حكومة السوداني تضيق الخناق على منتقديها وتبذخ بالعطايا لمن يسوق لها
حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تحيط نفسها بهالة من المنجزات المزعومة مدعومة بخدمات إعلامية مدفوعة الأجر تسوق الوهم للتأثير على الرأي العام.
بغداد – الرافدين
يجري الحديث واضحًا عن وجود مضايقات شديدة على الحريات في العراق وصلت إلى الذروة في عهد سطوة قوى “الإطار التنسيقي” الذي يضم ميليشيات ولائية وأحزاب طائفية على العملية السياسية في العراق بعد تربع محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة الثامنة بعد الاحتلال على القصر الحكومي في المنطقة الخضراء وسط بغداد.
وتزامنًا مع هذا التضييق تجري على قدم وساق عمليات شراء الذمم لصحفيين وناشطين مقابل الترويج لإنجازات مزعومة لحكومة الإطار التنسيقي برئاسة السوداني مقابل أموال تصرف من الخزينة العامة للدولة.
وتعمل الماكينات الإعلامية التي تحيط السوداني على الرافعات الأكثر فاعلية، لتصوره حاملاً عصا سحرية ستطرد الفقر وتقدم الخدمات في وقت تضيق فيه الدوائر المقربة من الحكومة الخناق على كل من يكشف حقيقة الأداء الحكومي.
وارتكزت عملية الترويج لشخص السوداني، منذ لحظة ترشّحه، على دعائم أساسية عدّة، ولم يكن صعوده من الصف الثاني إلى رئاسة الوزراء مطرّزًا بتقديم الخدمات فقط حينما أطلق على حكومته وصف حكومة الخدمات بعد أن روجت ماكنته الإعلامية صورة ذهنية له على أنه “أول رئيس وزراء بعد 2003 من الداخل” لذا هو بالضرورة يعرف ما يريده الناس على حد قول الدعاية والخدمات الإعلامية مدفوعة الأجر.
وشن السوداني منذ لحظة توليه منصب رئاسة الوزراء حملة على كل من يحاول تصوير الأمر بخلاف ما تصوره ماكنته الإعلامية وتمثلت إشارات ذلك حينما لم يمض سوى خمسة أشهر على وجوده في منصب رئيس الحكومة، حتى تم اعتقال الكاتب والصحافي، محمد نعناع.
وحين كان السوداني، مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة، وصفه نعناع بأن “تفكيره كلاسيكي مرتبط برؤى لا تخدم بناء الدولة”، وهذا ما أدى إلى اعتقاله، قبل أن يفرج عنه بكفالة في آذار من عام 2023، ليتم اعتقاله مرة ثانية في كانون الثاني 2024 من قبل مسلحين يرتدون زيًا مدنيًا لكن محامي السوداني، أعلن بعدها أن رئيس الوزراء “صفح عن نعناع”.
ويرى متفاعلون مع حادثة اعتقال نعناع أن السوداني “يستخدم منهجًا انتقاميًا ضد منتقديه، حيث يقوم باعتقالهم والتنكيل بهم، ومن ثم يخرج مقربون منه، يقولون إنه تنازل عن حقه للإفراج عنهم”.
ويؤكد سياسي مطلع أن السوداني ينظر للصحافة والفعاليات الإعلامية في العراق بقلق واضح، تتعلّق بمساعيه في أن يكون خارج النقد ولـ”يحمي نفسه”.
ولا ينكر السياسي الذي ينتمي لتحالف إدارة الدولة مفضلًا عدم الكشف عن هويته، أن الصحافة يمكن أن تصنع انطباعًا مؤثرًا ومزعجًا عن أي حكومة، فضلًا عن أن بعضها “يكون مدفوعًا من كتل سياسية تتنافس مع رئيس الوزراء”، وما يفعله السوداني “مبرر جدًا”، على حد قوله.
ويتابع القول إن السوداني حصل على ما لم يحصل عليه كل رؤساء الوزراء في حكومات ما بعد 2003، ولم تشهد البلاد قلقًا إعلاميًا ملحوظًا ضد المسار المسيطر على الأجواء العامة والأحاديث المتعلّقة بإنجازات الخدمات، بالإضافة إلى الاستقرار وهو ما يفسّر عدم إثارة النقاش والأسئلة حول عمليات الاغتيال الكثيرة وتقريبًا، معظم هذه الحوادث لم تخرج تحقيقاتها للعلن، وبقيت حبيسة الأروقة الأمنية دون معرفة الجهة المنفذة أو الأسباب التي أدت لها.
وتعمل حكومة السوداني وفقًا لتوجهين في السيطرة على “قلق” الرأي العام، الأول هو الضغط والقوة، والثاني هو المال الذي يدفع لمدونين وصحفيين، ويستخدم أحدهما وفق الظروف المتاحة.
ويؤكد مقرّب من مكتب الحكومة الإعلامي، أنّ “الاتصال بمن يكتب ضد الحكومة أو السوداني، يكون عبر إرسال تطمينات أولية له عبر دعوته للكتابة عن إيجابيات مثل أهمية الالتزام بإشارات المرور، فضلاً عن مكافحة المخدرات، والدفع يكون من قبل هيئة الإعلام والاتصالات”، في إشارة إلى أنّ العملية رسمية ونظيفة وخارج الإشارة لإنجاز أو مديح شخصية معينة.
وتدريجيًا يجري الطلب حول أهمية الحديث عن إنجازات الحكومة والسوداني شخصيًا، وفق المصدر نفسه الذي لفت إلى أنّ “الراتب يكون بحسب عدد المتابعين وحجم التأثير، وهو يتراوح من ألف دولار وصولًا إلى أربعة آلاف دولار”.
والأهم في الاتفاق الذي يجري مع صحفيين ومدونين، لا يجب أن يكون هناك محتوى يعبّر عن “سلبية”، وهو اتفاق يشمل القنوات الفضائية التي إن لم يخضع بعضها للمال أو الاتفاقات السياسية مع أصحابها، فإنّ الردع سيكون موجودًا، بحسب ذات المصدر.
في المقابل تحاول السلطات قمع الأصوات المنتقدة للأداء الحكومي بشتى الطرق ومن أمثلة ذلك تجنب الحديث عن المجسرات التي تعلن حكومة السوداني إنجازها بين فترة وأخرى، وهل ستخفف فعلاً من الاختناقات المرورية، أم أنها تنقل الاكتظاظ من مكان إلى آخر إذ لا تشهد النوافذ الإعلامية نقاشًا جادًا من قبل مختصين حول حقيقة هذه المجسرات.
ويتحدث مسؤول نشرة إخبارية في قناة تلفزيونية محلية، عن تجربة وصفها بـ”المريرة”، بعد استضافة خبير في نشرة إخبارية قال فيها إنّ “المجسرات التي يتم بناؤها الآن لن تحل مشكلة الاختناقات المرورية، كون العراق بحاجة إلى طرق ومدن جديدة وليس مجسرات”.
وبعد أن انقضت النشرة، تلقى مسؤول النشرة اتصالًا انفعاليًا من مدير القناة، وجه اتهامًا له فيه بالقول “هل تريد أن تورطنا مع الحكومة؟ الآن اتصل بي مكتب رئيس الوزراء وعاتبني على هذا القول”.
وأضاف الصحفي إنه كاد أن يخسر وظيفته لولا عودته في اليوم الثاني للحديث بإيجابية عن “المجسرات وأثرها على التخفيف من الاختناقات المرورية التي يعاني منها المواطن العراقي”.
ويمتلك موظفو العلاقات مع معدي البرامج ومسؤولي النشرات الإخبارية في القنوات التلفزيونية العراقية قائمة لسياسيين ومحللين وكتّاب ممنوعين من الظهور في مدد محددة، أو إلى أجل غير مسمى.
ويأتي المنع بالعادة بأمر من هيئة الإعلام والاتصالات، وهي مؤسسة أريد لها أن تكون تنظيمية، لكن بيانات حقوقية تشير إلى تحولها إلى سلطة قمعية بعد أن “منعت الكثير من المحللين السياسيين وأصحاب الرأي الذين ينتقدون حكومة السوداني خلال الفترة الأخيرة، وفي هذا “مخالفة لواجباتها، فضلاً عن أن “عملها لا يبيّن أنها مستقلة كما رسم لها في الدستور”، وفق بيانات صدرت من جمعية الدفاع عن حرية الصحافة خلال فترات مختلفة.
والمثال على استجابة هيئة الإعلام والاتصالات للسلطات ظهر بعد رسائل متبادلة بين رئيسي المحكمة الاتحادية العليا، ورئاسة الجمهورية، جاسم محمد عبود، وعبد اللطيف رشيد، حيث تحدثا عن “مجموعة على تطبيق واتساب تقيّم الجهات الحكومية بما لا يتفق مع النظام العام والآداب”، فيما انتقدا الباحث والكاتب العراقي يحيى الكبيسي، الموجود في المجموعة.
ولا يوجد توضيح حتى الآن حول إمكانية أن يؤدي تقييم الجهات الحكومية إلى المسائلة، فضلًا عن كيفية مراقبة مجموعات “واتساب” من قبل السلطات، لكن عطفًا على الرسائل المتبادلة، قررت هيئة الإعلام والاتصالات، منع ظهور الباحث في الشأن السياسي الدكتور يحيى الكبيسي، في كافة وسائل الإعلام منذ ظهور الرسائل.
وفي منصات التواصل الاجتماعي لا تدخر الدوائر الحكومية المختصة جهدًا في التضييق على كل من ينتقد أداء السوداني ويكشف حقيقة منجزاته الخدمية حتى وصل الحال بها إلى التواصل مع إدارات المنصات الكبرى للسيطرة على المؤثرين ممن ينتقدون الحكومة.
وتخشى الحكومة من المنصات التي لا تسيطر عليها ومنها منصة “إكس” وموقع التواصل الاجتماعي “تيليغرام”، إذ أنّ “فيسبوك” لا مشكلة لديها معه لأنه متعاون، ويمكن أن يحذف أي صفحة تعتقد أنها مخالفة.
ويؤكد أحد المختصين التقنيين أنّ بعض “المنصات تتعاون مع الحكومة لأن شكوى الأخيرة غالبًا ما يتمّ ربطها بالإرهاب وداعش”.
ويعزو المختص أسباب تراجع النقاش السياسي والصحافة في “فيسبوك” إلى سياسة هذه المنصة، فضلًا عن “سهولة التضييق فيها”.
إلا أن الحال يختلف في منصة أكس التي كتب فيها المدوّن والرسّام العراقي الساخر، آدم عراق، في منتصف كانون الأول من العام 2023، تدوينة انتقد فيها إجراءات حكومة السوداني في حجب مواقع صحفية منتقدًا فيها أيضًا مدير المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة.
لكن المفاجئ، أنه تلقى في اليوم الثاني بريدًا إلكترونيًا، من منصة “إكس” يقول البريد إنّ الشركة “تلقت طلبًا قانونيًا من قبل الحكومة يدعي بأن التدوينة التي تحدثت عنها تخالف قوانين العراق”.
وبحسب البريد الوارد لصفحة المدون فإن “الشركة لم تتخذ أي إجراء نتيجة لذلك الطلب، إلا أن من سياساتها إبلاغ المستخدمين إذا ما تسلمت طلبات قانونية من كيانات حكومية”.
وعلى إثر ذلك شعر “آدم عراق” بشيء من الارتياح نتيجة سياسة “إكس” في عدم حذف تدوينته وإبلاغه بالشكوى، لكنه لم يتوقع أن “تقوم جهة حكومية بكل هذا الجهد لمنع مدون مجهول من الكلام، بينما هناك مئات المشاكل التي تحتاج إلى حلول” على حد تعبيره.
ولفت المدون “آدم عراق”، إلى أنه وعلى الرغم من ذلك بادر بـ”الاتصال بالمحامي الشخصي للحصول على نصيحة قانونية ثم التواصل مع بعض أفراد العائلة وإخبارهم بالأمر”، خشية من أي تبعات تهدد سلامته.
ولا تقتصر أجواء تراجع الآراء والنقاشات المعتادة في الفضاء العام على الإعلام المرئي والمكتوب والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، إنما وصلت إلى الفعاليات والمؤسسات الثقافية في العراق، وهو ما يفسّر ظهور كتاب صادر عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق مطلع حزيران الجاري، حيث شكل بموجبه الاتحاد لجنة تتابع مواقع التواصل والمنصات الثقافية لرصد “ما يسيء لسمعة الوطن والمساس بالقضايا الوطنية الرمزية وضبط الإعلام الأدبي”، وهي قضايا غير مفهومة و”فضفاضة” بالنسبة لشعراء وكتّاب تم توجيه أسئلة لهم عن طبيعة عمل هذه اللجنة.
وعلى الجانب الآخر، فإنّ نقابة الفنانين العراقيين هي الأخرى، قررت في نيسان الماضي، معاقبة الفنانة “عايدة الغريب”، بتهمة إطلاق تصريحات تمس “هيبة الدولة”، وذلك بعد حديثها عن “هروب بعض افراد حماية السوداني خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لطلب اللجوء”.
وصدر قرار معاقبة الفنانة، بالتزامن مع ظهور مشهد تمثيلي لنقيب الفنانين، جبار جودي، يلمح فيه إلى أن “السوداني بدأ يعمل والكتل السياسية ستحاول عرقلة عمله”.