بالتزامن مع يومهن العالمي.. الإهمال الحكومي ينهك شريحة الأرامل في العراق
منظمات حقوقية تؤكد تقاعس السلطات الحكومية عن تقديم إحصاء دقيق لعدد الأرامل في العراق للهروب من مسؤولياتها تجاه هذه الشريحة وما تتطلبه من رعاية خاصة.
بغداد – الرافدين
تعاني شريحة الأرامل في العراق الأمرّين جراء الإهمال الحكومي وغياب المعيل بالتزامن مع الاحتفاء باليوم العالمي للأرامل ضمن حراك دولي هدفه إيلاء اهتمام خاص بهذه الشريحة من المجتمع وأطفالهن، ورفع مستوى الوعي بأوضاعهن، وهو ما تجاهلته حكومات الاحتلال المتعاقبة في العراق بعد عام 2003 وحتى اليوم.
وتستمر الحكومة في العراق في تجاهل ما تعيشه الأرامل من فقر وظروف متردية وانخراطهن في أعمال لا تليق بالنساء، من غير اتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة هذه الظاهرة التي تفاقمت بعد الاحتلال وسيطرة الميليشيات على مختلف مناحي الحياة في العراق.
وخصصت الأمم المتحدة يوم 23 من شهر حزيران من كل عام يومًا دوليًا للأرامل للتذكير بما تواجهه هذه الفئة من معاناة وفقر، ولحث المجتمعات على دعمهن.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى وجود نحو 259 مليون أرملة في العالم نصفهن تقريبًا يعشن في فقر شديد، لافتة إلى أن ندرة البيانات الموثوقة التي يمكن الاعتماد عليها لا تزال إحدى العقبات الرئيسة التي تحول دون وضع السياسات والبرامج التي تهدف إلى التصدي للفقر والعنف والتمييز الذي تعاني منه الأرامل.
ويعكس جهل الجهات الرسمية بالأعداد الحقيقية للأرامل مدى اللا مبالاة للسلطات الحكومية لهذه الشريحة، على الرغم من أنها تتحمل مسؤولية معاناتهن، إذ لا تملك وزارة التخطيط إحصاءًا دقيقًا حول عدد الأرامل في البلاد وما زالت تتحدث عن مليون أرملة فقط استنادًا لأرقام قديمة غير محدثة.
في المقابل تقدر إحصاءات غير رسمية عدد الأرامل في العراق، بنحو 3 ملايين امرأة عقب تشكيك منظمات حقوق المرأة بالأرقام التي تصدرها وزارة التخطيط والتي وصفتها بغير الدقيقة لعدم شمولها زوجات المفقودين والمغيبين، على الرغم من تصنيف الأمم المتحدة لهن ضمن شريحة الأرامل وسط حديث عن تقاعس حكومي متعمد بهدف الهروب من مسؤولية تقديم الرعاية اللازمة لهذه الشريحة.

وتتفاقم يومًا بعد آخر مشكلة الأرامل في العراق لاسيما أن أعدادهن في تصاعد مستمر بسبب الفوضى الأمنية، واستمرار سياسة الإهمال الحكومي لشريحة أصبحت مأساتها منسية في ظل واقع مرير يعكس حقيقة ما يسمى بالعراق الجديد.
وتواجه شريحة الأرامل العراقيات قسوة الحياة وشظف العيش في ظل فقر مدقع ترتفع معدلاته على وقع أزمات الفقر والبطالة التي حولت هذه الشريحة إلى مجرد أرقام تعيش ظروفًا قاسية تحت خط الفقر.
وتعاني العائلات التي فقدت معيلها تحديات كثيرة ما أجبر الكثير من أفرادها لاسيما النساء الأرامل والمطلقات على دخول سوق العمل وممارسة أعمال شاقة في المصانع ومكبات النفايات وغيرها لمساندة الأهل في تأمين متطلبات الحياة.
ولا تتوقع شيماء ساجد (49 عامًا) وهي والدة لثلاثة فتيات لم تتجاوز أكبرهن 13 عامًا وتسكن معهم في شقة متكونة من غرفة واحدة مع ملحقاتها أن يحدث تغيير في وضعها.
وتقول شيماء العاملة بإعداد المأكولات الشعبية إن “وضعي بحاجة للتغيير، لكني لا فرصة لدي تساعدني ولم أتمكن من دعم بناتي كي يدخلن المدارس ويتعلمن فالأوضاع المادية الصعبة تجبرهن على أن يعملن معي لتوفير قوت يومنا”.
وبعد وفاة زوجها في حادث مروري عام 2018، دفعتها الظروف المعيشية القاسية للعمل في إعداد الكبة وبعض المأكولات الأخرى في منزلها بحسب طلبات الزبائن.
وتبيّن أن عملها “جعلها تدرك أن توفير لقمة العيش محفوف بالمخاطر الصحية، إذ أصيبت بانزلاق مزمن في فقرات الرقبة لأنها لا تملك القدرة المادية على مراجعة الطبيب”.
بدورها تتحدث إسراء مؤيد (38 عامًا) وهي والدة لثلاثة أطفال، عن ظروف حياتها القاسية بعد وفاة زوجها قبل ثلاث سنوات إثر مرض مفاجئ.
وتقول إسراء “بعد وفاة زوجي أجبرت على العودة إلى دار أهلي الذين تحملوا رعاية أبنائي قدر الإمكانيات على الرغم من الدخل المادي القليل الوارد إليهم من عمل والدي الذي يعمل بائعًا في أحد المراكز التجارية”.
وتذكر أن أهل زوجها تخلوا عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم لأبنائها بعد وفاة والدهم، بل وصل الحال إلى انقطاع التواصل وحتى السؤال البسيط.
وبخصوص أحقية شمولها بالرعاية الاجتماعية تفيد أن “راتب الرعاية الاجتماعية الذي يمنح للأرامل قليل ولا يسد شيئًا من متطلبات المعيشة اليومية الصعبة، كما أن إجراءات المعاملة معقدة وتحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لإنجازها، إضافة إلى معارف شخصية (واسطات) تسهل إجراءات المعاملة”.
وتلفت إلى أن ظروف الحياة الصعبة بعد وفاة زوجها ورغبتها بتربية وتعليم أبنائها أجبرها على العمل في إحدى الحضانات الأهلية للأطفال مقابل 200 ألف دينار شهريًا.

وتقر مديرية دائرة الرعاية الاجتماعية للمرأة في وزارة العمل بوجود آلاف المعاملات لنساء فاقدات المعيل، بأمس الحاجة إلى راتب الحماية، إلا أنّ التخصيصات المالية خلال الأعوام الأخيرة لم تحمل أي زيادة لغرض شمولهنَّ بالإعانات.
ويفيد باحثون اجتماعيون في المديرية أن راتب الحماية الاجتماعية البالغ 325 ألف دينار لا يكفي لأرملة تعيل ثلاثة أطفال وأكثر فضلًا عن وجود قرار حكومي ينص على إخراج الطفل عند بلوغه 18 عامًا، من قاعدة البيانات.
وتفيد البيانات الرسمية بأن قرابة 3 ملايين عراقي يتلقون منحًا مالية شهرية من الحكومة وهم من أصل 9 ملايين يستحقون المساعدة ولا تستطيع الحكومة تقديمها لجميعهم بما فيهم شريحة الأرامل بسبب ضعف التخصيصات وهدر المال العام جراء الفساد المتجذر في مفاصل الدولة.
وتعيش الكثير من الأسر التي تتولى رعايتها الأرامل في دوامة معاناة شديدة في مواجهة ظروف الحياة الصعبة والعوز وقلة الإمكانات وغياب الاهتمام الحكومي وضعف كبير وربما غياب كامل لكل ما يتصل بأسباب الحياة وإدامتها والاهتمام بتأمين وسائل التعليم والصحة وغيرها التي يحتاجها أطفالهم وبما يؤدي إلى نموهم ونشأتهم بشكل سليم.
وفي هذا السياق تؤكد رئيسة منظمة الأمل والناشطة النسوية هناء إدور أن “الكثير من الأرامل في العراق شابات ويمتلكن أطفالًا صغارًا”.
وتتابع أدور أن “النساء الأرامل يمررن بظروف قاسية في ظل التقاليد والأعراف التي تقيد وتحجر المرأة الأرملة في البيت، ما يفوت الكثير من حقوقها ويغلق عليها أبواب الفرص، حتى أن بعض الأرامل لا يملكن مستمسكات ثبوتية لأطفالهن”.
وعانت المرأة العراقية الكثير في بلد يعد ضمن البلدان العشر الأخطر على المرأة بحسب تصنيف معهد المرأة والسلام والأمن، لعام 2023-2024، وأوضاعها تزداد سوءًا مع استمرار النهج الحكومي في مصادرة حقوقها.
وتشير إحصاءات غير حكومية إلى وجود نحو مليون عائلة تعيلها نساء، لا سيما ممن غيب أو اعتقل أزواجهن وأبنائهن على يد القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي ومنهم شريحة الأرامل.