من انتشارها، نتيجة اللامبالاة المستمرة للحكومة بحياة المواطنين، مبينين أن أسباب المرض الرئيسة ترتبط بالذبح العشوائي المنتشر في شوارع المدن، والتقلبات المناخية مع قلة مكافحة الحشرات من قبل وزارة الصحة”.
وعلى الرغم من الموازنات الانفجارية التي يقرها العراق يجمع عاملون في مجال الصحة على أن المستشفيات في العراق لا تمتلك الإمكانيات اللازمة للعناية بمصابي فيروس الحمى النزفية.
وأضافوا أن “الوضع الصحي في العراق مترد، ويعد فقيرًا نسبيًا بسبب النقص في مستلزمات الأدوية والأجهزة الطبية، فضلًا عن البنى التحتية التي بحاجة إلى تطوير”.
ويؤكد أخصائي طب الطوارئ الدكتور عرفان يونس الشمري إنه “على الرغم من انتشار مرض الحمى النزفية لا توجد مستشفيات متخصصة بالأمراض المعدية في العراق الذي يعد موطنًا للأمراض الخطيرة”.
وأضاف الشمري في مداخلة له على قناة “الرافدين” الفضائية أن “هناك ثلاث دوائر مسؤولة عن السيطرة على المرض الأولى هي دائرة البيطرة في وزارة الزراعة ومهمتها الرئيسة العناية بالحيوان من خلال إعطائه اللقاحات المطلوبة وتهيئة البيئة الصحية، ووزارة الداخلية التي يجب عليها منع الرعي والجزر العشوائي، ووزارة الصحة بتوفير المستشفيات المختصة بالأمراض الانتقالية وأي خلل في هذه الدوائر الثلاث سيتسبب بتفاقم المرض”.
في المقابل تحاول الجهات المسؤولة عن قطاع الصحة والزراعة في العراق السيطرة على المرض وعدم تفشيه بشكل أوسع في محاولة لاستيعاب الانتقادات بعد أن أدى تقاعس تلك الجهات إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض خلال السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق يؤكد مدير المستشفى البيطري في محافظة بابل الدكتور أحمد فرهود أن “التحدي الأول يتمثل بوجود 5 مجازر عاملة فقط في بابل، في ظل استمرار إغلاق 6 مجازر بأمر وزاري منذ سنوات، وتمت مناقشة إمكانية فتح أماكن مؤقتة للجزر لعدم كفاية المجازر الرسمية وتكون تحت إشراف السلطتين البيطرية والبيئية”.
ويتابع فرهود “كما حصل اتفاق خلال الاجتماع بمتابعة الجزارين بشكل صارم من خلال اللجنة المشتركة للحد من الجزر العشوائي العاملة حاليًا ويستمر عملها إلى ما بعد عيد الأضحى، وأن لجنة الحد من الجزر العشوائي مستمرة بالتفتيش في كامل المحافظة ومستمرة بمتابعة الحيوانات المنقولة عن طريق تزويدها بشهادة صحية من إحدى المستشفيات البيطرية حصرًا”.
وكانت مديرة المستشفى البيطري في ديالى، ابتسام جاسم، أعلنت في أيار حالة الاستنفار للوقاية من الحمى النزفية في مناطق المحافظة، خاصة وأن الأخيرة سجلت عدة وفيات وإصابات العام الماضي.
وبينت مديرة المستشفى البيطري في ديالى أن “21 فريقًا بيطريًا يتجول يوميًا في مناطق المحافظة وينفذ حملات مكافحة وتغطيس للمواشي لقتل الوسط الناقل للفيروس وهو قراد الهايلوما، فضلًا عن إجراءات مشددة تفرض على نقل المواشي بشكل عام وفقًا للتعليمات البيطرية.
ومع اقتراب عيد الأضحى الذي تذبح فيه الأضاحي كفريضة دينية، يحذر متخصصون من تفشي مرض الحمى النزفية بشكل أوسع، لاسيما وأن الكثير من العراقيين يذبحون أضاحيهم بأنفسهم أو الإتيان بقصاب إلى داخل بيوتهم بدلاً من التوجه إلى المجازر الرسمية، ما يرفع خطر الإصابة بالفيروس.
ويقول القصاب أبو محمد من محافظة القادسية، إن “بعض الأهالي يطلبون ذبح أضاحيهم داخل البيوت، وبدورنا نحاول التأكد قبل عملية الذبح من مكان شراء الذبيحة وشهادة سلامتها من الأمراض”.
ويضيف القصاب أن “القصابين هم الأكثر عرضة للإصابة بالحمى النزفية نظرًا لوجود تماس مباشر مع دماء الحيوانات، ويتم حاليًا تطبيق إجراءات وقائية منها لبس الكفوف وتعقيم الأدوات ومكان الذبح باستمرار وغيرها من الإجراءات”.
ولا يوجد لقاح إلى الآن لفيروس الحمى النزفية، وتتضح أعراضه الأولية عند ظهور الحمى وآلام العضلات وآلام البطن، لكن عند تطوره، يؤدي إلى نزف من العين والأذن والأنف، وصولًا إلى فشل في أعضاء الجسم ما يؤدي الى الوفاة، بحسب وزارة الصحة في العراق.
وتؤدي الإصابة بالحمى النزفية إلى الوفاة بمعدل يتراوح من 10 إلى 40 بالمائة من المصابين، وفق منظمة الصحة العالمية.
وكان العراق قد سجل 6 إصابات فقط بين عامي 1989 و2009، ثم ثلاث وفيات في العام 2018، وصولًا إلى “33 حالة مؤكدة، بما فيها 13 حالة وفاة” في 2021 قبل أن تشهد الأعوام الأخيرة مزيدا من الإصابات وسط توقعات بطفرات أكبر في عدد الإصابات في الأعوام القادمة.