السفير البريطاني يشكر السيستاني ويبرئ مرجعية النجف من الفشل والفساد السياسي
استفاد المحتل الأمريكي والبريطاني من فتاوى السيستاني الخاصة بتهدئة الشارع ضد مقاومة الاحتلال، في الوقت الذي وسعت فيه المرجعية من نفوذها الذي جلب لها إيرادات مالية ما كان من الممكن أن تحصل عليها لو أنها اكتفت بدورها الديني.
بغداد- الرافدين
برأ السفير البريطاني في العراق ستيفن تشارلز هيتشن مرجعية النجف مما حصل للعراق من فشل وفساد سياسي ونهب لثرواته منذ احتلاله عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقدم هيتشن الذي يصفه العراقيون بـ”المرشد السياسي للأطعمة والمقاهي”، شكره لزعيم المرجعية علي السيستاني، في أول زيارة له لمدينة النجف بعد أن تجول في عدة مدن عراقية.
وفي الوقت الذي حذر فيه السفير من أن العراق مقبل على معضلة اقتصادية مع توقع انخفاض أسعار النفط اعترف بارتكاب بلاده مع الولايات المتحدة أخطاءً فادحة في احتلال العراق، قائلا “لا نريد أن نكرر التجربة العسكرية والأمريكان يشاطروننا الرأي في هذا الصدد”.
ويتساءل معلقون عراقيون عن السبب الذي يدفع السفير البريطاني إلى شكر السيستاني، في محاولة لتبرأة مرجعية النجف مما حصل للعراق منذ احتلاله عام 2003.
وكانت مرجعية النجف مسؤولة عن تثبيت أسس النظام الطائفي الذي كان واجهة للفساد الذي شهده العراق في سنوات ما بعد الاحتلال. ولم تعلن انحيازها للشعب الذي يرفض ذلك النظام.
وفي مقابل تزكية المرجعية للسياسيين الفاسدين في مناصبهم، فإن المرجعية كانت تنال حصتها من ثروات العراق المنهوبة، من غير أن تتعرض لأي نوع من المساءلة.

كرم نعمة: العراقيون لا ينتظرون من السفير البريطاني عرض أطعمتهم، بقدر أن يكون له دور في تخفيف معاناة المهجرين من بيوتهم ومساعدة الصغار في إيجاد مدارس لائقة بهم
فالسيستاني إن لم يكن فاسدا ويعيش حياة متقشفة ومعزولة فإنه واجهة لمؤسسة فساد يديرها ابنه محمد رضا وممثلو المرجعية الذين يصفون بأكبر رجال الاعمال في العراق ويديرون دولة موازية داخل الدولة. وهو ما صار العراقيون على اطلاع عليه.
ولم يرسل السفير هيتشن أي رسالة أمل للعراقيين الذي يعانون من وطأة ظروف حياتية واقتصادية تفتقر للكرامة الإنسانية، بينما كانت بريطانيا مع الولايات المتحدة السبب الرئيسي فيها عند احتلال العراق منذ عام 2003 والدفع بحكومات فاشلة وتسهيل استحواذ ميليشيات ولائية على السلطة في البلاد.
ويدرك السفير البريطاني أنه منذ اليوم الأول للاحتلال الأمريكي للعراق وُضعت مرجعية النجف من قبل المحتلين في مكان هو ليس مكانها الطبيعي.
وارتأت واشنطن بدعم من لندن التي زارها السيستاني في صيف 2004 للعلاج أن تمارس المرجعية دورا يبدو كما لو أنه سياسي غير أنه في الواقع كان دورا خدميا يقع في خدمتهم.
ويصف مراقبون سياسيون هذا الدور بـ “نوع من الخديعة المتبادلة، التي تم التفافهم عليها بشكل غير مباشر”.
واستفاد المحتل الأمريكي من فتاوى المرجعية الخاصة بتهدئة الشارع المطالب بمقاومة الاحتلال، فإن المرجعية وسعت في الوقت نفسه من نفوذها، الذي جلب لها إيرادات مالية ما كان من الممكن أن تحصل عليها لو أنها اكتفت بدورها الديني.
وقال الكاتب العراقي فاروق يوسف إن المحتلين أوهموا الجميع أن السيستاني هو رجل الحل. وهي خديعة اكتشف الشعب العراقي أنه وقع في حبائلها زمنا طويلا”.
وأوضح “ذلك ما حدث من خلال علاقة المرجعية فيما بعد بالطبقة السياسية الحاكمة. ففي مقابل تزكية المرجعية للسياسيين الفاسدين في مناصبهم، فإن المرجعية كانت تنال حصتها من ثروات العراق المنهوبة، من غير أن تتعرض لأي نوع من المساءلة، ذلك لأنها وضعت فوق الشبهات”.
وتتدخل مرجعية السيستاني التي تتمتع بثرائها الفاحش حين تشعر أن هناك ما يهدد سلطة الطبقة السياسية. وهو أمر صار مفضوحا بالنسبة إلى عامة الشعب، وبدا الكثيرون وبالأخص الشباب يُظهرون تململهم من الدور المريب الذي تلعبه المرجعية.
جدير بالذكر أن السفير البريطاني ستيفن تشارلز هيتشن الذي صار موضع تهكم شعبي بما يقوم به من أدوار تفتقر إلى الشروط الدبلوماسية، فضلا عن كونها لا تقدم خدمة للعراقيين ولا تساعدهم في حياتهم التي تزداد صعوبة، كان يشغل منصب مدير إدارة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، ومسؤولا على ملف الإرهاب في العراق وإيران والكويت في وزارة الخارجية البريطانية.
وشغل هيتشن منصب مدير الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وزارة الخارجية، ثم عمل كمستشار للشؤون الإقليمية في العاصمة الأردنية عمان.
ودخل دورة في وزارة الدفاع البريطانية لمدة عامين في تعلم اللغة العربية وصار يتقنها بالحديث بطريقة جيدة.

وطالما أثار السفير البريطاني، استهجان العراقيين عندما قدم نفسه أكثر من مرة أشبه بمراسل سياحي للأماكن والأطعمة العراقية. وقدم نفسه كممثل كوميدي في برنامج تلفزيوني ساخر!
وركز السفير على عرض احتفاله المبالغ فيه بالأطعمة العراقية وكتابة تعليقات باللهجة العراقية الدارجة والتحدث فيها في خطاب شعبوي يفتقد للرصانة والمعايير الدبلوماسية.
وظهر في فيديو مع كادر السفارة وهم يتناولون إفطارا عراقيا، في احتفال مبالغ فيه وكأن هذه الأطعمة لا توجد في الأسواق البريطانية.
وكان ذلك العرض الأبله لكادر السفارة البريطانية يوحي وكأن العراق تحول إلى “مطعم دبلوماسي” بينما ما يزال مئات الآلاف من العراقيين المهجرين يعيشون في مخيمات تفتقر الى الطعام والكرامة الإنسانية.
وقال الكاتب العراقي كرم نعمة “لا أحد يصادر حق السفراء أن يمارسوا ما يفضلونه من أمور شخصية، لكن الاستعراض بها باعتبارها منجزا دبلوماسيا، يعبر عن الزيف المكشوف، فالشعوب تنتظر منهم أكثر من ذلك، لأنها تعرف أطعمتها وأزياءها، تنتظر أن يكون لهؤلاء السفراء دور في تخفيف معاناة المهجرين من بيوتهم ومساعدة الصغار في إيجاد مدارس لائقة بهم، وتتوق للاعتراف بجرائم الحرب التي ارتكبتها حكوماتهم بحق العراقيين”.
