الدكتور مثنى الضاري: الإصرار على عطلة الغدير التي تقسّم العراقيين، دليل دامغ على الإفلاس
مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق: العلاقة الملتبسة والمتذبذبة بين الصدر والإطار التنسيقي تنتهي إلى مخارج متقاربة؛ لأن الأهداف والغايات العامة التي يقوم عليها النظام السياسي الشاذ بعد الاحتلال تجمعهما، وتوفر لهما الظروف والإمكانات الضامنة لاستمرارهما.
عمان- الرافدين
أكد الدكتور مثنى حارث الضاري مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين على أن قرار مجلس النواب الحالي بإقرار ما يسمى بعطلة عيد الغدير، يتناقض بشكل صارخ مع دعوات “الدولة العراقية الحديثة” وشعارات الديمقراطية والمدنية، التي صدعوا رؤوسنا بها على مدى العقدين الماضيين؛ بل فيه توجه متصاعد نحو هيمنة البعد الديني (بصورته الطائفية) على مؤسسات البلاد وسياقاتها العامة بشكل (قانوني)، بعد فرضها جبرًا على المواطنين عن طريق الممارسات والطقوس الممارسة في دوائر الدولة ومؤسساتها والعاملين فيها.
وعزا الدكتور الضاري في حوار مطول مع صحيفة “الميثاق الوطني العراقي”، إقرار ما يسمى بعطلة عيد الغدير إلى مقولة “الحاجة أم الاختراع” وفي السياسة الاختراع هو الحاجة، فمتغيرات اللعبة السياسية كثيرة ومتطلباتها أكثر، هذا في الحالة الطبيعية فما بالك بحالة غير طبيعة وأوضاع شاذة -كما يجري في العراق- حيث يتداخل البعد السياسي مع الأغراض: الطائفية والعنصرية والإثنية والمصلحية الخاصة؟
وشدد على أن الإصرار على هذه العطلة التي تقسم العراقيين، دليل دامغ على الإفلاس؛ فقد تكشفت للأجيال الجديدة في العراق حقيقة ما يجري من لعبة سياسية، مؤسسة على المحاصّة الطائفية والعرقية، ومبنية على جلب المكاسب والمصالح، ومتمرغة في الفساد بكل ألوانه. ومن هنا فإنه ليس أمام القوى والأحزاب المشاركة في (عملية سياسية) بهذه المواصفات إلا أن تعمل ما استطاعت -بين حين وآخر- على إثارة العوامل المساعدة لها على البقاء، وفي مقدمتها تأجيج الطائفية والحس الفئوي ومظلومية الأقلية؛ ولكنها -بعد انكشافها- أضحت محاولات وأساليب لا تنطلي على الكثيرين، داخل العراق وخارجه.
وبشأن دعوات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والميليشيات باقتحام المساجد، قال مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق “مادامت المعاني والمناسبات الدينية والمذهبية الخاصة تستغل لأهداف سياسية -كما هو الشأن في الحالة السياسية في العراق-؛ فسيبقى الأمر في إطار الاستعراضات المستفزة المختلطة بأعمال همجية لبعض الميليشيات”.
ووصف الدكتور الضاري خطابات الصدر بتكرار ممل لأسلوب اعتدنا عليه منذ زمن ليس بالقصير، وقد قلت في مناسبة سابقة: إن أسلوب الابتعاد عن العملية السياسية، ومن ثم الرجوع إليها بطريقة ما، ثم مغادرة بعض مؤسساتها، والعودة إليها من باب إحداث مشكلة ما؛ هو الأسلوب المحبذ لزعيم التيار الصدري. وها هو مرة أخرى يعيد إنتاج نفسه وخطابه المبرر لما يفعله، وبنكهة طائفية طاغية هذه المرة، مع توهم كبير بقدرته على وضع المحترزات والمحددات لها أو تفسيرها بما يتناقض مع مدلولاتها المتبادرة للذهن.
وأوضح “بالمحصلة فهي إعادة إنتاج خطابات سابقة وادعاءات مكررة، في محاولة لتحميل الأطراف الأخرى مسؤولية ما يصدر عنه من أفعال أو ردود أفعال غير محسوبة. وهنا ينبغي التنبيه على أنه لو كانت هناك منّة من أحد على أحد؛ لكانت المنة في رقبة مقتدى الصدر لمن يَمُن عليهم الآن؛ فمواقف الدعم والإغاثة والإسناد له ولتياره، التي قامت بها القوى المناهضة للاحتلال ومعها المقاومة العراقية -أثناء أزمة النجف سنة 2004 كافية في سحب البساط منه، ودحض كلامه”.
وعما يسمى بالطبقة السياسية السنية في العملية السياسية، وذرائعها في المشاركة بعد التصويت على يوم الغدير، قال الدكتور مثنى الضاري “لا حجج لهم قبلها، ولا بعدها، وقد أمسوا لا يحتاجون للمبررات والذرائع والحجج، ما داموا قد ربطوا مصيرهم بتحالفاتهم السياسية وحصنوها بتوافقاتهم المحلية والإقليمية، وهناك من مازال يحسن الظن فيهم أو يعول عليهم؛ لكن تجارة العلاقات هي السائدة وتبادل المصالح هو الرائج، والسكوت عنهم هو سلاح المستجير بهم -للأسف-“.
خطابات الصدر تكرار ممل لأسلوب اعتدنا عليه منذ زمن ليس بالقصير
وعما إذا كان طريق تنمية العراق مرهون بإبعاد فساد الأحزاب وتسلط الميليشيات الطائفية؟ قال الدكتور الضاري “هذا هو الطريق الحقيقي والمطلوب في كل مكان في العالم لضمان حصول التنمية بشروطها المعروفة ومتطلباتها المعلومة، فما بالك ببلد مبتلى بأنواع الفساد وأصناف الشرور المتأتية عن تسلط النظام السياسي وهيمنة الميليشيات عليه، وشيوع الفساد كظاهرة عامة وليست استثناءً، فضلًا عن التبعية للإرادات الخارجية، وتغليب المصالح الفئوية الخاصة على المصالح الوطنية العامة”.
وعن تمسك هيئة علماء المسلمين بخيارها الوطني في مناهضة المشروع الأمريكي وعمليته السياسية بعد 21 عاما، قال الدكتور الضاري “تمسك الهيئة بخيارها ينطلق -وأقولها بثقة كبيرة- من صوابية موقفها وصحة رأيها وتحقق استشرافها لمآلات العملية السياسية في ظل الاحتلال؛ فشواهد الواقع تؤكد ذلك ودلائل الفشل بادية لا تحتاج إلى إيضاح. وينعكس هذا الخيار بالضرورة بصورة إيجابية على مواقف القوى الوطنية المناهضة للاحتلال ويعطيها سندًا لتعزيز الجهد الوطني، ومواصلة العمل الوطني عن طريق المؤسسات والأطر والسياقات المناسبة، ومنها (الميثاق الوطني العراقي) الذي هو وليد تفاهمات عدد من هذه القوى، وأحد مشاريعها المعلنة”.
وعن بلوغ نهاية الطريق لإخراج العراق من مأزقه، قال الدكتور الضاري “نعم ممكن، إذا ما قامت الظروف المناسبة، وتوفرت الرؤى الصحيحة والدقيقة لما يجري في العراق لدى الفاعلين في المنطقة والعالم، وثبت دعاة الحل الوطني على مواقفهم ولم يتأثروا برياح الفتنة التي تهب من هنا وهناك”.
وفي قراءة للتخادم الأمريكي الإيراني وضع الدكتور مثنى حارث الضاري هذا التخادم في خانة مصالح الدول؛ فكل دولة تعمل على جلب المصالح واستغلال الظروف والمتغيرات والمعطيات لصالحها، وهذا ما تفعله أمريكا وإيران في المنطقة، وللأسف يقابله عدم اكتراث أو ردات فعل غير مجدية من قبل دولنا وأمتنا تجاه ما يجري من تخادم وكسب جبهات بين هاتين الدولتين اللتين على الرغم من الصراع بينهما في المنطقة؛ إلا أنهما تتفقان على أهداف مشتركة رئيسة فيما يتعلق بالموقف من دول المنطقة والأمة عامة؛ فهما تريان في دول المنطقة: عدوًا ومغنمًا في الآن نفسه، وتسعيان بقوة لتحييد مكامن قوتنا واستغلال مكامن ضعفنا وثرواتنا وقدراتنا، مع زيادة أهداف عقدية طائفية خاصة لدى الطرف الإيراني يريد فرضها على السواد الأعظم من الأمة.