ميليشيا الحوثي تتمدد داخل العراق برعاية ميليشيات حكومة الإطار التنسيقي
النشاط العسكري والاجتماعي اللافت لميليشيا الحوثي في العراق ينذر بتحول البلاد إلى قاعدة انطلاق جديدة للميليشيا بعيدًا عن قاعدتها الرئيسة في المرتفعات الشمالية لليمن والهدف يكمن في تعزيز نفوذها في المنطقة بما يخدم أجندة إيران التوسعية.
بغداد – الرافدين
رصد مراقبون ومختصون بنشاطات الميليشيات الموالية لإيران في العراق والمنطقة حضورًا لافتًا لميليشيا الحوثي داخل الأراضي العراقية بعد منح حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني التسهيلات اللازمة لترسيخ وجودها بما يتماهى والمشروع الطائفي لميليشيات الحشد الشعبي في العراق.
وحذروا من تبعات حصول الميليشيا على موطئ قدم يعزز من مكانتها ببطء وثبات في المشهد العراقي لخدمة هدفها الرئيس المتمثل في ربط نفسها كخيط لا غنى عنه في حزام “محور المقاومة الولائي” المدعوم من طهران بعد نجاح الميليشيا في وضع حجر أساس لوجودها في سوريا ولبنان وعمان، بهدف تطويق عدوها اللدود المتمثل بالمملكة العربية السعودية.
وجاءت التحذيرات متزامنة مع ما كشفت عنه مصادر مطلعة عن عقد ميليشيا الحوثي “سلسلة لقاءات بين قيادات في الحشد والحرس الثوري الإيراني داخل العراق لتعزيز التعاون العسكري والتدريب على استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها”.
وأضافت المصادر أن “80 عنصرًا من جماعة الحوثي في اليمن يتواجدون حاليا في العراق وتحديدًا في معسكر للحشد الشعبي في ناحية جرف الصخر شمالي بابل”.
وبينت أن “العناصر الحوثية التحقوا ببرامج تدريب وتبادل خبرات بين الجانبين تحت إشراف الحرس الثوري”.
وكشفت المصادر عن أن “ميليشيا الحوثي سمت ممثلًا لها في العراق وهو أحمد الشرفي المكنى (أبو أدريس)، والذي يتولى تمثيل الجماعة في العراق، إلى جانب تنسيق التعاون والتدريب والعمل الأمني بين الحوثيين والحشد وبين الحوثيين والحرس الثوري الإيراني”.
وأوضحت أيضًا أن الشرفي يحاول تنسيق الجهود مع الحرس الثوري في معسكرات الحشد الشعبي داخل العراق من أجل التدريب على استخدام المسيرات والزوارق المسيرة والتي لجأت إليها الجماعة خلال عمليات استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر بذريعة استهداف السفن الصهيونية.
ويأتي هذا التعاون في إطار تعزيز القدرات القتالية للحوثيين، بإشراف مباشر من قادة بارزين في الحشد الشعبي، الذين لديهم خبرة واسعة في الحروب غير النظامية وفقًا للمصادر نفسها.
وحول النشاط المكثف لميليشيا الحوثي في العراق علق الباحث وأستاذ العلوم السياسية مهند الجنابي بالقول إن “طبيعة التنسيق بين الفصائل العراقية والحوثيين يمتد لأعوام سابقة، حيث للأخيرة تمثيل أمني وعسكري بضيافة الفصائل المسلحة إضافة إلى التمثيل الدبلوماسي عبر وجود بعثة الحكومة التابعة للحوثيين في بغداد، وذلك يأتي بالرغم من نفي رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض لوجود أي تمثيل للحوثيين لدى الحشد العراقي”.
وأكد الجنابي على أن إيران تمتلك العديد من المناطق في العراق وحولتها إلى مقرات عسكرية متقدمة لها للتدريب ونقل الأسلحة وصناعتها والتنسيق بين الفصائل.
ولفت إلى أن الحرس الثوري الإيراني يعتمد على طريقين بريين في العراق، الأول يمتد في الشمال من إيران مرورًا بسنجار ومن ثم سوريا، والثاني من إيران وصولا إلى جرف الصخر ومن ثم غربي الأنبار.
وأضاف أن “الخطر في علاقة الفصائل التابعة للحشد الشعبي بجماعة الحوثي التي شملها قرار مجلس الأمن الدولي والذي اعتبرها تهديدا للأمن والسلم الدولي يكمن في أن ذلك يهدد السيادة الوطنية العراقية من جهة ويهدد التزامات العراق الخارجية، فضلا عن خرق قرار مجلس الأمن رقم 2722 الخاص بالتصعيد في البحر الأحمر”.
وأشار إلى أن ” القرار الدولي صنف الحوثيين على أنهم يهددون السلم والأمن الدولي وبدأت على إثر ذلك هجمات جوية أمريكية وبريطانية وفرنسية تستهدف مواقعهم، وبالتالي فإن التعامل معها سيؤدي إلى شمولها بهذا القرار الأممي، ما ينذر بتصعيد الأمور أكثر في المنطقة”.
بدوره يرى المحلل السياسي العراقي رعد هاشم أن “وجود الحوثيين في العراق ليس بالأمر الجديد، حيث بدأ التعاون بين تلك الجماعة وفصائل الحشد وتحديدًا كتائب حزب الله منذ سنوات”.
وأضاف هاشم أن “الدعم الإيراني للفصائل المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ما يزال مستمرًا ولم يتوقف بالرغم من تحسن العلاقات الإيرانية – السعودية بعد توتر استمر لسنوات”.
وبين أن “إيران ليس لها النية بوقف هذا الدعم لتلك الأذرع المسلحة في الوقت الحالي”.
وأشار إلى أن “اللافت في وجود وفود من جماعة الحوثي في العراق أنها كانت تجري بصورة سرية، ولكنها اليوم باتت بصورة علنية وأمام الجميع حيث أصبح لعب تلك الفصائل على المكشوف”.
وأوضح أن المعلومات المسربة تفيد بأن جماعة الحوثي طلبت من فصائل الحشد تزويدها بمقاتلين، ولكن لم يحسم الأمر من قبل بعض القيادات ولاسيما أبو فدك الذي يتولى منصب رئاسة أركان الحشد الشعبي”.
وأشار إلى “وجود وعود بتوفير تمويل للجماعة من قبل الحشد، وهو ما حصل قبل سنة أو أكثر عندما مولت كتائب حزب الله الحوثيين لشراء طائرات مسيرة”.
ويبدو أن العلاقة الأبرز بين ميليشيا الحوثي وميليشيات الحشد الشعبي تلك التي تحتفظ بها مع ميليشيا حزب الله التي أعلن المتحدث باسمها أبو علي العسكري، في كانون الثاني 2022، عن إطلاق حملة لجمع التبرعات لصالح ميليشيا الحوثي فيما أعربت ميليشيات مسلحة أخرى قريبة من إيران، مثل حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، والعصائب ومنظمة بدر، عن دعمها العلني للميليشيا في اليمن.
وسبق أن وقع فرع الحوثيين في العراق في أيار بيانًا مشتركًا مع ميليشيا حزب الله زعمت فيه أن الأمين العام للميليشيا تحدث مباشرة مع زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في اليمن.
وبحسب ما ورد ركزت المحادثة على “الحفاظ على الاستعداد والتنسيق بين مجموعات “محور المقاومة”، وخاصة تلك المتمركزة في العراق واليمن”.
وفي وقت لاحق، في حزيران الجاري أعلن ما يعرف باسم “المقاومة الإسلامية في العراق” – كيان يضم جماعات مسلحة مدعومة من إيران في مقدمتها ميليشيا حزب الله – أنه نفذ إلى جانب الحوثيين ضربات مشتركة بطائرات بدون طيار على مدينتي أشدود وحيفا.
ومن الممكن أن تشير الضربة المشتركة المزعومة أيضًا إلى مزيد من التنسيق بين ميليشيا الحوثي والميليشيات الولائية لاسيما ميليشيا حزب الله التي تتخذ من ناحية جرف الصخر مقرا رئيسًا لمعسكراتها التي تشهد تدريبات مكثفة للحوثيين.
وفي خضم هذا التعاون المتزايد يحاول الحوثيون التغلغل في النسيج الاجتماعي العراقي لتحقيق أهداف أكبر على المدى البعيد تضمن للميليشيا التوسع أفقيا وعموديًا مستغلة البيئة الطائفية التي أوجدتها الميليشيات كحاضنة لها.
ويؤكد الباحث السياسي اليمني “تامر بدوي” أن “التواجد الحوثي في العراق لا يقتصر على العلاقات مع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران بعد أن امتد سعيهم أيضًا إلى نسج علاقات وطيدة بالمجتمع من خلال تعزيز العلاقات مع زعماء القبائل وشيوخ العشائر في جنوب العراق، والاستفادة من تواجدهم لتسهيل التواصل مع المستشارين العسكرين لطهران والتنسيق مع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران”.
وكشف بدوي عن “قيام الحوثيين باستخدام المنظمات المجتمعية لشرح فكرهم السياسي والديني الزيدي لجمهور عراقي أوسع.
وتابع أن “أحد الأمثلة على ذلك يتمثل بمنظمة “المحمديون” التي تتخذ من البصرة مقرًا لها، والتي تنشر التعاليم الدينية والثقافية للحوثيين بالتنسيق الواضح مع كتائب حزب الله”.
ونوه إلى أن “مدير قناة الحوثيين على شبكة تيليجرام أكد أن الجماعة تدير أيضًا منظمات ثقافية مماثلة في مدن النجف وديالى وكركوك، وتركز حاليًا على تطوير وجودها في محافظات كردستان العراق نظرًا للوضع الحالي” في إشارة للوجود “الإسرائيلي” المزعوم هناك.
وبين الباحث السياسي اليمني أن “وجود الحوثيين في العراق يعمل أيضًا كقناة لتواصل أعضاء الجماعة مع المستشارين العسكريين لطهران، ما يسمح لهم بتبادل المعرفة مع الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران”.
وبدأت ميليشيا الحوثي في تطوير وجودها في العراق لأول مرة في عام 2011 ومهَّد وزير الخارجية العراقي في ذلك الوقت – إبراهيم الجعفري – الطريق لاعتراف بغداد الفعلي بالحوثيين.
وفي أواخر عام 2021، أفادت بعض التقارير أن رئيس الوزراء العراقي آنذاك، مصطفى الكاظمي، استخدم علاقاته الوثيقة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للمساعدة في إعادة حسن إيرلو، مبعوث إيران إلى اليمن، عبر المملكة.
ويبدو أن وجود الحوثيين سيتحول إلى عبئ على حكومة السوداني في المستقبل القريب خاصة وأن رئيس حكومة الإطار يسعى إلى ضمان حالة الاستقرار لحكومته ما يعني مواجهته ضغوطاً شديدة لاتخاذ موقف وسط بين استرضاء طهران – التي تدعم كلاً من الحوثيين والميليشيات المسلحة التي ساعدت في وصوله إلى السلطة – في وقت يسعى فيه كذلك إلى توطيد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع السعودية.