أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

زعماء الميليشيات يستميتون دفاعًا عن فائق زيدان قاضي التغطية على جرائمهم وإفلاتهم من العقاب

مشروع أمريكي من شأنه معاقبة مسؤولين في أعلى هرم النظام القائم في العراق وتحديدًا رئيس مجلس القضاء الأعلى يثير غضب زعماء الميليشيات الولائية والأحزاب المؤتلفة ضمن الإطار التنسيقي الموالي لإيران بعد تهديده مصالحهم ومكاسبهم السياسية والمادية.

بغداد – الرافدين
أعاد الحراك المتسارع في أروقة الكونغرس الأمريكي نحو تصنيف مجلس القضاء الأعلى في العراق ورئيسه فائق زيدان “كأصول تسيطر عليها إيران” الحديث عن نزاهة القضاء واستقلاليته وعدم خضوعه للأجندات الإيرانية بوصفه صمام الأمان للميليشيات وأحزابها والضامن لإفلاتهم من العقاب.
ورفع هذا الحراك من سقف التصعيد الأمريكي ضد النظام السياسي القائم في العراق إلى مستوى غير مسبوق بعد أن مس السلطة القضائية التي تعد ركنا رئيسا في أنظمة الحكم إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ويعتزم عضو لجنتي القوات المسلحة والعلاقات الخارجية في الكونغرس النائب الجمهوري مايك والتز، تقديم تعديلات على مشروع قانون “المخصصات الخارجية” يصنف فيه مجلس القضاء ورئيسه فائق زيدان “كأدوات تسيطر عليها إيران”.
ووصف النائب الجمهوري زيدان بأنه “في قلب مؤامرة إيران لتحويل العراق إلى دولة عميلة”.
وأشار والتز إلى أن النظام الإيراني “يجب أن يفهم أن الكونغرس الأمريكي لن يسمح للمرشد الأعلى بتحويل العراق إلى دولة تابعة”.
ودعا من يتعاطف مع إيران في العراق مثل فائق زيدان وآخرين أن ينتبهوا إلى هذا الأمر جيدا.
وسبق وأن حث ثلاثة من أعضاء الكونغرس من بينهم مايك والتز الذي يقود الحراك الحالي في الكونغرس الرئيس الأمريكي جو بايدن على بذل كل جهد لتحجيم الدور الذي يلعبه رئيس مجلس القضاء فائق زيدان والعناصر المدعومة من إيران في بغداد.
ووقع الرسالة ممثلو الكونجرس مايك والتز، الجمهوري عن فلوريدا ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، ومايكل ماكول، الجمهوري عن تكساس، وجو ويلسون، الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا.
وفي رسالة أخرى أرسلها والتز في شباط من عام 2023 سأل بايدن “هل حددت وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة ما إذا كان فائق زيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، يستوفي معايير العقوبات على حقوق الإنسان الجسيمة، أو العمل كعميل أجنبي، أو متورط في عمليات الفساد الكبرى”.
من جانبها أكدت وزارة الخارجية في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني “رفضها التام” لتصريحات والتز الأخيرة وما جاء فيها من “مساس بشخص رئيس مجلس القضاء القاضي فائق زيدان وبالحقوق الأساسية للدولة العراقية، والتي يمثل فيها القضاء الضامن الأساسي للحقوق والحريات”.
وقالت في بيانها الذي تجنب الإشارة لإيران إن “محاولة التأثير على السلطة القضائية هو مساس بأهم مقومات كيان الدولة، والذي يقع على عاتقه تحقيق العدالة والمساواة واستقرار البلاد”.
وتأسفت الوزارة من “محاولات إقحام الكونغرس في هكذا قضايا، لكونها تشكل تدخلا في سيادة الدول وأنظمتها القضائية”.
وتؤكد مصادر صحفية، أنه في حال تبني مشروع القرار فإنها ستكون المرة الأولى التي يقدم فيها الكونغرس وإدارة الرئيس جو بايدن على تسمية شخصيات رفيعة في العملية السياسية في العراق ممن تمكّن إيران من السيطرة على الحكومة واستخدام العراق لإشعال الإرهاب على حد وصفها.
وتابعت نقلًا عن مصادرها في الكونغرس أن “التعويل على هذا الإجراء ياتي بوصفه تنبيهاً للحكومة في العراق خصوصًا مع تحوّل البلاد إلى دولة تابعة لإيران”.
ولفتت إلى أن زيدان ومجلس القضاء يمثلان “القوى الرئيسة التي تدفع بمصالح إيران في العراق وتساعد الميليشيات للحصول على موطئ قدم في البلاد”.

يوصف فائق زيدان بأنه صمام أمان لقوى الإطار التنسيقي الذي يضم ميليشيات ولائية وأحزاب طائفية

ويرى مختصون أن مشروع القانون الأمريكي الجديد واحتمالية تمريره سيؤدي إلى منع السلطات الأمريكية المختلفة من التعامل مع رئيس مجلس القضاء فائق زيدان وعموم السلطة القضائية، كما يفسح المجال للدول السائرة في ركب الولايات المتحدة من تجنّب التعامل معه ومع السلطة التي يتحكم فيها.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي أن مشروع القرار الأمريكي إذا ما نفذ سيمثّل “بداية مرحلة استراتيجية جديدة بالنسبة إلى واشنطن إزاء حكومة بغداد”.
وبين الهيتي المقيم في الولايات المتحدة أن ما يجري هو بداية “نزع الشرعية القانونية عن النظام السياسي”.
وأضاف أن مشروع القرار لا يمثل فقط وسيلة ضغط جديدة تتخذها واشنطن إزاء النظام العراقي، بل تتعدى ذلك إلى “شبه إعلان نهاية النظام السياسي في البلاد”.
وشبّه مشروع هذا القانون بـ”القانون الذي أسقط من خلاله نظام الرئيس الأسبق صدام حسين والذي سمي حينها بقانون تحرير العراق”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن تمريره في الكونغرس الأمريكي سيمثل “إعلانًا صريحًا ببداية نهاية نظام ما بعد 2003 وهو تهديد واضح للقوى الموالية لإيران، ومحاولة لدفع حكومة بغداد إلى اتخاذ إجراءات تبعد النفوذ الإيراني”.
وتابع “تزامن مشروع القرار مع تعيين السفيرة الأمريكية الجديدة في بغداد التي تستخدم اللغة العقابية في تعاطيها مع ملف الميليشيات، يعطي انطباعاً بأن صبر واشنطن نفد على النفوذ الإيراني في العراق، خصوصاً أن العراق بات مسيطراً عليه بصورة كبيرة من قبل طهران”.
بدوره، قال الدبلوماسي السابق غازي فيصل، إن مشروع القانون الجديد “يمثّل تطوراً أمريكياً يشترك فيه أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في (الكونغرس) تجاه هيمنة إيران واتساع نفوذها الاقتصادي والسياسي والأمني في العراق”.
وأضاف فيصل، أن “الولايات المتحدة الأمريكية تعد إيران مشروعاً إرهابياً، وتصف نظامها بأنه الراعي الأول للإرهاب في العالم”.
وتابع “ما يحصل اليوم في الكونغرس بشأن تشخيص قيادات سياسية وقضائية وارتباط هذه القيادات الوثيق مع الأجهزة الإيرانية يشكّل اليوم واحداً من القضايا الحساسة بين الإدارة الأمريكية وحكومة بغداد الممثلة لقوى الإطار التنسيقي الشيعية ومن شأن كل ذلك تعقيد العلاقة بين واشنطن وبغداد، وإثارة مزيد من الأزمات الجديدة والمضافة في العلاقات الثنائية”.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي تشير فيها واشنطن إلى ارتباط رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان بإيران، إذ كانت وزارة العدل الأمريكية، ألغت زيارته إلى واشنطن بعدما كانت مقررة عام 2023، على إثر إصداره مذكرة قبض بحق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب على خلفية مقتل قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس.
وقبل الكشف عن إلغاء وزارة العدل الأمريكية دعوتها لفائق زيدان، ندد عدد من الخبراء المتخصصين بالشؤون العراقية باللقاءات المقترحة لموظفي وزارة العدل مع رئيس مجلس القضاء.
وقال ريتشارد غولدبرغ، أحد كبار مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن “يجب على وزارة العدل التركيز على حماية الأمريكيين المستهدفين بمؤامرات الاغتيالات والاختطاف التي يقوم بها الحرس الإيراني، وليس استضافة رجل الحرس الثوري الإيراني في بغداد الذي يريد محاكمة الأمريكيين بتهمة قتل الإرهابيين إذ لا ينبغي السماح لزيدان بدخول أمريكا”.
وقال مايكل نايتس، زميل معهد واشنطن الذي كتب عن زيدان، إن “زيدان أصدر أمراً تلو الآخر يمنع معارضة الميليشيات الإيرانية في العراق”.
وأضاف إنه بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كان سليماني والمهندس أكثر من دفع بفائق زيدان لرئاسة النظام القضائي وكان يدير محاكم مكافحة الإرهاب حتى لا تتم محاكمة أي من أتباع إيران بموجب القانون العراقي.
وأشار إلى افتقار القضاء العراقي إلى المعايير القضائية الحديثة، حيث يعيين زيدان ويقيل قضاة آخرين ويمتلك وحده سلطة على القضاة كسلطة رئيس الحكومة، كما أنه غير منتخب وتم تثبيته من قبل إيران في المنصب إلى زمن مفتوح.
وأكد على انتهاكات زيدان لحقوق الإنسان، وهو ما يتعلق بقضية مواطن أمريكي تم اعتقاله العام الماضي في العراق لأنه كان يحقق في سوء سلوك زيدان.
وقال إن “زيدان خرق العديد من القوانين العراقية باعتقال المواطن الأمريكي الذي تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي وتم سجنه لمدة 11 أسبوعًا قبل أن يساعد الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل في تأمين إطلاق سراحه”.
وطالب نايتس الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات “مطلقة” على فائق زيدان بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
ووصف أحد العملاء الذين عملوا مع قوات الاحتلال الأمريكي بعد عام 2003، فائق زيدان بالشخص الخطير.
وقال إنها “كارثة أن تقوم وزارة العدل بدعوة زيدان لأنه رجل بلا أخلاق وباع نفسه للإيرانيين وينفذ كل ما يطلبه منه الإيرانيون”.

يعد فائق زيدان رجل إيران الأمين داخل المؤسسة القضائية لاسيما بعد موقفه من مقتل سليماني والمهندس بغارة أمريكية

ويبدو أن وضع رئيس أعلى هيئة قضائية في البلاد على رأس لائحة المستهدفين من المشروع الأمريكي ضاعف من منسوب غضب قوى الإطار الذي يضم الأحزاب والميليشيات الولائية في العراق وهو ما دفع الحكومة إلى تحريك أدواتها لشيطنة الجهات المرحبة بالخطوة الأمريكية داخل البلاد.
ففي هذا السياق أعلن مركز محاربة الشائعات الحكومي رصد 50 شخصية ومنظمة وصفهم بأنهم ضمن “اللوبي الأمريكي في مهاجمة القضاء العراقي”.
وذكر المركز في بيان، أن “قسم الرصد والمتابعة التابع له رصد وجود أكثر من 50 منظمة ومركز بحثي ونشطاء بارزين على مواقع التواصل الاجتماعي يكتبون تقارير مضللة او تدوينات وقصص مفبركة تستهدف مجلس القضاء ورئيسه، لصالح جهات سياسية بهدف فسح المجال وتهيئة خلفية للدول الأخرى للنيل منه وللتقليل من شأن واستقلال ومهنية السلطة القضائية”.
وأضاف المركز أن “هذه المنظمات والمراكز والنشطاء يعملون جميعا ضمن لوبيات جهات سياسية، تضررت مصالحها من قرارات القضاء ومهنيته، وقد عملت بشكل مدروس ومنظم لصناعة تقارير واخبار مضللة تمس بسمعة ومهنية القضاء العراقي والتشكيك بعمله لغرض التشكيك بثقة المواطنين والمجتمع الدولي بقرارته، عبر صناعة رأي عام وهمي بالتزامن مع التحرك الأمريكي الأخير”.
واشار المركز إلى انه “في ظل التطور المتواصل في عمل السلطة القضائية ومفاصلها وقطعها شوطا مهما في إثبات استقلاليتها وضربها لعصابات الجريمة والمخدرات وتعزيز مكانتها كصمام أمان للعملية السياسية في العراق والضامن لحقوق وحريات العراقيين، يجب على المواطنين والنخب من المثقفين والاعلاميين التصدي لكل من يستهدف القضاء”.
ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 يتم استخدام القضاء كأداة للانتقام الطائفي وتلفيق التهم للخصوم السياسيين، كما حصل في قرار المحكمة عام 2010 بشأن الكتلة البرلمانية الأكبر، وقرارها بشأن نفط كردستان العراق، وتشكيل الحكومة، وصولًا إلى إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه.
ويجمع مراقبون على أن تلك المحكمة أصبحت جزءًا من أزمة النظام السياسي في العراق، وأسهمت في رسم أو تغيير خارطة المشهد السياسي في البلاد، بإصدارها قرارات وأحكام بما يتناسب مع مصالح القوى الحاكمة.
ويرون أن القضاء في العراق في ظل العملية السياسية القائمة وأحزابها يمتلك تاريخًا طويلًا من المواقف المتناقضة والمثيرة للجدل والشبهات في آن واحد، ما جعله أداة مؤثرة في القرار السياسي في العراق تحكمه قوى سياسية مسلحة لا تنصاع لقوانين الدولة.
وسبق أن تداول عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي لقاءًا سابقًا مع زعيم ميليشيا بدر، هادي العامري أقر فيه بتهديد القضاء للسيطرة على مركز القرار في العراق، وإصدار أحكام بما يتناسب ومصالح أحزابهم في البلاد، دون أن تتم محاسبته أو أن يخضع للمساءلة.
ويمثل مجلس القضاء الأعلى الذي تم تشكيله بموجب قرار الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر بعد الاحتلال، واجهة لتمرير قرارات غير شرعية والتواطؤ مع عمليات فساد كبرى وإفلات الجناة من العقاب، وتفسير فقرات القانون وفق مصالح الأحزاب والميليشيات المتحكمة بالسلطة.
ويعكس مجلس القضاء الأعلى صورة مشوهة للقضاء العراقي لم يمر بها منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث قام بتفسير القرارات وفق مصالح أصحاب النفوذ في الأحزاب الحاكمة.
ومع أن ديباجة مجلس القضاء تؤكد على استقلاله، إلا أن هذا الكلام لا يمثل إلا نفسه على الورق فمجلس القضاء الأعلى مجرد أداة قانونية لتمرير قرارات غير عادلة بحق العراقيين وتسويغ عمليات فساد كبرى في الاستيلاء على ثروة البلد منذ عام 2003، وإطلاق جناة ثبت بالدليل دورهم في تصفية وقتل العراقيين على الهوية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى