أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

حكومة السوداني تصل بالعراق إلى ذروة الترهل الوظيفي والبطالة المقنعة

خبراء في مجال الاقتصاد يحملون الحكومات المتعاقبة مخاطر الترهل الوظيفي في البلاد بسبب استخدام ملف التعيينات لأغراض سياسية وحزبية بعيدًا عن التخطيط المسبق أو معرفة الحاجة الفعلية والحقيقية للمؤسسات الحكومية.

بغداد ــ الرافدين
حذرت منظمات اقتصادية متخصصة من المخاطر الكبيرة التي قد تشهدها البلاد على صعيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي وضعف الإنتاجية في آن واحد، نتيجة الترهل الوظيفي والإهمال الذي تشهده الكثير من الدوائر والمؤسسات الحكومية.
وتتصاعد المخاوف والتحذيرات حول إمكانية تأمين رواتب جيوش الموظفين في السنوات القادمة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وأصبحت تداعيات الترهل الوظيفي وضعف أداء الموظفين من أبرز المشاكل في العراق، حيث تسود معظم الدوائر الحكومية حالات الإهمال والفساد والمحسوبيات وتعمد تأخير المراجعين وإذلالهم.
ويعرف مختصون مفهوم الترهل الوظيفي بأنه تراجع الفاعلية في العمل ونقص الكفاءة من قبل الموظف أو صاحب العمل وعدم مبالاته بأداء واجباته على الوجه الصحيح وعدم تنفيذه لمهامه، مما يؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف المطلوبة وتراجع الفعالية سواء على الفرد نفسه أو على مجموعة من الأفراد.
وأضاف المختصون أن الترهل الوظيفي يقود إلى إهدار الموارد البشرية والمالية في أنشطة غير مهمة وفي غير مكانها المناسب، ويتسبب أيضًا بتدهور جودة الخدمة التي يجب أن تقدم من قبل الموظفين فيؤدي ذلك حتما إلى سخط البيئة المحيطة أو المتلقي الفرد أو المواطن، كما يحدث ذلك للمواطنين العراقيين الذين فقدوا ثقتهم في الدوائر والمؤسسات الحكومية والجهات المختصة المسؤولة عنهم.
وتعاني المؤسسات الحكومية بعد عام 2003 من ترهل وظيفي يعرقل عمليات الإنتاج في الغالب ويسبب إرهاقًا لخزينتها، من دون تحقيق مردودات مالية تكفي على أقل تقدير لتأمين رواتب العاملين فيها، في بلد ما زال لغاية الآن يعتمد على العائدات النفطية بنسبة لا تقل عن 90 بالمائة لرفد موازناته السنوية بالأموال، في حين لا تحقق مؤسساته الحكومية الصناعية والتجارية والمالية عائدات مالية بإمكانها منافسة النفط.
وحذرت تقارير ودراسات اقتصادية من النهج المتبع من قبل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني للتغطية على سوء إدارتها لملف التعيينات الذي يثير القلق خاصة مع الارتفاع الكبير في أعداد موظفي العراق قياسًا بحجم سكانه.
وشددت على أهمية إعادة النظر في آلية التعيينات الحكومية وأن تعمل الجهات المعنية على إحياء القطاع الخاص وتوفير فرص عمل أكبر قياسًا بالقطاع العام.
وبينت دراسة أجرتها كلية اقتصاديات الأعمال في جامعة النهرين، أن إنتاجية الموظف في العراق لا تتجاوز الـ17 دقيقة يوميًا، مؤكدة حاجة العراق إلى قانون لتنظيم العطل الرسمية التي تتسبب بهدر الوقت وتحول دون الإنتاج والتطور.
وسبق أن كشف تقرير نشرته مؤسسة “عراق المستقبل” المعنية بالشؤون الاقتصادية، عن أن العراق يعد البلد الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة بالاعتماد على دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية وبيانات المؤسسة.
وأشار التقرير إلى أن نسبة العاملين في القطاع الحكومي بالعراق بلغت 37 بالمائة بين مجموعة دول شملتها الدراسة، إذ يعتبر القطاع الحكومي الأكثر ضغطًا على الموازنة العامة للدولة التي تذهب بمجملها كرواتب للموظفين، دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية نتيجة عدم خلق بيئة استثمارية تساهم في تشجيع القطاع الخاص وتوفير فرص عمل من خلاله، الأمر الذي يزيد من الضغط على القطاع العام.
وتتعمد الحكومات المتعاقبة خلال العقدين الماضيين تأجيل النظر إلى مشكلات التنمية البشرية في القطاع الخاص، ولجأت إلى حركة توظيف في القطاع العام لتصبح الوظيفة الحكومية حلم الشاب وغايته، ولتتراكم هذه المشكلات وتتضافر حتى باتت عبئًا ثقيلًا على الموازنات المتتابعة.
وباتت ظاهرة الترهل الوظيفي بعد 2003 السمة الواضحة على جميع المفاصل الحكومية، بما فيها الدرجات الخاصة وما تحتاجه من حمايات وأمور لوجستية نزولًا الى دوائر الوزارات وذلك بسبب كثرة التعيينات لأسباب متعددة من دون خطط مدروسة، ما أثر بشكل سلبي على الأداء الوظيفي وتحميل الدولة نفقات هي في غنى عنها، وكان بالإمكان توجيهها الى مجالات أخرى.
وقال الخبير الاقتصادي إياد العكيلي، إن الحكومات المتعاقبة عملت على تعيين ملايين الموظفين في مختلف المؤسسات الحكومية والقطاعات المختلفة، لأسباب عدة أغلبها سياسية دون أي تخطيط مسبق أو معرفة الحاجة الفعلية والحقيقية لتلك المؤسسات، حتى أصبحت تعج بآلاف الموظفين العاطلين عن العمل للأسف الشديد والذين كان من الممكن الاستفادة منهم بشكل أفضل في قطاعات مهمة أخرى كالقطاع الخاص الذي كان يجب تطويره والاهتمام به وشموله بالضمان الاجتماعي.
وبين أن الترهل في مؤسسات الدولة أعقبه كنتيجة طبيعية ترهل في الموازنة العامة التي أصبحت تستنزف كالبقرة الحلوب من دون إنتاج فعلي وحقيقي.

المراجعة في الدوائر الحكومية أصبحت معاناة للعراقيين بسبب الروتين المتبع

وأقر مسؤولون حكوميون بأخطار الترهل الوظيفي وعدم وجود قاعدة بيانات صحيحة لجميع موظفي العراق، بالإضافة إلى وجود مزدوجي الرواتب التي ينبغي تصفية قوائمهم على الفور، فضلًا عن مشكلات اقتصادية إلى جانب مشكلات اجتماعية سوف تجتاح العراق في الأيام القادمة.
وقال النائب ثائر الجبوري، إن التعيينات الهائلة التي منحت خلال السنوات السابقة تسببت بانهيار التنمية الاقتصادية في العراق، لافتًا إلى خلو موازنة 2024 من الدرجات الوظيفية.
وأضاف أن أغلب الوزارات والدوائر الفرعية تعج اليوم بعدد هائل من الموظفين قد لا يكفي حتى لجلوسهم معًا.
وبين أن رؤساء الحكومات المتعاقبين أرادوا إرضاء المجتمع بالدرجات الوظيفية الكبيرة التي منحت الآن وسابقًا، ما أدى إلى انهيار البنى التحتية والتنمية الاقتصادية بسبب التعيينات التي كانت غير مدروسة، معتبرًا أن التعيينات آفة ضد الاقتصاد ارتكبتها الحكومات المتعاقبة، حتى أصبحت الوزارات تعاني من التخمة.
ومن جانبه أكد عضو اللجنة القانونية النيابية النائب سالم العنبكي، وصول العراق الى ذروة الترهل الوظيفي ما يهدد خزينة الحكومة التي تعتمد بنسبة 93 بالمائة من إيراداتها على بيع النفط الخام.
وقال العنبكي إن التعيين دون تخطيط مسبق له تبعات سلبية على أداء المؤسسات التي وصلت الى ذروة الترهل في ظل أعداد كبيرة تفوق القدرة على استيعابها، يرافقها فروقات كبيرة بالحقوق المالية بين وزارة وأخرى رغم تكافئ الخبرة والشهادة وسنوات الخدمة والاختصاص.
وأضاف أن بقاء التعيينات الحكومية دون ضوابط مع ارتفاع فاتورة الأجور سيجعل الدولة في موقف صعب بعد سنوات.
وتتجسد في معظم المؤسسات الحكومية مشاهد متكررة من الرواتين والتسويف في إنجاز المعاملات بسبب أعداد الموظفين الكثيرة حيث إن بعض الموظفين لا يجدون مكانًا يجلسون فيه وآخرون يتناوبون على الجلوس.
وسبق أن حذرت منظمة العمل الدولية من استمرار معاناة العراقيين عند المراجعة في الدوائر الحكومية على الرغم من تسجيل العراق الأكثر نسبة بعدد الموظفين الحكوميين في العالم من دون أن يخفف ذلك من معاناة المراجعين.
وأكد مواطنون عراقيون أن إنجاز أي معاملة في دوائر الدولة يحتاج إلى عدة أيام والانتقال من مكان لآخر في ظل سوء تعامل بعض الموظفين مع المراجعين وتعمدهم في عرقلة المعاملة من خلال طلب الكثير من الأوراق الثبوتية غير اللازمة.
واجمعوا على أن المراجعة في الدوائر الحكومية أصبحت معاناة للعراقيين بسبب الروتين المتبع في أغلب الدوائر، فضلًا عن إنفاق مبالغ مالية مضاعفة من رسوم واستنساخات، ووقوف المراجعين بينهم كبار السن ومرضى وأطفال رضع لساعات طويلة في طوابير الانتظار بحالات الطقس القاسية دون أي مبالاة من قبل الموظفين والإدارة، في مشهد يعكس سوء التنظيم والإدارة داخل المؤسسات الحكومية.
ووفقًا لقانون الموازنات العامة الاتحادية للسنوات 2023، و2024، و2025، يبلغ عدد الموظفين في العراق أربعة ملايين و74 ألفًا و697 موظفًا وموظفة، وحدد القانون نفسه عدد موظفي كردستان العراق 658 ألفًا و189 موظفًا وموظفة.
ويرى خبراء في مجال الاقتصاد أن التوسعة في أعداد الموظفين هي لأغراض سياسية وليست اقتصادية، إذ لم تقابلها توسعة في الطاقات الإنتاجية والخدمية في القطاع العام والإدارات الحكومية.
وأشار الخبراء إلى ضرورة أن يكون هناك انتقال تدريجي من الاقتصاد الريعي إلى تشغيل المصانع والمعامل في القطاعين الحكومي والخاص، لافتين إلى وجود عدة مقترحات بشأن توظيف الخريجين للحد من الإنفاق الكبير والبطالة المقنعة في القطاع العام، ومنها الاهتمام بحاضنات الإعمال وتوفير الدعم المادي الذي سيقلل من التوظيف الحكومي.
وأجمع الخبراء على أن الترهل الوظيفي هو بطالة مقنعة تحدث أضرارًا بمؤسسات الدولة، كما أن هناك صعوبة في تنقل الموظفين بين الوزارات بسبب سلم الرواتب الذي يختلف من وزارة إلى أخرى.
وحذروا من أن استمرار نهج الترهل الوظيفي الذي يعرقل العمل الاقتصادي ويثقل كاهل الدولة ويستنزف مواردها.

إياد العكيلي: الحكومات المتعاقبة عملت على تعيين ملايين الموظفين في مختلف المؤسسات الحكومية والقطاعات المختلفة، لأسباب عدة أغلبها سياسية دون أي تخطيط مسبق

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى