أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

خزين مائي أقل من نصف حاجة العراق ومخاوف من استنزاف المياه الجوفية

ملف المياه تم تذييله في قائمة الحوارات الحكومية مع دول المنبع رغم أن العراق يصنف بالمركز 23 عالميًا بالإجهاد المائي أي أن الاستهلاك أكثر من الإيرادات.

بغداد – الرافدين
كشفت لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، أن الخزين المائي في العراق يقدر بـ 20 مليار متر مكعب، وهي كمية يراها مختصون بشؤون المياه بأنها قليلة في ظل احتياج البلاد إلى 48 إلى 50 مليار متر مكعب من المياه لتلبية طلبات الاستهلاك وتنفيذ عملية زراعية كاملة.
وحذر مختصون من أن الخزين المائي أيضًا لا يكفي لأنعاش الأهوار التي تواجه ثلاثة أشهر قاتلة من التبخر الهائل لكميات المياه، في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالية ما يعني خسارة المزيد من الأراضي المغمورة فيها.
وحذر خبراء في مجال المياه من الأيام المقبلة التي وصفوها بأنها ستكون أكثر قسوة على الأهوار في ظل ارتفاع درجات الحرارة الذي يؤدي إلى ازدياد نسبة تبخر المياه فيها،
وأكدوا على أن احتياجات الأهوار من المياه – التي تبلغ مساحتها بحدود 20 ألف كم مربع- 20 مليار متر مكعب للوصول إلى الوضع المثالي، لكن في الوضع الطبيعي أو المتوسط تحتاج 7 إلى 8 مليار متر مكعب، وهذه تذهب أيضًا كضائعات نتيجة نسبة التبخر العالية في الأهوار، وهذا يعود إلى عدم التوصل لاتفاقيات المشاركة المائية مع دول الجوار”.

جفاف نهري دجلة والفرات يهدد استقرار وأمن العراق البيئي والمائي والغذائي

ونوه المختصون بأن “هناك قانون دولي يجيز على دول المجرى المائي أن تؤمن الحصص المائية للأهوار لاسيما بعد دخولها ضمن قائمة التراث العالمي كمحمية عالمية، لكن يلاحظ أن الملف الخارجي متعثر دائمًا ولم نصل إلى مستوى المفاوضات التي تفضي إلى نتائج مع الجانبين التركي والإيراني، بل كانت عبارة عن محادثات فقط، كما أن ملف المياه لم يأخذ الأولوية عند الحكومة، أما الحلول الحكومية فهي آنية لكن الحكومة تراها استراتيجية، ما يشكل خطراً على مستقبل العراق”.
ووفق الخبير في مجال المياه، تحسين الموسوي فأن العراق يصنف بالمركز 23 عالميًا بالإجهاد المائي أي أن الاستهلاك أكثر من الإيرادات، في وقت لم يتوصل العراق مع دول المشاركة المائية لإطلاق حصصه المائية حتى الآن.

تحسين الموسوي: العراق لم يأتِ بحل من عملية التفاوض مع دول المنبع حول مشكلة المياه حتى وصول إلى استخدام الجزء الميت

وأضاف الموسوي أنه “كان من المتوقع في الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يستثمرها العراق في ملف المياه، خاصة وأن هناك نقاط قوة تتمثل بالميزان التجاري والجانب الأمني الذي تبحث عنه تركيا في ملف حزب العمال الكردستاني وكذلك في موضوع التنمية”.
وأشار الموسوي أن ملف المياه تم تذييله في قائمة الحوارات، مع دول المنبع، ومجلس الوزراء العراقي اكتفى بالتصريحات باتفاق الجانبين على تشكيل لجان، وهذا يصب في مصلحة الجانب التركي، وكذلك الحال مع الجانب الإيراني، لذلك لم يطرأ تحسن على الملف المياه الخارجي.
وأكد على أن العراق لم يأتِ بحل من عملية التفاوض مع دول الجوار البلد مر بأربعة مواسم جافة وتم الوصول إلى استخدام الجزء الميت.
وأوضح أن “العراق يفقد 5 إلى 8 مليارات متر مكعب في عملية التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف، كما أن الطبيعة أدخلت العراق ضمن أكثر خمس دول تأثرًا بالتطرف المناخي، وهذا عبء إضافي على العراق في مسألة المياه”.
وعن مخاطر جفاف الأهوار يشير الناشط البيئي جاسم الأسدي إلى أن “الأهوار العراقية ما تزال تواجه الجفاف منذ عام 2021 حتى نهاية شباط 2024، وكان جفافاً حادًا ومركبًا بسبب عدم وجود أمطار، ودرجات حرارة عالية، وعدم وجود مياه كافية قادمة من خارج الحدود من نهري دجلة والفرات والجانب الشرقي الإيراني”.
وأوضح الناشط البيئي، أنه “ومع كل يوم يتم خسارة بحدود نصف سنتم من منسوب الهور وكذلك من منسوب الفرات، وبالنتيجة أمامنا ثلاثة أشهر قاتلة من التبخر الهائل لكميات المياه في الأهوار، وهذا يعني خسارة المزيد من الأراضي المغمورة في الأهوار، وهذه الخسارة تتمثل أيضاً بخسارة اقتصادية لمربي الجاموس وصيادي الأسماك وصانعي المضائف والحشائش الخضراء”.
ويحل العراق بسبب أزمة الجفاف بين أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم، وبحسب تصريحات حكومية سابقة بأن عدد المتضررين بسبب التغير المناخي يصل إلى نحو سبعة ملايين عراقي إضافة إلى احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث تحجب السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمائة من حصة العراق المائية.

جاسم الأسدي: أمامنا ثلاثة أشهر قاتلة من التبخر الهائل لكميات المياه في الأهوار

وتتجه الأنظار في الآونة الأخيرة حول استثمار المياه الجوفية عبر حفر الآبار الارتوازية لتكون داعما للخطط الحكومية في الإيفاء بالحصص المقررة ضمن الخطط الزراعية، وهو ما اعتبره أصحاب الاختصاص مجازفة تهدد مناسيب المياه الجوفية غير المستدامة والتي يجب التعامل معها بحذر وعلمية أكبر.
ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، إن “الوزارة طبقت خطة تنقسم إلى محاور لمواجهة شح المياه من دول المنبع بينها خارجية وأخرى داخلية بضمنها حفر الآبار للاستفادة من خزين المياه الجوفية، وهو أحد المحاور المهمة لتعويض النقص الحاصل بالإيرادات المائية السطحية لنهري دجلة والفرات وفقا لدراسات علمية ومحسوبة”.
وأضاف شمال، أن “الاتجاه نحو حفر الآبار جاء لوجود حاجة لتأمين الخطة الزراعية والحصص المقررة لها، حيث جرى حفر ما يقارب 1300 بئر بضمنها نحو 300 لمعالجة شح المياه بمختلف المحافظات وإيصال المياه العذبة للمواطنين عبر المحطات”.
من جانبه، يرى الأكاديمي وخبير نظم المعلومات الجغرافية، سعد السام، أن “المياه الجوفية في العراق كنز لا يقل أهمية عن النفط والذهب ويجب التعامل معها بعلمية كبيرة واستخدامات معينة للحفاظ عليها”.
وأكد الخبير على أن الجهات المعنية بملف المياه عليها منع الري السيحي، مع إمكانية السماح بحفر الآبار لمن يتعهد باستعمالها بطرق الري بالتنقيط فقط، ويجب عدم السماح باستخدام المياه الجوفية لغير زراعة النخيل والأشجار والشجيرات لأنها تؤدي إلى استنزافها.الاهوار العراقية مهددة بالجفاف والخروج من قائمة التراث العالمي
ولفت إلى أن ترك الآبار مفتوحة وإيصال المياه منها إلى المزارع بقنوات مكشوفة يسبب أضرارا كبيرة أيضا ولذلك يجب تغيير هذه الطريقة بنظام القنوات المغلقة، كما أن حفر آلاف الآبار بدون إشراف مختصين جيولوجيين بالمياه الجوفية يستدعي إعادة النظر بكل ما تم حفره من أجل إغلاق كل بئر تم خلط طبقتين أو أكثر فيه وتعويضه صاحبه بواحد آخر.
وعد الخبير المختص عمليات الحفر غير الصحيحة للآبار عبر خلط طبقاتها يمثل خسارة وتخريبا متعمدا يطال الاحتياطي من المياه الجوفية لأن ذلك يؤدي إلى عرقلة أي عملية حسابية للاحتياطي الاستثماري للمياه.
وحذر من مواجهة نهر ديالى نفس مصير بحيرة ساوة في محافظة المثنى والتي جفت بسبب حفر الآبار الارتوازية على امتداد نهر الفرات وأيضا في محافظتي كربلاء والنجف حيث تم ترك الآبار تجري ولم يتم إغلاقها كي تدعم الأرض بالملوحة لأن نسبة الملوحة بمياه الآبار لا تناسب الأغراض الزراعية المتوجهة لها.
يشار إلى أن الأمم المتحدة في العام 2023 وضعت العراق في المرتبة 39 بين أكثر الدول إجهاداً للمياه، فيما أكدت أن هناك ضغوطا وإجهادا متزايدا على مصادر المياه في العراق، الذي يواجه أيضا تحديات كبيرة من التلوث الناجم عن صناعة النفط ومياه الصرف الصحي، وضعف الإدارة البيئية والحرائق، وهو ما يعني بالنتيجة حاجة العراق سنويا من المياه إلى نحو 70 مليار متر مكعب أغلبها لأغراض الزراعة، وفقا لذوي الاختصاص.الجفاف يدفع مزارعي العراق إلى الهجرة نحو المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى