صيف احتجاجي لاهب ينطلق من ذي قار ويهدد حكومة الإطار التنسيقي
تهدئة موجة الغضب الشعبي في مدن جنوب العراق من قبل حكومة محمد شياع السوداني عبر وعود توفير الوظائف للعاطلين وتحسين الخدمات، حلول مؤقتة لن تخفف من شرارة الغضب الشعبي المتوقع انتشارها بين المحافظات.
ذي قار – الرافدين
تترقب حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني صيفا لاهبا من الاحتجاجات الشعبية في مدن وسط وجنوب العراق، جراء فشلها بالإيفاء بأي من وعودها الخدمية ومعالجة مشكلة البطالة.
وكشفت الاحتجاجات المتواصلة في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار منذ أكثر من أسبوع، بأن شرارة الغضب الشعبي تضرم بين جيل شاب يشعر بالظلم والقهر والتهميش وفقدان الأمل عندما تسد بوجهه فرص الحياة والكرامة في بلده.
ويتوقع مراقبون بأن الاحتجاجات كامنة في نفوس الشباب وهي أشبه بقدر ضغط كاتم يغلي في صيف مدن العراق اللاهب وليس من المستبعد انفجاره بأي لحظة ممكنة.
وقالوا إن مدينة الناصرية عرفت بموقفها المتحدي إبان ثورة تشرين ولم تتراجع أمام عمليات القمع من قبل القوات الحكومية والميليشيات الداعمة لها، وبمجرد انطلاق الاحتجاجات مجددا ستزيد من موجة الغضب وتتوسع إلى المدن الأخرى.
وأكدوا على أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني يشعر بذلك، ومحاولته الأخيرة لمنع اندلاع الاحتجاجات في محافظة المثنى المجاورة لذي قار، تكشف أنه لا يمتلك الحلول الواقعية تحول دون اندلاع احتجاجات شعبية ضد حكومته في مدن جنوب العراق.
وأعترف السوداني بالتحديات التي تواجهها حكومته بشأن إعادة ثقة المواطن بالعملية السياسية القائمة منذ احتلال العراق عام 2003.
وأكد خلال لقاء جمعه مع وفد من أهالي محافظة المثنى، وآمر لواء أنصار المرجعية في ميليشيا الحشد الشعبي، لاحتواء أزمة مخاوف احتلالها من قبل الميليشيات، على أن شرعية أي نظام سياسي تكون من خلال علاقته بشعبه.
وحاول السوداني الدفاع عن مجالس المحافظات بوصفها بؤرة فساد مشرع من أموال الشعب العراقي بذريعة أنها “جاءت عن طريق الانتخابات وأن على الجميع احترام خيارات المواطنين”.
ويدرك السوداني طبيعة الغضب الكامن في نفوس أهالي الناصرية منذ زيارته الأخيرة في شهر كانون الثاني الماضي التي تجنب فيها اللقاء بأي من المواطنين.
وأحيطت زيارة السوداني إلى مدينة الناصرية بحماية خاصة وحددت مساراتها مسبقًا للحيلولة دور مروره بأي من الطرقات والشوارع خشية من الغضب الشعبي المتفاقم في المدينة.
ولم يمر السوداني في أول زيارة له للناصرية بأي من طرقات المدينة الرئيسية ومركزها، فيما انتشرت قوات أمنية أرسلت إلى المحافظة قبل يومين من الزيارة لحمايته من أي غضب شعبي خصوصًا من أسر ضحايا ثوار تشرين وشهداء جسر الزيتون وقتلة المتظاهرين في شارع الحبوبي من القوات الحكومية وعناصر الميليشيات.
وتتواصل في محافظة ذي قار، تظاهرة حاشدة قام بها عدد من الخريجين المحتجين على أوضاعهم المعيشية والبطالة التي يعيشونها منذ سنوات.
وحاول المحتجون اقتحام مبنى ديوان المحافظة، ووصلوا إلى الباحة الخارجية للمبنى، ما أدى إلى حدوث أضرار مادية جسيمة في العجلات الحكومية المتواجدة في الموقع.
ونشرت مواقع محلية ونشطاء صورا تظهر الصدامات بين القوات الحكومية والمحتجين، كما شهدت المنطقة عملية كر وفر بين المحتجين والقوات التي حاولت السيطرة على الوضع واحتواء التظاهرة.
يأتي ذلك في وقت وجه وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري المتهم شقيقه جميل الشمري بمجزرة قتل المتظاهرين في الناصرية، بفتح تحقيق عاجل بأحداث العنف التي رافقت تظاهرات أمام شركة نفط ذي قار، في الناصرية. في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي.
وذكر بيان للوزارة، أن الوزير وجه فريق تحقيق مختص لمعرفة ملابسات إصابة 19 منتسبا ضمن قيادة شرطة محافظة ذي قار، إصابة أحدهم خطرة وأربعة مواطنين خلال التظاهرات التي عملت على إغلاق شركة نفط ذي قار والمنتوجات النفطية ومعمل غاز ذي قار.
وبدأت التظاهرات بشكل سلمي، إذ احتج موظفو العقود أمام شركة نفط ذي قار مطالبين بتثبيتهم على الملاك الدائم، وكان عناصر القوات الأمنية الشغب منتشرين عند مدخل الشركة، إذ منعوا المحتجين من الوصول إلى بوابتها، وحاولوا تفريقهم بالقوة، وهو ما دفع باتجاه حصول احتكاكات بين الطرفين، أعقبه ضرب بالهراوات والعصي من قبل عناصر الأمن طاول عددا من المتظاهرين والمتظاهرات من النساء، وهو ما أوقع إصابات في صفوفهم.
وتوافد، صباح الإثنين، المئات من المحتجين إلى ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية، التي كانت تمثل مركزا رئيسا لتظاهرات ثورة تشرين عام 2019، وشهد التجمع هتافات عبرت عن الغضب الشعبي من الاعتداءات التي شهدتها التظاهرات، وطالب المحتجون بالقصاص من المعتدين.
وقال الناشط في التظاهرات الاحتجاجية في الناصرية حيدر الفتلاوي إن الحكومة تحاول امتصاص الغضب الشعبي بكل الطرق خوفا من موجة تظاهرات واسعة.
وأضاف “تلقينا اتصالات من مسؤولين حكوميين وعدوا بحل المشكلة، وأنهم مكلفون رسميا بمتابعتها، وتلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين”.
وشدد على أن الحكومة تسعى لمنع أي حراك شعبي أو ردة فعل قد تحدث في الناصرية على أثر تلك الاعتداءات، مؤكداً على أن “الاعتداء على المتظاهرين أوقع 16 مصابا، بعض منها خطير، وهو يمثل انتهاكا خطيرا وقمعا للمطالبة بالحقوق، وهو استفزاز للناصرية”.
وأضاف أن “القمع لا ينهي التظاهرات الشعبية، وأن تظاهراتنا ستستمر حتى القصاص العادل من المعتدين، والحصول على حقوقنا”، مشددا على أن “الناصرية لن تسكت، وتجب محاسبة المعتدين وإقالة المسؤولين عن القمع”.
وغالبا ما تشهد محافظة ذي قار التظاهرات المناهضة لحكومة السوداني، للمطالبة بإطلاق سراح ناشطين يتم اعتقالهم من قبل القوات الحكومية.
وشهدت مدينة الناصرية موجة الاغتيالات بعد تهديدات باغتيال عدد من شهود العيان في قضية مجزرة جسر الزيتون في الناصرية إبان ثورة تشرين والتي يتهم فيها رئيس جامعة الدفاع العليا الفريق جميل الشمري شقيق وزير الداخلية الحالي عبد الأمير الشمري فضلًا عن الضابط عمر نزار.
وتتهم مراصد ومنظّمات حقوقية؛ السلطات الحكومية في العراق، باستخدام القضاء كأداة لقمع الناشطين والمواطنين الذين ينتقدون الفساد الحكومي، أو يكشفون جرائم الميليشيات في البلاد.
وجدد ثوار ذي قار وأسر الشهداء، بالتزامن مع عودة الاحتجاجات، المطالبة بالقصاص من المتورطين بقتل وقمع المتظاهرين بعد سنوات من مجزرة جسر الزيتون.
وطالب المتظاهرون بالقصاص من قتلة متظاهري جسر الزيتون، مشيرين إلى أن التسويف الحكومي بمحاسبة قتلة المتظاهرين ناجم عن تواطؤ واضح بين أحزاب السلطة والميليشيات والمتورطين بقمع التظاهرات.
كما أكد متظاهرو ذي قار أن ثوار تشرين مستمرون وماضون قدمًا على نهج ضحايا مجزرة جسر الزيتون، مشددين على أهمية تغيير الطبقة السياسية التي قادت البلاد إلى الدمار على مدى عشرين عامًا.
وحملت منظمة إنهاء الإفلات من العقاب السلطات القضائية مسؤولية حماية الشهود والأدلة في قضية جرائم قتل المتظاهرين المتهم فيها الضابط عمر نزار.
وأكدت المنظمة في بيان أن هناك محاولات ترهيب وترغيب وشراء للذمم تجري ضد ذوي الشهداء والجرحى، للتسويف في القضية وإحداث خلل في أركان القضية، مشيرة إلى أن المتهم عمر نزار كان مسؤولا عسكريًا عن استخدام السلاح ضد المتظاهرين السلميين في أحداث جسر الزيتون بالناصرية.