أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

النازحون في العراق يدفعون أعمارهم ثمنًا لمصالح قوى سياسية

حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تخشى إغضاب الميليشيات المستحوذة على مناطق وبيوت النازحين، لتسهيل عودتهم.

بغداد – الرافدين
تدفع قوى سياسية وميليشيات متنفذة مسيطرة على مناطق النازحين في مدن عراقية، لتحويل ملف عودتهم كصفقة مالية لا توقع عليها قبل أن تضمن حصتها على حساب كرامتهم وحقوقهم الإنسانية بعد أن شردوا من ديارهم.
ولا يزال نحو نصف مليون نازح عراقي ممنوعين من العودة إلى مدنهم بقرار من ميليشيات مسلحة تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر شمالي بابل التي تسيطر عليها منذ نهاية عام 2014 ميليشيات “كتائب حزب الله” و”النجباء” و”عصائب أهل الحق” و”جند الإمام”، وقضاء سنجار الذي تسيطر عليه ميليشيا الـ “بي كا كا” المصنفة إرهابيًا.
وتمنع هذه الميليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة، وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات بمحافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.

سروة عبد الواحد: إلى متى يتم استخدام ملف النازحين كورقة سياسية وانتخابية؟

وأبدت النائبة في البرلمان الحالي سروة عبد الواحد استغرابها من الصمت حول منع عودة النازحين، رغم وجود رغبة من المواطن النازح بالعودة.
‏وتساءلت “إلى متى يتم استخدام ملف النازحين كورقة سياسية وانتخابية؟” داعية “الحكومة إلى تشكيل لجنة فاعلة تتكوَّن من اللجنة النيابية المختصة والمنظمات الدولية والمحلية الداعمة لحقوق الإنسان، ليكون للنازح الخيار حول عودته من عدمها”.
ومنذ 10 أعوام يشهد ملف النازحين تجاذبًا سياسيًا بين جهات عدة بينما تتصارع الميليشيات المسيطرة على مناطقهم والقوى السياسية التي تزعم أنها تدافع عنهم في حين تقف حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عاجزة عن تحريك الملف بالرغم من الوعود الكثيرة بشأن اغلاق ملف النازحين.
وتخشى حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السوداني، من إغضاب الميليشيات المستحوذة على مناطق وبيوت النازحين في سنجار وجرف الصخر وغيرها من المناطق التي تشهد نفوذًا تامًا للميليشيات وتحظى بدعم وكلاء إيران.
ويعيش أهل هذه المناطق حالة نزوح دائم بين عجزهم على العودة إلى ديارهم المهدمة فضلًا عن صعوبة تعميرها، وبين ضغط وزارة الهجرة والمهجرين المتزايد لإغلاق المخيمات، من دون توفير بديل لهم، ليتحول النازحون إلى ضحية مستمرة منذ أكثر من عشرة سنوات.
وكانت السفيرة الأمريكية في بغداد، آلينا رومانوسكي، قد طالبت حكومة السوداني تقديم إجابات واضحة بشأن ما تم توفيره من ضمانات لعودة النازحين لمناطقهم من حيث البيئة الآمنة والصالحة للعيش الكريم.
وأكدت، رومانوسكي، على أن إعادة النازحين في ظل غياب الأمن في مدنهم تشكل خطورة على المواطنين العائدين، داعية الحكومة إلى التفكير بعمق قبل اتخاذ هذه الخطوة الخطرة والشروع بإغلاق المخيمات.
من جهتها قالت النائبة في البرلمان الحالي، فيان دخيل، إن المناطق التي يراد أن يعاد إليها النازحون غير آمنة وغير مستقرة وتفتقر إلى البنية التحتية الأساسية في مجالات التربية والصحة.
وكانت وزارة الهجرة والمهجرين قد أعطت النازحين ثلاثة خيارات أولها، العودة إلى مناطقهم، أو الاستقرار في المكان الذي يعيشون فيه حاليًا كنازحين، أو الانتقال إلى محافظة أخرى وعندها سيتم اعتبارهم عائدين.
ومثّل تصريح المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، علي عباس، بشأن الخيارات أمام بقاء النازحين في معسكراتهم وعودتهم العشوائية إلى مناطقهم أو أي مدينة أخرى من دون أي ضمانات حكومية، الارتباك الذي تعاني منه الوزارة في معالجة ملف النازحين.
وتتساءل منظمات مدنية معنية بأحوال النازحين، كيف للوزارة أن تحدد موعدًا لإغلاق معسكرات النزوح وفي الوقت نفسه تعرض عليهم خيار البقاء فيها.
ويرفض النازحون قرار إغلاق المخيمات وإعادتهم قسرًا إلى مناطقهم بسبب عدم توفر الخدمات والعمل فضلًا عن افتقارهم إلى مكان يعيشون فيه داخل مناطقهم الأصلية بعد تدمير منازلهم أو الاستحواذ عليها من ميليشيات الحشد.
وسبق أن حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أنّ خطط إغلاق مخيّمات النازحين في كردستان العراق بحلول نهاية شهر تموز الحالي ستهدد حقوق الكثير من سكان المخيمات، أهالي منطقة سنجار الشمالية.
وقالت الباحثة في هيومن رايتس ووتش عن العراق، سارة صنبر: إن “العديد من السنجاريين يعيشون في المخيمات منذ 2014، ويستحقون العودة إلى ديارهم، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة وطوعيّة، ونظرًا إلى نقص الخدمات والبنية التحتية والأمان في المنطقة، فإنّ الحكومة تخاطر بمفاقمة الوضع السيئ أصلًا”.
وما يزال قضاء سنجار غير آمن ويفتقر إلى الخدمات الاجتماعية اللازمة لضمان الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لآلاف النازحين الذين قد يضطرون إلى العودة قريبًا.
ووفقًا لوزارة الداخلية في حكومة كردستان العراق، تستضيف المخيمات الـ23 المنتشرة حاليًا في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية حوالي 157 ألف شخص، الكثير منهم من سنجار.
وعن أحوال النازحين في المخيمات تقول أم ناصر -نازحة من سنجار “لقد أضعنا عشر سنوات من أعمارنا وما زلنا في مخيمات النزوح، وكان لدينا أمل خلال السنوات الأولى من النزوح بالعودة إلى منازلنا لكن الحكومة العراقية لم تستجب لأي مطلب من مطالبنا لذلك ضاعت آمالنا”.

إيناس زايد: لم يكن في أي مرحلة من المراحل أي دعم حكومي للنازحين في العراق أو حتى الاهتمام بهم

وتعاني آلاف العائلات في هذا المخيم ومخيمات أخرى في محافظة دهوك من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي وعدم استقراره ما يزيد من قلقهم الشديد على أطفالهم من احتمالية حدوث الحرائق التي تنشب في المخيمات بين الفينة والأخرى فلا يهنئون بنومهم في الليل ولا شيء يخفف عليهم حرارة الشمس في النهار.
ولم يتغير حال عائلة محمود شنكالي التي تعيش في مخيم إيسان بمحافظة دهوك حتى بعد أن بنى غرفة بجانب خيمته المتهالكة فسقفها الحديدي لا يقيه حرارة الصيف اللاهب والتي تصل إلى نصف درجة الغليان.
وقال رب العائلة محمود شنكالي النازح من سنجار”نعاني كثيرًا من انقطاع التيار الكهربائي في ظل ارتفاع درجات الحرارة فإذا انقطعت الكهرباء دقيقتين تشعر وكأنك في فرن لاهب”.
وتوثق يُسرى ابنة شنكالي بفرشاتها رحلة معاناتها وأسرتها في النزوح في لوحة معبرة تستعرض فيها ما مر بهم قبل عشرة أعوام خلال قضائها وقتًا لممارسة هواياتها في الرسم وسط هذه المعاناة لسكان مخيمات النزوح.
وبسبب التجاذبات بين القوى السياسية في العراق تزداد معاناة النازحين فلا هم يحصلون على دعم حكومي في المخيمات، ولا هم مطمئنون من الوعود الحكومية بشأن عودتهم إلى ديارهم.
ويعاني النازحون من مناطق العويسات وجرف الصخر في مخيم بزيبز بمحافظة الأنبار للعام العاشر على التوالي من نقص الاحتياجات الأساسية، فيما تستمر وزارة الهجرة والمهجرين بإهمالها سكان المخيم رغم المناشدات الكثيرة، في مسعى حكومي طائفي متعمد لسلب الكرامة وإذلال أطفال ونساء وشيوخ في بلدهم.
وتفتقر المخيمات إلى مستلزمات الحياة الأساسية إذ يعاني النازحون في الحصول على مياه صالحة للشرب إضافة لانقطاع التيار الكهربائي لأيام متواصلة.
وقالت الناشطة الحقوقية إيناس زايد: “لم يكن في أي مرحلة من المراحل أي دعم حكومي للنازحين في العراق أو حتى الاهتمام بهم على الرغم من المناشدات الكثيرة على الرغم من المناشدات والمطالبات الحقوقية في ظل تردي الأوضاع في المخيمات وسوء التغذية والأمراض المتفشية وغير ذلك من المآسي الإنسانية، وكنا نطلب تدخل الحكومة لإيجاد حل للنازحين وإعادتهم لمناطقهم بعد تأهيلها”.
وأضافت إيناس في تصريح لقناة “الرافدين”، “نستغرب كحقوقيين ومتابعين للشأن العراقي هذه الخطوة من الحكومة من غير أن تطلع في مسؤوليتها الأساسية بإعادة إعمار وإحياء المناطق التي خرج منها النازحون، فعندما يطلب من النازحين مغادرة المخيمات أين سيذهبون، فلا بد من وجود مناطق مؤهلة ومهيئة”.
وأكدت على أن العودة يجب أن تكون طوعية ولا يوجد في القانون الدولي ما تستند إليه حكومة السوداني لتعلن الثلاثين من حزيران آخر موعد لإغلاق المخيمات، وهذا يعتبر من قبيل التهجير القسري.
وبينت أن بعض المناطق لا تلقى اهتمامًا من الحكومة لإعادة أهلها إليها مثل منطقة جرف الصخر وهناك نوع من التغيير الديموغرافي الحاصل من خلال إهمال إعادة النازحين إلى مناطق معينة.

إغلاق المخيمات تهديد لحياة النازحين
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى