العمل المرهق ينهش أجساد أطفال العراق وسط غياب قوانين حمايتهم
قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق يطالب بإحداث تغيير جذري على الواقع السياسي الحالي في العراق، وأن تكون سلامة الأطفال وأمنهم ورفاههم في طليعة الأولويات الوطنية لضمان مستقبل أكثر إيجابية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
بغداد – الرافدين
حذر خبراء حقوقيون من المخاطر الكبيرة التي تحملها ظاهرة عمالة الأطفال في العراق على حياة وصحة وتنمية ومستقبل الأطفال بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال.
وأكدوا على أن عمالة الأطفال تؤثر سلبًا على وتنمية وسلامة وأمن البلاد، فهي تزيد من نسب الفقر والجهل والجريمة والإرهاب”.
ولفتوا إلى أن عدم انتظام قطاع العمل، الذي يفتقد إلى الرقابة والتنظيم من قبل الجهات المسؤولة، سواء الحكومية أو النقابية أو الصناعية، والذي يسمح بوجود فرص عمل غير شرعية أو غير مرخصة للأطفال، مثل المعامل الأهلية أو المشاريع المؤقتة.
وأشاروا إلى أن ضعف التشريعات وتطبيق القوانين المتعلقة بحماية حقوق الطفولة ومنع عمالة الأطفال، وعدم محاسبة المخالفين أو المستغلين للأطفال في أعمالهم، بسبب التدخلات السياسية أو نقص الموارد أو ضعف الإرادة.
وأجمعوا على تقصير حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في حماية الطفولة في العراق، رغم توفر جميع الإمكانيات المادية والبشرية لديها.
ويحتفي العالم في الثاني عشر من حزيران من كل عام باليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال والعمل على بذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة.
وتستثمر المنظمات الدولية والمحلية هذه المناسبة للتذكير بالواقع المؤلم الذي يعيشه الطفل العراقي وحرمانه من أبسط الحقوق.
وتتصاعد الدعوات لإنقاذ الطفولة في العراق من أوضاعها الكارثية بعد تنامي مؤشرات عمالة الأطفال وتفاقم الانتهاكات.
وسبق أن أكد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق على أن مستلزمات الحل الشامل لمشاكل حماية الطفل غير متوفرة في المعطيات الحالية، وإن الحاجة الأساسية لحماية الأطفال العراقيين هي إنهاء الصراع ومسبباته.
وشدد القسم على أن النظام الأسري والتعليمي والاستقرار الاجتماعي عنصرين أساسيين في الجهود المبذولة لتحقيق التقدم في حماية الطفل.
ولفت القسم أنه لتحقيق النظام والاستقرار يجب إحداث تغيير جذري على الواقع السياسي الحالي في العراق، ويجب أن تكون سلامة الأطفال وأمنهم ورفاههم في طليعة الأولويات الوطنية لضمان مستقبل أكثر إيجابية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
ويرى المسؤول في المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان سرمد العبدلي، أن العوامل التي تؤدي إلى عمالة الأطفال لا تزال موجودة.
وحذر العبدلي من أن بعض الأطفال يتركون في الشوارع لكسب لقمة عيشهم لأن عائلاتهم غير قادرة على إطعامهم، ويتعرضون للانجرار إلى تجارة المخدرات والعصابات الإجرامية والإرهاب.
وقال إن العامل الأساسي لعمالة الأطفال حاليًا هو العامل الاقتصادي، حيث لا تزال نسبة الفقر في البلاد مرتفعة.
وذكر المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، أن العراق يحتل المرتبة الرابعة عربيًا في عمالة الأطفال بعد اليمن والسودان ومصر.
وأوضح رئيس المركز فاضل الغراوي أن “النسبة تصل إلى 4.9 بالمائة في الفئات العمرية الصغيرة بنسبة إجمالية تصل 700 ألف طفل عامل من عمر 7 – 17 سنة يتركز عملهم في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات بنسب عالية”.
وبين أن “ارتفاع معدلات عمالة الأطفال في العراق سببها الأوضاع الاقتصادية بسبب انخفاض دخل الأسرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر والصراعات التي عاشها العراق والنزوح وارتفاع معدلات العنف الأسري ضد الأطفال وضعف منظومة التشريعات القانونية والاستراتيجيات لحماية حقوق الطفل”.
وأضاف الغراوي، أنه “على الرغم من مصادقة العراق على الاتفاقيات الأساسية الرئيسية التي تحمي الأطفال من جميع أشكال عمل الأطفال، ورغم أنه من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، إلا أن نسب عمالة الأطفال في العراق مازالت مرتفعة”.من جهته، قال عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي، إنّ “عمالة الأطفال تنتشر في البلدان النامية، من بينها العراق، عن طريق تشغيل الأطفال دون 15 عاماً في أعمال شاقة ومهينة، الأمر الذي يحرمهم من حقّهم في التعليم والنموّ السليم”.
وبين البياتي أن “أبرز الأسباب التي أدت إلى تنامي هذه الظاهرة هي النزاعات التي يشهدها العراق. وكنتيجة للاضطرابات، ثمة أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين، فضلاً عن ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة والتضخم والفساد”.
وأضاف “عدم توفّر الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه والكهرباء أجبر عائلات كثيرة إلى دفع أطفالها صوب سوق العمل، فضلاً عن ثغرات ونقص في التشريعات والقوانين والسياسات الخاصة بحماية الأطفال من قبل الحكومة، وعدم تطبيق المتوفّر من القوانين ذات الصلة”.
وتشير الباحثة الاقتصادية حوراء الياسري إلى أن “عمالة الأطفال تمثل خطرًا كبيرًا، لأنها وصلت إلى المرحلة الأشد سوءًا في تاريخ البلاد، بسبب قوانين الدولة المشلولة التي لم تعالج أصل المشكلة المتعلقة بالوضع الاقتصادي المتردي لعائلات كثيرة تزج بأبنائها في سوق العمل”.
وأكدت الياسري على أن الآثار السلبية التي قد تترتب على عمالة الأطفال تعرّضهم للابتزاز والتحرّش بطريقة مستمرة، بالإضافة إلى تفكّك الأسرة والتسرّب المدرسي. ونظرًا إلى هذه الآثار الجسيمة، لا بدّ من أن تكثّف الدولة جهودها في محاولة للحد من هذا الأمر.
ويرى الباحث الاجتماعي، محمود داوود، أن “الانخراط في العمل في سن مبكرة يعيق التقدم الأكاديمي للأطفال حيث يحرمهم العديد من الفرص التعليمية، بالإضافة إلى أن مسؤولية العمل تتطلب منهم إعطاء الأولوية للعمل على التعليم، وهذا الشيء يؤثر أيضًا على قدرتهم في التركيز على دراساتهم من خلال توفير وقتهم وطاقتهم في العمل”.
وبين داوود أن “ساعات العمل الطويلة، والضغط الجسدي، والتعرض لبيئات خطرة تساهم في التوتر والقلق، يمكن أن يؤدي الإجهاد البدني إلى الإرهاق والاضطرابات الجسدية، في حين أن ظروف العمل الخطرة يمكن أن تغرس الخوف والقلق بشأن سلامتهم.
وأضاف، أن الأطفال الذين يعملون في ظروف غير آمنة معرضون للاستغلال الجسدي والجنسي وسوء المعاملة والعنف، وقد يتعرضون للاعتداء الجسدي او اللفظي حيث يمكن ان يكون لهذه التجارب عواقب نفسية وخيمة تؤدي إلى الصدمة والخوف وعدم الثقة العميق بالآخرين.
وأشار إلى أن عدم وجود بيئة تنشئة ووقائية يؤثر بشكل أكبر على صحتهم النفسية واحترامهم لذاتهم، يمكن أن يؤدي نقص الدعم العاطفي والتوجيه والرعاية الى تفاقم مشاعر العزلة والوحدة، ويمكن ان يحرمهم ذلك من فرص التفاعلات الاجتماعية الإيجابية وتطوير علاقات صحية مما يؤثر بشكل أكبر على صحتهم العقلية.
وبينما يجد أطفال العراق أنفسهم خارج أروقة المدارس، ويعملون في بيئات عمل قاسية تفوق قدرة أجسادهم الصغيرة على تحملها، ومع وجود قوانين تحظر عمالة الأطفال وتؤكد حقهم في التعليم، فإن وجودهم في مؤسسات حكومية، بما في ذلك المستشفيات، لا يزال يثير “الدهشة”، ويتنافى مع تلك القوانين.
وقال الطبيب صفاء محمد الذي يعمل في أحد مستشفيات محافظة واسط إن “ظاهرة عمالة الأطفال تنتشر بشكل كبير في مستشفيات المحافظة، تحديدًا مستشفى الزهراء، حيث يتم تعيين معظم الأطفال عن طريق الواسطة، ونتيجة لسيطرة جهات محددة على المنطقة، يتم ذلك بسهولة تامة”
وأوضح أن “معظم الأطفال الذين يعملون في المستشفيات يتواجدون في أقسام الطوارئ أو في اعمال التنظيف، بينما يعمل بعضهم في شركات خاصة داخل المستشفيات”، مشيرًا إلى، أن “أعمارهم لا تتجاوز السبعة عشر عامًا”.
وأضاف أن “الأطفال والنساء غالبًا ما يكونون أول ضحايا سوء إدارة الدول، وتأخرها بالجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والعراق ليس استثناءًا في هذا السياق، حيث تتراكم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والأمني والحروب المستمرة، مما يؤدي إلى ظهور ظواهر سلبية مثل عمالة الأطفال”.
ويتفق الدكتور محمد الخزرجي الذي يعمل في مجال التحليلات المرضية في أحد مستشفيات الموصل مع الطبيب صفاء محمد بشأن ظاهرة عمالة الأطفال، ويصف الوضع بأنه “مستفز للغاية”، حيث يعتمد المستشفى بشكل كبير على الأطفال في أعمال التنظيف.
ولم يبد الخزرجي أي استغراب من وجود أطفال يعملون بمؤسسة حكومية، بظل غياب الرقابة والمتابعة، كون من مسؤول عن هذا الدور هو من يسمح باستمرار هذه الظاهرة.
ويرى المحامي محمد فهيم أن الاحتلال الأمريكي أدى إلى نكبات في المجتمع العراقي، من بينها غياب سيادة القانون والدولة، مما دفع البعض إلى استغلال الأطفال والزج بهم في حقول العمل.
وأشار إلى أن أطفال العراق دفعوا ثمنًا باهظًا، إذ فقدوا حقهم في التمتع بطفولة آمنة وسعيدة، فضلًا عن التعليم وبدلًا من ذلك، ترك الكثير منهم في الشوارع للعمل في سن مبكرة.