حكومة السوداني ترسم صورة مضللة عن طفولة عراقية بائسة
صور الأطفال النازحين في معسكرات النزوح وأقرانهم ممن يعملون في قطاعات العمل الشاقة تمحو الصورة الإيجابية التي تحاول حكومة السوداني ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية رسمها ضمن سيل الأكاذيب لتزييف الواقع المأسوي.
بغداد – الرافدين
مر يوم الطفل العراقي في وقت لم تلتزم فيه الحكومة بواجباتها الإنسانية تجاه الأطفال خاصة مع النازحين والمهجرين واليتامى ومن فقدوا المعيل جراء التغييب القسري أو الاعتقال وغيرهم في ظل ارتفاع نسب معدلات عمالة الأطفال وانخفاض نسبة حصولهم على التعليم.
وتحول هذا اليوم إلى فرصة لتسليط الضوء على معاناة الطفل العراقي بسبب الفوضى المزمنة وضياع الحقوق السائدة في العراق منذ عام 2003 والخشية المتزايدة من ظهور جيل مجبول على الفوضى والانحراف نتيجة للظروف غير الطبيعية التي رافقت رحلته في الحياة.
ويحي العراق منذ 2007 في الثالث عشر من تموز من كل عام يوم الطفل العراقي، إحياءًا لذكرى عشرات الأطفال الذين قتلوا في تفجيرات دامية في منطقة النعيرية ببغداد عام 2005 بعد أن غرقت البلاد بحمام دم لم يسلم منه أحد نتيجة الفوضى التي عصفت في البلاد بعد الاحتلال.
وفي محاولة منه لرسم صورة وردية لواقع الطفولة في العراق قال رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني إننا “نؤكد على المضي في توفير بيئة صحية ورعاية تربوية وتعليمية واجتماعية متكاملة لأطفالنا، وبالاستناد إلى قيمنا الحضارية والإنسانية، وما يوجبه الدستور والقوانين”.
وأضاف في تغريدة له على منصة أكس بمناسبة يوم الطفل العراقي أننا “مستمرون في إسناد كل جهود المجتمع المدني والبرامج الثقافية التي تستهدف رعاية أطفالنا وتهيئتهم لغد أفضل، فهم ضمانة العراق إلى مستقبل زاهر”.
وجاءت تغريدة رئيس الحكومة متزامنة مع إعلان وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي السبت عن “شمول أكثر من 3 ملايين و479 ألفًا من الأطفال بالحماية الاجتماعية، وهو أكبر رقم تصل إليه الوزارة” في وقت يواصل الأطفال عملهم الشاق بدرجات حرارة تصل إلى نصف درجة الغليان في مفارقة تنقض التصريحات الحكومية وتدلل على حجم المشكلة التي تحاول حكومة السوداني التغطية عليها.
وبينما يستعرض الأسدي أرقام معوناته “المزعومة” للأطفال في حفل بمناسبة يوم الطفل العراقي بحضور السوداني في العاصمة بغداد تواصل آلاف الأسر الفقيرة إرسال أطفالها للعمل الشاق مما يعرضهم للأذى الجسدي والنفسي، كما هو الحال في أغلب الحالات، ما يؤثر سلبًا على حياة الأطفال في المستقبل.
ولا يخفي صالح محمد صالح (12 عامًا) أمنيته بينما كان يدفع عربة محملة بالبضائع التي اشتراها العملاء لتفريغها في شاحناتهم في سوق الجملة المزدحم بمنطقة الشورجة وسط بغداد، حينما عبر عنها بالقول “أتمنى أن أذهب إلى المدرسة وأقضي بعض الوقت مع الأصدقاء”.
ويتعين على صالح وشقيقه البالغ من العمر 10 سنوات مساعدة والدتهما في كسب لقمة العيش للأسرة، حيث يعيشون في منزل صغير في حي فقير بالقرب من ساحة الميدان وسط بغداد. بعد أن فقدوا والدهم نتيجة انهيار الأمن في العراق.
وتابع صالح “في بعض الأحيان، في يوم جيد، أكسب 20 ألف دينار عراقي (حوالي 15 دولارا أمريكيا) يوميا، وأحيانا يكون المكسب قليل جدا، اعتمادا على عدد حمولة العربات التي يستأجرونني لنقلها”.
ويعمل صالح ستة أيام في الأسبوع ما عدا يوم الجمعة لأن السوق مغلق، وعندما سئل عما يريد أن يكون في المستقبل، أجاب “لم أفكر في ذلك من قبل، وبالكاد أستطيع توفير الطعام لأسرتي”.
وقصة صالح هي مجرد غيض من فيض في بلد يعاني من الصراع والنزوح والانكماش الاقتصادي منذ سنوات تركت على إثرها العديد من الأطفال في العراق عرضة للعمالة وفقًا للأمم المتحدة.
وفي بغداد كذلك حيث وصلت درجة الحرارة بالفعل إلى أكثر من 50 درجة مئوية يقف سجاد إبراهيم البالغ من العمر 14 عامًا في ورشة الحدادة التابعة لعمه، ويضرب بمطرقته بقوة على قضيب حديدي على السندان، ويكافح من أجل كسب عيشه لمساعدة والده المقعد.
وقال سجاد، الذي يكسب 10 آلاف دينار يوميًا (حوالي 7 دولارات أمريكية)، ويعمل من الساعة 8:00 صباحًا حتى 5:00 مساءًا، “أعمل لإعالة أسرتي لأن وضعنا المالي صعب”.
وأوضح سجاد أن “والدي لا يستطيع العمل بسبب المرض، لذلك أحتاج إلى إعالة أسرتي بالمصاريف اليومية”.
وأشار إلى أن والده يعاني من شلل جزئي بسبب كسور في بعض فقرات ظهره نتيجة تعرضه لحادث.
وعبر سجاد عن أمله بأن “يتمكن الأطفال في العراق من العيش بسلام وأمن حتى لا يضطروا إلى العمل عندما يكونون صغارًا”.
ويبدو أن هذه الشهادات على أرض الواقع تخالف التصريحات الحكومية للسوداني والأسدي التي ينكرها مراقبون للشأن السياسي والإنساني ومعنيون بواقع الطفولة في البلاد فضلًا عن أوساط نيابية تحدثت بصراحة عن واقع مرير للطفولة.
وفي هذا السياق يؤكد النائب في البرلمان الحالي محما خليل، أن “الحكومة لم تقم بواجباتها الدستورية والإنسانية تجاه الطفل العراقي خاصة مع النازحين والمهجرين واليتامى وغيرهم بينما يعد الطفل ثروة المستقبل ورأس مال الدولة العراقية وحقوقه مثبتة دستوريًا”.
وأضاف أن “الطفل في دول العالم له حقوق في التربية والصحة والمستقبل والتأهيل النفسي، لكن عند مقارنة الاهتمام بحقوق الطفل العراقي مع نظرائه في الدول العربية والأجنبية يلاحظ أنه في ذيل القوائم نتيجة التقصير الحكومي”.
وأوضح أن “الكثير من الأطفال في العراق تركوا مدارسهم ولجأوا إلى العمل الشاق من أجل لقمة العيش، كما هناك جيل من مواطني الخيم من النازحين، لكن لم تقم الحكومة بما ينبغي وتأهيلهم نفسيًا وجعلهم ثروة وطنية مستقبلية”.
وسبق وأن تأثر نحو 4.7 ملايين طفل عراقي بالعمليات العسكرية في المدن المنكوبة وما تسببت من مشاكل جمّة لهم ارتبطت بالنزوح وفقدانهم ذويهم وتعرضهم لأضرار جسدية، فضلًا عن إجبار 3.5 ملايين منهم على ترك الدراسة.
ويؤكد موقع “التعليم انترناشيونال” الذي يمثل نحو 400 منظمة تعليمية حول العالم، أن العراق يواجه “أزمة تعليمية حادة” بعدما عمدت الحكومة فيه خلال عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش إلى تخفيض أو قطع المساعدات بشكل كبير عن نحو 5.2 ملايين طفل.
وأضاف الموقع الذي يتخذ من بروكسل مقرًا له، ويمثل أكثر من 23 مليون معلم وأستاذ حول العالم في 178 دولة أنه منذ العام 2013، هناك 770 ألف طفل نازح في العراق يعيشون في ظروف حافلة بالمخاطر، وفي غالب الأحيان في ملاجئ -معسكرات نزوح- مؤقتة.
وبين التقرير الحديث للموقع أن هؤلاء الأطفال جرى اقتلاعهم من منازلهم بسبب الصراع والاضطرابات، وتعرض حقهم بالتعليم إلى خطر كبير، وأنه بالرغم من الحقوق الدستورية، إلا أنهم يجدون أنفسهم في حالة حرمان من الوصول إلى المدارس والمعلمين والموارد التعليمية.
وتابع التقرير أنه في ظل فشل الحكومة في تطبيق توصيات الأمم المتحدة فإن هذه الأزمة شهدت تفاقمًا، في حين كانت هذه التوصيات تتعلق بشكل خاص بالحاجات التعليمية للنازحين داخل العراق.
وذكر أنه في الوقت الذي دعت الأمم المتحدة إلى تقديم التمويل لدعم تعليم الأطفال، إلا أن الحكومة في العراق لم تقدم سوى نصف المبلغ المطلوب.
وتتصاعد الدعوات من أجل إنقاذ الطفولة في العراق من أوضاعها الكارثية بعد الاحتلال من قبل منظمات حقوقية بعد ارتفاع مؤشرات تدهور أوضاع حقوق الأطفال وتفاقم الانتهاكات التي يتعرضون لها، وسط عجز الحكومة وإهمال البرلمان لإقرار قانوني حماية الطفل وحماية الأسرة.
ويؤكد المحامي محمد فهيم أن “أطفال العراق دفعوا ثمنًا باهظًا، إذ فقدوا حقهم في التمتع بطفولة آمنة وسعيدة، فضلًا عن التعليم وبدلًا من ذلك، ترك الكثير منهم في الشوارع للعمل في سن مبكرة”.
وأشار فهيم إلى أن “الاحتلال الأمريكي أدى إلى نكبات في المجتمع العراقي، من بينها غياب سيادة القانون والدولة، مما دفع البعض إلى استغلال الأطفال والزج بهم في حقول العمل”.
ويقول معنيون بواقع الأطفال إن عمل الأطفال في تزايد نتيجة النزوح والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، وأن نسب الفقر بين الأطفال العراقيين ارتفعت كثيرًا، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال.
ويلفت رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق ستار دنبوس براك، إلى “عدم وجود إحصائية عن عمالة الأطفال في العراق، وحتى وزارتي التخطيط والعمل ليس لديهما إحصائية بالأعداد، على الرغم من أنهما الجهات المعنية والمختصة بهذا الملف”.
ويتابع براك “عادة ما تكون عمالة الأطفال عند أصحاب المهن الحرة وليس في المصانع والمعامل وغيرها، ويعطى الطفل أجرًا يتراوح ما بين 10 إلى 15 ألف دينار في الأسبوع، في ظل ظروف وتعامل سيء من قبل صاحب العمل”.
ويشير إلى أن “الحد الأدنى لأجر العامل هو 350 ألف دينار وفق القانون، لكن هناك الكثير من يبخس أجور العامل ولا يعطيه هذا المبلغ، على الرغم من أن هذا المبلغ لا يساوي شيئًا أمام الغلاء المعيشي الذي يشهده العراق”.
ويخلص رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق بالقول إن “أكثر العراقيين لم يعيشوا مرحلة الطفولة بسبب ما مرت به البلاد، ويلاحظ في الوقت الحالي الكثير من الأطفال يتسولون في الشوارع والتقاطعات في بغداد والمحافظات، وأن أصحاب النفوس الضعيفة لا يتركوهم بسلام وخاصة الإناث، ممن تركن عرضة للتحرش بهن وأمور أخرى”.
ويتفق المسؤول في المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان سرمد العبدلي مع ما ذهب إليه براك بالقول إن “بعض الأطفال يتركون في الشوارع لكسب لقمة عيشهم لأن عائلاتهم غير قادرة على إطعامهم، ويتعرضون للانجرار إلى تجارة المخدرات والعصابات الإجرامية والإرهاب”.
ويحذر العبدلي من أن “العوامل التي تؤدي إلى عمالة الأطفال لا تزال موجودة على الرغم من اعتماد العديد من التدابير والقوانين للحد من انتشارها في العراق”.