أخبار الرافدين
طلعت رميح

لا تبعدوا أعينكم عن الضفة الغربية

بات واضحا الآن، أن نتنياهو غير معني بوقف شامل للحرب على غزة في وقت قريب، وأنه قرر ترك الأوضاع هناك قيد التفاعل الميداني في الفترة القادمة، إذ قال بصريح العبارة، إنه مستعد فقط لهدنة مؤقتة يستعيد بها بعض الأسرى، ليعود بعدها للحرب مجددا، وهو ما ترفضه المقاومة بشكل قاطع.
وتشير تصريحات نتنياهو وتحركاته- هو وقاده صهاينة آخرين- أنه يعمل وفق خطة تستهدف إشغال الجميع بالحديث عن فتح معركة في جبهة أخرى، لضمان بقائه وتياره من المهووسين المتطرفين في الحكم، ولتشتيت الانتباه عن الهزيمة التي تلقاها والجيش وأجهزة الأمن في الضربة الاستراتيجية في السابع من تشرين الأول “أكتوبر” وخلال الحرب على غزة. وهو يسعى أيضا لتأخير تشكيل لجان التحقيق في تلك الهزيمة، تحت دعوى مواجهة خطر ميليشيا نصر الله في الشمال.
وإذ تتوجه الأنظار إلى جبهة لبنان جراء تركيز نتنياهو عليها في تصريحاته وتحركاته، فالأهم والأخطر وما ينبغي تركيز الأعين عليه، هو ما يجري وسيجري في الضفة الغربية والقدس، تحت غطاء من هذا التركيز والإشغال بحرب على لبنان. ولا يغير من الأمر شيئا اندلاع مواجهات مسلحة باتجاه لبنان.
المعركة التي ستتصاعد في الضفة الغربية والقدس تجرى ضمن سياق الحسم الاستراتيجي للصراع، وهي معركة سينتج عنها حدوث تغييرات كبرى في شأن الوجود الحضاري والإنساني الفلسطيني وفي قضية القدس. وهي ليست أهم فقط من أي معركة باتجاه لبنان، بل هي أهم حتى من المعركة الجارية في غزة، إن جاز الفصل بينهما.
المعركة باتجاه لبنان هي معركة “طرفية” و”ظرفية” في الآن ذاته. هي معركة طرفية لأنها تتعلق بصراع خارج الأرض الفلسطينية لن ينتج عنه حدوث تغييرات على الأرض الفلسطينية. وهي معركة ظرفية لأن جبهة لبنان، كانت خامدة منذ عام 2006، ولم تشتعل تضامنا مع غزة التي خاضت عدة حروب مع الجيش الصهيوني، منذ هذا التوقيت وحتى طوفان الأقصى.
ومعركة لبنان تجري لحسابات إقليمية وطائفية وأهدافها تتعلق بتقاسم المصالح والنفوذ في الإقليم.
والمعركة في غزة أهم بطبيعة الحال من المعركة باتجاه لبنان. فهي تجري على الأرض الفلسطينية وهي معركة بقاء للوجود الفلسطيني على الأرض، ومعركة صراع مع محتل، وهي تجري بين طرفين متصارعين على أرض واحدة، وهي معركة وعدوان يشنه العدو الصهيوني لأجل ازالة دور قوة فلسطينية فاعلة وقوية، وذات تأثير في المعركة المركزية الجارية حول القدس والضفة.
ولذلك، يجب تركيز الأنظار والحشد الإعلامي على معركة القدس والضفة، حتى لو حدثت عمليات عسكرية في اتجاه لبنان وفي حال استمرار العدوان على غزة. معركة الضفة تتقدم خطوة على معركة غزة وهي في اتجاه آخر مختلف عن معركة لبنان.
وطبيعة المعركة في الضفة ذات طابع بالغ التعقيد للشعب الفلسطيني، بما يستدعي هذا التركيز وبشدة.
لقد أصبح وجود السلطة الفلسطينية عبئا على الشعب الفلسطيني في تلك المعركة. نتنياهو أعلن بوضوح –وقبله المهووسين والأشهر منهم هو سموتريتش وبن غفير- عن نهاية السلطة الفلسطينية، وفق مقولة لا “لفتحستان” أو “لحماسستان” في غزة لكن الخطة الصهيونية تقوم على استمرار هياكلها كساتر لإنفاذ الأهداف. والحديث هنا ليس عن التنسيق الأمني فقط، بل الأخطر هو ما شاهدنا نموذجا منه في الأيام الماضية، إذ أعلنت الأجهزة الصهيونية أن أجهزة الأمن الفلسطينية نقلت لها تقديرات بأن حماس والجهاد ستتمكنان من إطلاق الصواريخ من الضفة. هنا يجري استخدام اسم السلطة لإدامة الانقسام السياسي والشعبي، ويجري استخدام دورها للتمهيد لتصعيد الجرائم الجارية وتحويلها لحرب شامله.
وهناك أوضاع تعيق أعمال المقاومة والمواجهة، الأمر هنا لا يتعلق فقط بالصعوبات الكلية في شأن التسليح، بل أيضا بعدم وجود مساحة جغرافية تمنح عمقا للعمل المقاوم، إذ تمكن الكيان الصهيوني خلال سنوات أوسلو من الفصل بين المدن الفلسطينية، كما أن انتشار المستوطنات والمستوطنين المسلحين يخلق صعوبات إضافية.
في مثل تلك الأوضاع تخوض الضفة والقدس معركتها. والقادم أن السلطات الصهيونية ستتحرك لحسم معركة السيطرة على القدس، ولتكثيف عمليات طرد السكان وهدم منازلهم، وتسريع تمدد الاستيطان بمعدلات غير مسبوقة ليتحول لعملية إحلال شامله للسكان، إذ الاستيطان يجري بالتزامن مع أعمال تدمير شامله للمدن والقرى الفلسطينية، بذات طريقة التدمير الجارية في غزة.
كل الممارسات والاستعدادات الصهيونية تشير إلى أن المعركة ستتحول إلى حرب شامله. أعمال تسليح المستوطنين الجارية ليعيدوا سيرة العصابات الصهيونية الأولى، أحد المؤشرات الدالة على ذلك. وتكثيف انتشار القوات الصهيونية في الضفة وقيام تلك القوات بعمليات اقتحام يومية في المدن الفلسطينية، يجري خلالها اعمال هدم للبنية التحتية أحد المؤشرات على القادم.
الضفة مقبله على مواجهة خطة تدمير وتطهير مثل تلك الجارية في غزة. لكن الأمر سيكون أخطر بحكم طبيعة الظروف الخاصة للشعب وللمقاومة هناك، وهو ما يفرض تكثيف الحشد السياسي والإعلامي على الأقل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى