أخبار الرافدين
محمد الجميلي

ضاري المحمود .. الشرف الرفيع

يقول أبو تمام:
وإِذا أرادَ اللّهُ نشرَ فضيلةٍ/ طُويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورَتْ/ ما كان يُعرَفُ طِيبُ عَرفِ العُودِ
لم يشهد العراق في تأريخه الحديث كوارث كالتي حلت به بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 في ظل تسيد العملاء والذيول الذين لا يربطهم بالعراق وتأريخه سوى المقام على أرضه ونهب خيراته ودعاوى زائفة ليس لها في الحقيقة رصيد من المصداقية.
ومن هذه الكوارث استهداف التأريخ المشرف ورموزه وقادة الفكر والرأي والجهاد وأهل العلم وبناة الحضارة، لا يحاسب الفاعلين أحد، ولا يردع تطاولهم قانون، بل تفتح لهم وسائل الإعلام وتقام لهم المهرجانات ليمارسوا أبشع غوغائية تستهدف المجتمع وثقافته ودينه وتأريخه وأمجاده.
لقد كانت ثورة العشرين ضد المحتل الانكليزي ثورة وطنية وحدت أحرار العراق ضد مستعمر خبيث، وشارك فيها كل طوائف الشعب، من شماله ووسطه وجنوبه، وظلت رموز الثورة وقادتها محل تقدير وتبجيل من العراقيين جميعا حتى جاء عصر الذيول، فعاثوا فسادا في كل شيء عظيم وجليل، يسوقهم لذلك كرههم للعراق وأهله وحقدهم على رموزه وتأريخه المشرف، ولا أنسى ما قاله هادي العامري في العام الأول للاحتلال وهو يخطب في احتفالية بمناسبة ذكرى ثورة العشرين مثنيا على ما قام به الغزاة ومعلنا عرفانه بجميل صنعهم بقوله الذي نشرته صحيفة “البينة” على صدر صفحتها الأولى: إن يوم التاسع من نيسان -يوم احتلال بغداد- صحح خطأ تأريخيا امتد أربعة عشر قرنا من الزمان.
وها قد شهد العراقيون على مدى عقدين من الزمان طبيعة هذا التصحيح الذي يعملون عليه ليل نهار، من هدم للقيم وتسفيه للحق واستخفاف بكل عظيم وجميل في هذا الوطن المنكوب.
وفي هذا السياق جاء تطاول الوغد الرخيص على الشيخ ضاري المحمود واتهامه بالعمالة للإنكليز، بعد أن أصبح كل شيء مشاعا في عراق الذيول، فلم يسلم حي أو ميت، في القديم وفي الحاضر، من هذا الذي سماه العامري تصحيح الخطأ التأريخي.
وهؤلاء القوم الذين حكموا العراق لعشرين عاما ويزيد، والأحزاب التي تسمي نفسها بأسماء دينية، وتدعي الحكم على نهج الحسين في ظل ميزانيات انفجارية، فشلوا في تحقيق أي منجز حقيقي سوى تخريب البلد ونهب ثرواته، وهم مهوسون غاية الهوس في مهاجمة القمم والطعن في كل شيء شريف وذي قيمة.
إن الطعن واللعن الذي يمارسه الأراذل من الناس، شيء غريب عجيب، لا يستهدف أمثالهم وأضرابهم في الرذيلة، بل العظيم العظيم، والكريم الكريم، والشريف الشريف والأمين الأمين، فلا غرو أن تجد من يطعن بأمانة سيد الملائكة الذي سماه الله الروح الأمين، ومن يطعن بصحابة النبي الكريم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه بنص القرآن، ومن يطعن بقادة الفتح الإسلامي الذين أنقذوا البشرية من ضلال الشرك والوثنية، والذين جاهدوا للدفاع عن دينهم ومقدساتهم، فحالهم كالذي رأى الشمس بعظمتها كيف سخرها الله لخير البشرية، وبدل أن يستمتع بدفئها وينتفع بأشعتها، راح يسبها ويشتمها وينتقص من قدرها.
ومن هذا المنطلق نفهم غاية الذين سمعناهم مؤخرا يرفعون عقيرتهم في الطعن برجالات ثورة العشرين وقادتها، ليداروا وضاعة يجدونها في أنفسهم، وليظهروا حقيقة معدنهم، ومكنونات صدورهم الممتلئة قيحا وصديدا.
وهذا الذي لا يملك حتى صوتا كصوت الرجال أراد أن يشتهر بين الناس، فهداه شيطانه للتنقص من المجاهد ضاري المحمود الزوبعي الشمري، كذلك الذي بال في بئر زمزم ليذكره الناس، ولن يضير ضاري ولا ذريته ولا كل حر شريف مثل هذا الكلام التافه، وإنما يكشف معدن قائله وحقارة نفسه ووضاعتها لا غير، وهو لا يمثل إلا نفسه ومن هو على شاكلته، فضاري المحمود ما ضره المحتل البريطاني ولا ضابطه لجمن فكيف يضيره طنين الذباب. والشيخ ضاري يعرفه الأعداء قبل الأصدقاء، ويعرفه الأصلاء من عشائرنا في الجنوب والفرات الأوسط كما يعرفه أحفاد قادة الكرد المجاهدين في ثورة العشرين، كما إن غاية هذا التافه بجر المجتمع للطائفية وتأجيجها بسب الشيخ ضاري لن تتحقق، لأن الجميع يعلم كيف كانت علاقة الشيخ ضاري بإخوانه رؤساء العشائر المجاهدين في الفرات الأوسط وفي بغداد حيث كانت الخطط للثورة ضد الإنكليز لدى قادة الرأي والفكر والعلماء، وكذلك بقية مناطق العراق، وكيف كانوا يدا واحدة ضد المحتل الإنكليزي باستثناء بعض الشاذين هنا وهناك الذين ارتضوا بالعمل مع المستعمر، ولم يكن لديهم الوازع الديني والأخلاقي لتحمل تكاليف الثورة.
يرحم الله المجاهد ضاري المحمود وكل المجاهدين الأبطال الذين بذلوا الغالي والنفيس في ثورة العشرين، نفخر بهم جميعا ونعرف قدرهم، ولا يسيء إليهم إلا من خاب وخسر أمثال هذا السفيه.
إن قوما لا يعرفون قدر أبطالهم ورموزهم لا يعدون في قوائم الرجولة، وإن قوما يسبون النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وصحابته الكرام، لا يستغرب منهم أن يقولوا في الشيخ ضاري المحمود منكرا من القول وزورا، ولا ضير فقد جعلوا العراقيين يعيدون قراءة سيرته ويستذكرون بطولته ويترحمون عليه، فيا لعجائب الأقدار.
وختاما أقول إن من يحق لهم أن يفخروا بثورة العشرين وقادتها ورجالها هم الذين ساروا على دربهم واقتفوا آثارهم في مقاومة المحتل، وليس الذين هللوا للغزاة ونثروا عليهم الورود وتعاونوا معهم في تدمير البلد وقتل شعبه ونهب ثرواته، فأولئك لا يحق لهم التظاهر بافتخارهم بثورة عظيمة ضد محتل كافر بينما يضعون أيديهم بيد محتل أشد كفرا منه.
والسلام على أبطال ثورة العشرين ومجاهديها ورجالها الأخيار، والعار والشنار لكل باغ طعان لعان إلى يوم الدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى