أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

ارتفاع أسعار الأضاحي ينغص فرحة العيد في العراق

مختصون يعزون أسباب ارتفاع أسعار الأضاحي في العراق إلى عوامل بيئية وأخرى سياسية وأمنية وسط تقاعس حكومي عن ضبط الأسعار التي وصلت إلى الضعف قياسًا بالأعوام السابقة.

بغداد – الرافدين
شهد سوق الماشية في العراق ارتفاعًا ملحوظًا بالأسعار وصل إلى 100 بالمائة قبيل حلول عيد الأضحى المبارك مع ارتفاع الطلب وقلة العرض تزامنًا مع ارتفاع أسعار اللحوم في البلاد منذ مطلع العام الحالي.
وحمل تجار يعملون ببيع وشراء الماشية حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني مسؤولية الفوضى التي عصفت بسوق الماشية في العراق بعد أن تركت المزارعين وحدهم في مواجهة أزمة الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف مع انحسار مناطق الرعي في عموم البلاد ما أدى إلى تراجع أعداد رؤوس الماشية بشكل كبير إلى جانب تقاعسها عن مواجهة مرض الحمى النزفية.
وعزا تجار الماشية في المناطق المخصصة لبيع وشراء الأغنام والأبقار في بغداد المعروفة شعبيًا باسم “الجوبة” أسباب ارتفاع الأسعار كذلك إلى عمليات تهريب الثروة الحيوانية إلى دول مجاورة فضلًا عن عمليات السرقة التي تنفذها عصابات متنفذة في المناطق الزراعية.

ارتفاع أسعار الأعلاف وشحة المياه وتنامي عمليات تهريب وسرقة المواشي من أبرز مسببات ارتفاع تكاليف الأضاحي

ودفع الارتفاع القياسي في أسعار المواشي فئة كبيرة من المواطنين إلى العزوف عن شراء الأضاحي، فيما أقبل آخرون على المشاركة بالأسهم في الأضحية الواحدة، بما يتناسب مع وضعهم المادي.
ويرى المتخصص في شؤون الثروة الحيوانية ماجد الطليحي، أن من بين أسباب ارتفاع أسعار المواشي، هو العامل المناخي وسنوات الجفاف التي عصفت بالمنطقة العربية ومنها العراق، مما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من المواشي وشح الأعلاف.
وبيّن أن طبيعة المجتمع العراقي تتمثل في أنه مستهلك بشكل كبير للحوم، فضلًا عن كثرة المناسبات الدينية والأعياد والمناسبات الاجتماعية وبما أن سوق المواشي يخضع لقاعدة العرض والطلب فإن تناقص الأعداد أدى إلى زيادة كبيرة في الأسعار.
وأشار إلى أن مربي المواشي في العراق يعانون ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج، بسبب زيادة أسعار الأعلاف، والتكاليف الطبية والبيطرية، وهذا ينعكس عادة على أسعار البيع للمستهلكين.
بدوره يرى الباحث الاقتصادي علي العامري أن ارتفاع أسعار المواشي قبيل عيد الأضحى ظاهرة طبيعية ويتطلب التعامل معها بحكمة وتنظيم من قبل الجهات المعنية لضمان توافر المواشي بأسعار معقولة للمستهلكين، وتحقيق الاستقرار في السوق.
وأضاف العامري أن تزايد عمليات تهريب الأغنام من العراق نحو دول مجاورة، يعد من أهم أسباب ارتفاع أسعار المواشي، والذي أدى إلى تراجع كمية المعروض في السوق المحلية.
وأوضح أن هناك عمليات مضاربة تتم في السوق المحلية، وهذه الظاهرة تنامت مع ضعف الرقابة وغياب المتابعة الأمنية وعدم محاسبة المضاربين المرتكبين لهذه الجريمة الاقتصادية.
ولفت إلى أن بعض التجار استغلوا فترة الطلب على الأضاحي من أجل تحقيق أعلى قدر من الأرباح.

سبق ارتفاع أسعار الأضاحي ارتفاعًا قياسيًا بأسعار اللحوم منذ مطلع العام الحالي دون أن تتمكن الحكومة من السيطرة عليه

وتعاني مناطق أطراف العاصمة بغداد من عمليات سرقة منظمة للمواشي في الأشهر الماضية تنفذها عصابات تستخدم طائرات مسيّرة مخصصة للتصوير والرصد وتحديد الأماكن واستكشاف الطرقات ما تسبب بارتفاع أسعار المواشي بشكل كبير.
وسجلت مناطق أبو غريب والرضوانية والتاجي التي تسمى بـ”حزام بغداد” وتضم مناطق زراعية شاسعة، ويعمل أهلها في الزراعة وتربية المواشي، عمليات سرقة كبيرة للمواشي في حين يناشد أهالي تلك المناطق الأجهزة الحكومية حمايتهم من العصابات التي يتوقعون ارتباطها بميليشيا مسلحة متنفذة.
وكشف ضابط في وزارة الداخلية أنّ “عشرات البلاغات وردت عن استخدام طائرات مسيّرة في تحديد مواقع الماشية وسرقتها، وتنفيذ بعضها بقوة السلاح”.
وذكر الضابط الذي فضل عدم ذكر اسمه ورتبته أنّ “العصابات في العراق تعتمد على المسيّرات لتحديد أماكن حقول المواشي، وأيضاً الطرقات التي يمكن سلوكها لتنفيذ السرقات والهرب، وهي تلتقط صوراً يومية لهذه المناطق، علماً أنّ السرقات تركّز على مناطق أبو غريب حيث سجلت عشرات العمليات، وأيضًا الرضوانية والتاجي وغيرها”.
وينفذ الأهالي عمليات حراسة يومية بعدما فقدوا الثقة بأجهزة الأمن التي يشكون ضعف إجراءاتها المتخذة لملاحقة العصابات النافذة التي تنشط في مناطق بأطراف بغداد.

ارتفاع أسعار المواشي يزيد من وتيرة السرقات التي تنفذها عصابات متنفذة في مناطق حزام بغداد

واللافت أن الجيش الحكومي اعتقل عددًا من أبناء قرى أبو غريب وزوبع لأنهم أطلقوا النار على العصابات لمنعهم من الوصول إلى حقولهم، ما أثار الشكوك في شأن موقف المؤسسة العسكرية من العمليات.
وقال أبو عبد الله الزوبعي من قرى زوبع إن “سكان القرى والمناطق الزراعية باشروا بتنفيذ مهمات حراسة ليلية يوميًا لمنع السرقات، واشتبكنا بالأسلحة الرشاشة مرات مع العصابات”.
وانتقد الزوبعي ضعف الإجراءات التي تتخذها الأجهزة الأمنية في العراق، وعدم تصديها للعصابات على الرغم من أنها تتلقى بلاغات عن السرقات والصدامات مع العصابات.
وبين أن “ارتفاع أسعار المواشي في العراق استقطب العصابات، فسعر البقرة الواحدة يصل إلى 4 ملايين دينار، والخروف 500 ألف دينار وقد سُرقت 20 بقرة يملكها أقربائي في يوم واحد، علماً أنّ العمليات تشمل مناطق عدة”.
وعلى الرغم من الإجراءات التي أعلنتها وزارة الزراعة، والمتمثلة في السماح باستيراد الأغنام والعجول لأغراض التربية والذبح بهدف تنويع مصادر اللحوم، فضلًا عن تسهيل إجراءات حركة نقل الماشية بين المحافظات وإزالة المعوقات أمام الإنتاج المحلي، إلا أنها لم تعالج مشكلة ارتفاع الأسعار.
وقال عضو لجنة الزراعة البرلمانية ثائر مخيف، إن “وزارة الزراعة وعدت بالسيطرة على أسعار اللحوم الحمراء ومنع أي ارتفاع لها، وكان هناك فعلا سيطرة بمنع المزيد من الارتفاع، لكن في نفس الوقت الأسعار أصبحت ثابتة ولم تعاود الانخفاض كما كان سابقًا”.
وبيّن مخيف أن “لجنة الزراعة البرلمانية سنعمل على استضافة الجهات الحكومية المختصة، لمناقشة قضية استمرار ارتفاع أسعار اللحوم في السوق المحلي وإيجاد حلول سريعة لخفض هذه الأسعار”.

تفشي الحمى النزفية يؤثر على ارتفاع أسعار الأضاحي جراء ارتفاع تكاليف الوقاية التي يتكبدها المربون للحفاظ على ماشيتهم

وحاز العراق على المرتبة العاشرة عربيًا بأكثر الدول امتلاكا لرؤوس الماشية في 2024، بـ 7.5 ملايين رأس ماشية بنسبة 0.53 بالمائة من الإجمالي العالمي، وفق بيانات حديثة لموقع “وورلد بوبيوليشن ريفيو” الإحصائي.
ومع اقتراب عيد الأضحى الذي تذبح فيه الأضاحي كفريضة دينية، يحذر متخصصون من تفشي مرض الحمى النزفية بشكل واسع في العراق الذي يستهلك مواطنوه كميات كبيرة من اللحوم، لاسيما وأن الكثير من العراقيين يذبحون أضاحيهم بأنفسهم أو الإتيان بقصاب إلى داخل بيوتهم بدلاً من التوجه إلى المجازر الرسمية، ما يرفع خطر الإصابة بالفيروس.
ويقول القصاب أبو محمد من محافظة القادسية، إن “بعض الأهالي يطلبون ذبح أضاحيهم داخل البيوت، وبدورنا نحاول التأكد قبل عملية الذبح من مكان شراء الذبيحة وشهادة سلامتها من الأمراض”.
ويضيف القصاب أن “القصابين هم الأكثر عرضة للإصابة بالحمى النزفية نظرًا لوجود تماس مباشر مع دماء الحيوانات، ويتم حاليًا تطبيق إجراءات وقائية منها لبس الكفوف وتعقيم الأدوات ومكان الذبح باستمرار وغيرها من الإجراءات”.
ولا يوجد لقاح إلى الآن لفيروس الحمى النزفية، وتتضح أعراضه الأولية عند ظهور الحمى وآلام العضلات وآلام البطن، لكن عند تطوره، يؤدي إلى نزف من العين والأذن والأنف، وصولًا إلى فشل في أعضاء الجسم ما يؤدي الى الوفاة، بحسب وزارة الصحة في العراق.
وتؤدي الإصابة بالحمى النزفية إلى الوفاة بمعدل يتراوح من 10 إلى 40 بالمائة من المصابين، وفق منظمة الصحة العالمية.
وكان العراق قد سجل 6 إصابات فقط بين عامي 1989 و2009، ثم ثلاث وفيات في العام 2018، وصولًا إلى “33 حالة مؤكدة، بما فيها 13 حالة وفاة” في 2021 قبل أن تشهد الأعوام الأخيرة مزيدا من الإصابات وسط توقعات بطفرات أكبر في عدد الإصابات في الأعوام القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى