السفير الإيراني يحسم الجدل: لا انتخابات مبكرة في العراق
رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يحاول كبح جماح النفوذ المتصاعد لمحمد شياع السوداني ومن يدعمه داخل الإطار التنسيقي عبر الدعوة لانتخابات مبكرة قبل أن تصطدم محاولاته برفض إيراني لمثل هذه التوجهات.
بغداد – الرافدين
حسمت تصريحات السفير الإيراني في العراق محمد كاظم آل صادق، المتعلقة بالانتخابات المبكرة الجدل القائم بعد دعوة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لها الشهر الماضي وقطعت الطريق أمامه لاعتبارات سياسية تتعلق بثقل مركز القرار الذي يمثله السفير الإيراني على حكومة الإطار التنسيقي.
ويرى مراقبون أن تصريحات آل صادق تعبر عن رغبة إيرانية ببقاء الحال على ما هو عليه في ظل انصياع الأحزاب السياسية للقرار الصادر من طهران بخلاف ما تحاول بعض الأطراف الإيحاء بصدوره من المنطقة الخضراء في بغداد.
وقال آل صادق، في تصريح مقتضب إننا “لا نعرف مبررات دعوة السيد المالكي لإجراء انتخابات مبكرة، لكن نأمل ان تجرى في موعدها المقرر دستوريًا” في إشارة إلى إجراء الانتخابات بعد مضي أربع سنوات على تشكيل الحكومة والبرلمان الحالي.
وجاء تصريح السفير الإيراني، ردًا على دعوات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، التي أكد فيها على أنّ “حكومة السوداني ملزمة بإجراء الانتخابات المبكرة نهاية 2024 كما جاء ضمن برنامجها الانتخابي”، مشددًا على “ضرورة منع المسؤولين الحكوميين من المشاركة فيها إلا في حال استقالتهم من مناصبهم”.
وعززت تصريحات السفير الإيراني وتدخله في موعد الانتخابات التي يفترض أن تكون شأنًا عراقيًا سياديًا، من فرضية امتلاك السفير سلطة مندوب سامي على العراق.
ويرى المحلل السياسي باسم الحمداني، أن “المعروف وغير الخفي أن مفاتيح العملية السياسية في العراق هي بيد طهران، فهي من تقرر عن الساسة العراقيين القرارات المصيرية خصوصًا الانتخابات واختيار رئيس الحكومة وغيرهما”.
وقال “لذا فإن أرادت إيران انتخابات مبكرة فستكون، وإن لم ترغب بذلك لن يقدر أحد على إجرائها”.
وأضاف الحمداني أن “المالكي بات يخوض صراعًا معلنًا مع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، نظرًا لطموح الأخير غير الخفي لتولي رئاسة الحكومة لدورة ثانية؛ ما دفع المالكي للبحث عن بديل قوي يمكن أن يعوضه عن مقاعد النواب والسياسيين الذين باتوا تحت جناح السوداني”.
وبين أن “المالكي لم يجد سوى مقتدى الصدر لمغازلته بهذه التصريحات ومحاولة التقرب منه عبر الوساطات السرية والعلنية”.
وخلص بالقول إن المالكي يلعب على وتر رغبة الصدر في العودة للعملية السياسية بعد انسحابه منذ أكثر من عامين، والتي لا يمكن أن تتم إلا بدخول التيار الصدري قبة البرلمان مرة أخرى، وهذ لا يحدث إلا بانتخابات مبكرة.
ولطالما حسمت طهران القرار بشأن مرشحي رئاسة الوزراء وحتى رئاسة البرلمان، في كل مرة يتم فيها تعثر تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال.
وحرصت طهران طوال 21 عامًا على إرسال مندوب لها، وكان يقوم بهذه المهمة على نحو دائم القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني قبيل مقتله بضربة جوية أمريكية في العاصمة بغداد قبل أن يتولى إسماعيل قاآني المهمة لاحقًا ما ضمن لطهران تحريك خيوط اللعبة وهيمنة كاملة في رسم الخطوط العريضة للسياسة الداخلية في العراق.
وقال الكاتب السياسي ليث الشمري إن “المالكي وغيره من قيادات الإطار التنسيقي يعلمون جيدًا عدم مقدرتهم على مخالفة توجهات إيران فيما يخص السياسية الداخلية في العراق”.
وأضاف أن “طهران حسمت أمرها بشأن دعوات المالكي للانتخابات المبكرة، كما أن تصريح السفير الإيراني بمثابة رسائل مباشرة للمالكي بأن طهران لن ترضى بتلك الخطوة”.
وكشفت تصريحات السفير الإيراني إلى جانب تغول القرار الإيراني عن شرخ كبير داخل الإطار التنسيقي الذي يضم أحزابًا طائفية وميليشيات تدين بالولاء لإيران في ظل حالة عدم التصالح بين قياداته، إذ غاب المالكي عن الاجتماعات الأخيرة لائتلاف إدارة الدولة.
وتعود الخلافات إلى رفض مقترح المالكي لإجراء انتخابات مبكرة، في محاولة للضغط على السوداني والعودة إلى رئاسة الحكومة.
وتبدو بوابة الدخول للانتخابات المبكرة أو عرقلة حصول السوداني على ولاية ثانية هي بإجراء تعديل على قانون الانتخابات وفق ما يدفع إليه المالكي.
ويؤكد الدبلوماسي السابق غازي فيصل، أن “الخلافات أصبحت واضحة جدًا ما بين زعماء الإطار التنسيقي، وكذلك ما بين تلك القيادات ورئيس الوزراء، خاصة بعد مشاكل تشكيل حكومة ديالى بسبب الخلافات ما بين ائتلاف دولة القانون وبدر، وكذلك ما بين بدر والعصائب، وكلها أثرت على الأجواء داخل الإطار”.
وأضاف أن “الجميع يعرف أن الإطار التنسيقي تماسك وتوحد خلال الفترة الماضية من أجل منع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من تشكيل حكومة الأغلبية، وهذا السبب بعد زواله، أصبحت الخلافات واضحة داخل الإطار نفسه، حتى بقضية ملف التواجد الأمريكي هناك اختلاف واضح في مواقف أطراف الإطار التنسيقي السياسية والمسلحة”.
وسبق أن خلت البيانات التي يصدرها الإطار التنسيقي عقب كل اجتماع له عن الإشارة للانتخابات المبكرة التي صوّت البرلمان عليها ضمن بنود البرنامج الحكومي للسوداني.
وكان المالكي أول زعماء الإطار التنسيقي ممن لم يضمروا موقفهم من الانتخابات المبكرة، مع إشارته إلى أن “العراق لم يعد بحاجة إليها”.
وقال في تناقض مكشوف مع دعوته الأخيرة “لا حاجة للانتخابات المبكرة بالوقت الحالي لأن الوضع السياسي سليم ولا يعاني من انسداد، والحكومة تقوم بعملها بصورة طبيعية وتنفذ برنامجها الذي وعدت به، فضلًا عن أن المشاركة في الانتخابات السابقة كانت أقل من المطلوب وربما أقل من النسبة المعتمدة دوليًا، وربما كانت أقل من 20 في المائة وهذه كانت نكبة”.
ويهدف المالكي من وراء مطالبته بإجراء انتخابات مبكرة بعد أن كان رافضًا لها في الفترة الماضية في التعجيل بتفكيك الإطار التنسيقي الذي يمثل المظلّة السياسية للحكومة، وذلك بعد أن تحوّل الإطار الذي وقف المالكي نفسه وراء فكرة إنشائه، إلى منصة لصعود جهات منافسة لرئيس الوزراء الأسبق على السلطة والنفوذ.
وتكشف تفاصيل مقترح المالكي بشأن الانتخابات المبكرة بوضوح نيته تفكيك دوائر النفوذ المنافسة له والتي نشأت في ظل حكومة السوداني، ومنع شخصيات بعينها من ضمنها زعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي الذي بات يدعم محمد شياع السوداني لتثبيت أقدامه في السلطة فضلًا عن محاولته إعادة تقديم نفسه كبديل فاعل لرئاسة الحكومة المقبلة على الرغم من الفشل والفساد السياسي والطائفي الذي عاشه العراق خلال دورتين من حكومته.
ويرى الخزعلي أن حكومة السوداني دون التيار الصدري فرصة لا مثيل لها، والمالكي كذلك يرى ذلك، ولكن كليهما يريدان أن يكون السوداني منصاعًا لمطالبهما ومصالحهما السياسية والمالية.
ويذهب أغلب العارفين بشخصية المالكي وقدرته على نسج التحالفات المصلحية الظرفية المضادة للمنطق في أحيان كثيرة إلى توقّع إمكانية دخوله في تحالف سياسي مع غريمه القديم لمواجهة توسّع نفوذ الخزعلي، وذلك على أساس العداوة المستحكمة بين زعيم ميليشيا العصائب وزعيم التيار الصدري والتي تعود إلى زمن إنشاء الميليشيا المنشقة عن جيش المهدي.