أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

السلاح المنفلت يخطف حياة المدنيين في العراق

مسح أجرته منظمة "سمول آرمز سورفي" التي تتعقّب انتشار الأسلحة في أنحاء العالم: يوجد في العراق أكثر من 15 مليون قطعة سلاح ناري خارج سلطة الحكومة.

بغداد– كان الطفل محمد أكرم ابن الأربعة أعوام جالسا في منزل العائلة عندما اخترقت رصاصة طائشة السقف واستقرت داخل رأسه مهددة بإصابته بشلل رباعي، في مشهد كثيرا ما يتكرر في العراق حيث ينتشر السلاح المتفلت.
تقول رندة أحمد (30 عامًا) فيما يجلس ابنها بين أحضانها “كان محمد في غرفة المعيشة حين سمعنا فجأة صوت ضربة”، مضيفة “جاءت طلقة نارية مباشرة برأسه” في منتصف نيسان.
في المناسبات السعيدة كما في الخلافات حتى البسيطة منها، يُطلق الرصاص عشوائيا في العراق حيث يُعدّ حمل السلاح ظاهرة شائعة في بلد لا يزال يعاني مخلّفات حروب ونزاعات استمرت لعقود.
عن مصدر الرصاصة، تقول رندة أحمد “لا نعرف، إنها رصاصة طائشة”.
وتضيف الأم في منزلها ذي السقف المعدني في الرضوانية غرب بغداد “حدث له نزف فنقلناه للمستشفى وبقي خمسة أيام تحت المراقبة”.
وتتابع “قال الأطباء إن حالته حرجة وخطرة وهناك احتمال أن يُصاب بالصرع”، موضحة “إذا تحركت الرصاصة ستؤدي لإصابته بشلل رباعي”. وبسبب صعوبة العملية نصح الأطباء بعدم إجرائها لسحب الرصاصة.
بذلك، أصبح اللعب فعلًا ماضيًا بالنسبة لمحمد، إذ بدأ يشعر بإرهاق سريع ويعاني من صداع شديد بشكل متكرر.
ونهشت أعمال العنف العراق الذي يسكنه نحو 43 مليون نسمة، خلال الحروب والغزو الأمريكي عام 2003 وعنف طائفي أدارته الميليشيات ومعارك مع تنظيم داعش مئات الآلاف من القتلى وعدد غير معروف من المغيبين قسرا.
وانتشرت في تلك الفترات أسلحة خفيفة وثقيلة في العراق حيث تكثر النزاعات العشائرية وتصفية الحسابات السياسية والصراع بين الميليشبات. ويقول كثيرون إنهم يتمسكون بالسلاح لغرض “الحماية”. فيما بقيت أسلحة الميليشيات خارج سيطرة الحكومة وهي تقوم بدور مزدوج شخصي بيد هذه العناصر وجماعي تنفذه الميليشيات في أعمال لخدمة اجندتها.
ففي عام 2017، كان في حوزة المدنيين في العراق نحو 7.6 ملايين سلاح ناري من مسدسات وبنادق، بحسب مسح أجرته منظمة “سمول آرمز سورفي” Small Arms Survey التي تتعقّب انتشار الأسلحة في أنحاء العالم.
ويقول المستشار لدى المنظمة آرون كارب لوكالة الصحافة الفرنسية “يُتوقع أن تكون الأرقام اليوم أعلى بكثير”، ويقدر أن تكون الزيادة “ثلاثة إلى خمسة بالمئة سنويًا” منذ 2017.
وفيما كان سعد عباس (59 عامًا) جالسًا في حديقة منزله في بلدة اليوسفية جنوب غرب بغداد يستعدّ لصلاة الجمعة في تشرين الثاني، شعر بصدمة في كتفه.
ويقول “اعتقدت في بادئ الأمر أن أحدًا ضربني بحجر في كتفي، لكن تبيّن في ما بعد أنني أُصبت برصاصة” اخترقت كتفه واستقرت داخل صدره.
ويضيف “سقطت الرصاصة من السماء”.


أحمد الشريفي: هناك مواطنون يتمسكون بسلاحهم وهناك سلاح الأجنحة المسلحة للأحزاب والعشائر، وهي الأخطر
ورغم مرور عدة أشهر، لا يزال الرجل طريح الفراش بعدما نصحه الأطباء بعدم إجراء عملية جراحية خشية مضاعفات محتملة إذ يعاني من أمراض مزمنة.
ويتابع “لم تعد حركة يدي كما كانت في السابق لا أستطيع رفعها وأصابعي تؤلمني ولا أستطيع حتى رفع الغطاء (عند النوم)”.
ويقول بغضب “عندما يفوز منتخب كرة القدم، الكلّ يرمي رصاصًا، وفي الأعراس كذلك!”، متسائلًا “أين يذهب كل هذا الرصاص؟ هل تسحبه الملائكة؟ كلّا، إنه يسقط على البشر والحيوانات”.
ففي أواخر نيسان مثلًا، قُتل رجل برصاصة طائشة خلال إطلاق نار احتفالاً بزفافه في الموصل (شمال).
ويشدّد عبّاس على ضرورة أن “يُسحب السلاح من كل الجهات ويبقى بأيدي الدولة” فقط.
العام الماضي، بدأت السلطات تنفيذ خطة للسيطرة على السلاح المتفلت بافتتاح 697 مركزًا في عموم العراق لتسجيل أو شراء الأسلحة غير الخفيفة من العامة.
وخصصت مبلغ مليار دينار (حوالى 750 ألف دولار) لكل محافظة وضعف ذلك المبلغ لمحافظة بغداد، وفقًا للمتحدث باسم الخطة العميد زياد القيسي.
وبموجب القانون العراقي، يعاقب بالسجن لسنة واحدة من يملك سلاحًا من دون إجازة.
وستتولى السلطات عملًا بالخطة ذاتها “منح إجازة حيازة قطعة سلاح خفيف لكل مواطن يمتلك دارًا ولكل ربّ أسرة مستقل، لغرض الحماية”، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري.
ويوضح أن انتشار السلاح مرتبط لحدّ كبير “بثقافة المجتمعات العربية”، إذ إن “هناك من يعتبر في المناطق العشائرية والريفية أن السلاح جزء من شخصيته”.
ويشير إلى أن “كمية الأسلحة التي تركها الجيش العراقي في أحداث غزو 2003 من قبل القوات الأمريكية كانت كبيرة”، وكذلك “أدخلت الجماعات المسلحة بين 2014 و2018 الكثير من الأسلحة بحكم ضعف إجراءات الضبط على الحدود، فكثرت الأسلحة الواصلة إلى أيدي المواطنين”.
ويؤكد ميري أن “المشكلة الرئيسية هي في السلاح المتوسط والثقيل” الذي يجب أن يكون بيد الدولة.
وتعرض السلطات وفق الخطة مبالغ على المدنيين تصل لحوالى أربعة آلاف دولار وفقًا لنوع السلاح وحالته. لكن هذه العروض لا تقنع المواطنين بتسليم أسلحتهم لأنهم لا يثقون بالدولة بالأساس لحمايتهم.
ويتساءلون “ومن يجمع أسلحة الميليشيات التي تنفذ أعمالها من دون أن يقف بوجهها أحد”.
ويرى خبراء أمنيون أن السيطرة على السلاح وحصره في يد الدولة أمر بالغ الصعوبة.
ويوضح الخبير أحمد الشريفي “هناك مواطنون يتمسكون بسلاحهم (…) وهناك سلاح الأجنحة المسلحة للأحزاب والعشائر”، معتبرًا إياه “الأخطر”.
ففي آذار قتل ضابط في الاستخبارات خلال تدخلّه لفضّ خلاف عشائري تخلله إطلاق نار في جنوب البلاد.
وسبق ذلك بأسابيع قليلة انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مواجهات مسلحة نهارًا داخل سوق مزدحمة في شرق بغداد سببها خلاف بين أقارب أدى لمقتل شخص واحد على الأقل.
وفي نيسان 2023، كان أحمد حسين (30 عامًا) مستلقيًا في سريره حين سقط أرضًا وشعر بحرارة برجله ورآها “ملطّخة بالدم”، اثر إصابته برصاصة يعتقد أنها أطلقت خلال حفلة بجوار منزله، قرب بغداد.
ويقول “عطّلني ذلك عن العمل مدة شهر تقريبًا”.
ويتابع بسخرية “أصبح حتى عراك بين أطفال أو خلاف على طير أو شراء خروف هذه الأيام يؤدي إلى رمي رصاص”.
ويضيف “الأمر مخز جدًا خصوصًا أن الكثير ممن يصيبهم الرصاص أبرياء يسيرون في الشارع”.
تجارة السلاح يديرها زعماء الميليشيات في العراق
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى