نحيب في أربيل على ضحايا مأساة جديدة للهروب بحثًا عن أمل خارج العراق
أمضت مجدة وشقيقتها هيرو وعائلاتهما خمسة أشهر في تركيا، على أمل العبور إلى أوروبا. لكن من أصل 11 فردا من العائلتين، نجا ثلاثة فقط بعد محاولة هروبها عبر البحر للحصول على اللجوء في أوروبا.
أربيل (العراق)– مرة أخرى يبكي سكان إقليم كردستان العراق أقارب لهم إثر غرق مركب قبالة سواحل إيطاليا كان يقل مهاجرين جازفوا بحياتهم في البحر الأبيض المتوسط أملا بالوصول إلى أوروبا وهربا من حياة هدرت فيها الكرامات وسط فشل حكومي وفساد ينخر البلاد.
أمضت مجدة وشقيقتها هيرو وعائلاتهما خمسة أشهر في تركيا، على أمل العبور إلى أوروبا. لكن من أصل 11 فردا من العائلتين، نجا ثلاثة فقط، على ما أكد أقاربهم في أربيل عاصمة إقليم كردستان في شمال العراق، لوكالة الصحافة الفرنسية.
على جدار متهالك عند مدخل منزل العائلة، ملصق يعلن عن مجلس عزاء الأربعاء لاستقبال الأقارب والأصدقاء. وتظهر صورتان عائليتان الضحايا من أهل وأبناء وهم يرتدون أجمل ملابسهم والبسمة مرتسمة على محياهم.
في الصور تظهر مجدة مع زوجها عبد القادر سائق التاكسي وهيرو وزوجها ريبوار الحداد.
وكان الأربعة مع اطفالهم على متن المركب الشراعي الذي غرق هذا الأسبوع قبالة ساحل كالابريا في إيطاليا.
وأنقذ 11 شخصًا، وقضى نحو 20 فيما لا يزال خمسون شخصا تقريبا في عداد المفقودين.
وتقول خديجة حسين قريبة العائلة “الأمر المؤكد هو أن مجدة على قيد الحياة، تحدثنا معها عبر الهاتف”.
وتضيف أن أحد أبناء مجدة نجا أيضا وكذلك أحد أبناء هيرو موضحة “لكن لا نعرف تفاصيل أخرى عنهم”.
لكن العائلة فقدت الأمل في أن يكون البقية على قيد الحياة.
وكان يفترض بالمسافرين الاتصال بالعائلة عند الوصول إلى وجهتهم. وتقول خديجة “لكن مضى وقت ولم يصل منهم أي خبر أو اتصال”.
وهذه مأساة تكرر في كردستان المتمتع بحكم ذاتي.
في السنوات الأخيرة، سلك آلاف العراقيين طرق الهجرة، مجازفين بعبور البحر للوصول إلى المملكة المتحدة، أو المشي عبر الغابات في بيلاروسيا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
وفند غرق عشرات المهاجرين العراقيين غير الشرعيين في تحطم سفينة قبالة الساحل الجنوبي لإيطاليا، الاثنين، مزاعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
ويكشف الحادث الجديد في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، أن غالبية الشباب فقدوا الأمل بأي اصلاح سياسي في البلاد الأمر الذي دفعهم إلى ركوب المجهول عبر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
ووضعت الحكومات المتعاقبة حال الشباب العراقي بين خيارين إما الهروب من جحيم الواقع المزري، أو البقاء في البلاد حيث الفقر والبطالة وتردي مستوى التعليم، وبالتالي الوقوع في شرك المخدرات واللجوء للانتحار، أو الانخراط في صفوف الميليشيات بحثًا عن لقمة العيش بينما يرون ثروات بلادهم تنهب من قبل الساسة والمرتبطين بهم مما تنشئ جيلًا غير سوي ومشبع بالصدمات النفسية
في أربيل، في ساحة مدرسة أقيم فيها مجلس العزاء، تجلس عشرات النساء في خيمة يرتدين ملابس الحداد السوداء، وعلامات التعب على وجوههن، في صمت يقطعه فقط بكاء الأطفال.
وفي المسجد، يستقبل رجال العائلة عشرات المعزين فيما تتلى آيات من القرآن الكريم.
يؤكد كمال حمد، والد ريبوار، أنه تحدث مع ابنه يوم الأربعاء الثاني عشر من حزيران هو كان على متن المركب.
إلى جانب الألم الذي يعتصر قلبه، يعرب عن شعور بعدم الفهم مؤكدا “كانوا يعرفون جيدا أن الابحار بهذا الشكل هو الموت بعينه”.
في العراق الذي يعاني من عدم الاستقرار، لطالما عكست كردستان صورة رخاء واستقرار. فتكثر فيها المشاريع العقارية الفاخرة والطرق السريعة والجامعات والمدارس الخاصة.
لكن المنطقة، مثل بقية البلاد الغني بالنفط، تعاني أيضًا من الفساد المستشري والمحسوبية والمشاكل الاقتصادية التي تساهم في إحباط الشباب.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أنه في العام 2022، اعتبر اثنان من كل ثلاثة من سكان كردستان أنه من الصعب إيجاد وظيفة.
وتفيد المنظمة الدولية للهجرة، أن نحو 3155 مهاجرا قضوا أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط العام الماضي.
وفي إقليم كردستان، قال رئيس رابطة المهاجرين العائدين من أوروبا بكر علي لوكالة الصحافة الفرنسية إن المركب الذي غرق قرب السواحل الإيطالية كان يحمل “75 شخصا من نساء وأطفال ورجال، غالبيتهم من أكراد العراق وإيران وعدد من الأفغان” بحسب معلومات أولية.
وأوضح أن القارب أبحر من منطقة بودروم في تركيا.
وكان بين الركاب أكثر من ثلاثين شخصًا من كردستان، على ما يقول بختيار قادر، ابن عم ريبوار.
ويشدد الرجل الاربيعني “أنا بنفسي تحدثت معهم وأيضا أقاربهم واصدقاؤهم، ولكن لم يسمعوا كلام أحد ولم يتراجعوا عن قرارهم”.
ويضيف بحزن “لم يكونوا يعلمون أن الموت ينتظرهم”.