أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

السوداني يتنصل من وعده باستعادة أموال سرقة القرن ويقر بتهريبها إلى خارج العراق

يكشف مسعى السوداني عن طبيعة الفساد الكامن في بنية القضاء العراقي، عندما يحاول أبعاد جريمة سرقة القرن عن سبعة فصائل مشاركة في حكومة الإطار التنسيقي والبحث عن كبش فداء من اللصوص الصغار، بذريعة أنهم خارج العراق.

بغداد- الرافدين
أجمع اقتصاديون عراقيون على أن مزاعم رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بشأن تهريب نصف أموال “سرقة القرن” إلى خارج العراق، عرض إعلامي متأخر وفاقد لجدواه في محاولة فاشلة للهروب إلى الأمام.
وأكدوا على أن السوداني سبق وأن أطلق سراح لص سرقة القرن نور زهير بذريعة الاتفاق معه بشأن إعادة الأموال.
وظهر السوداني مع أكداس من النقود في عرض مسرحي أثار سخرية العراقيين لأن كل الأكداس من النقود لم تكن تمثل إلا نسبة ضئيلة من الأموال التي سرقت من دائرة الضرائب وتقدر بـ 2.5 مليار دولار.
وتتعلق “سرقة القرن” بالأمانات الضريبية، إذ تم دفع 2.5 مليار دولار، بين أيلول 2021 وآب 2022، عن طريق 247 صكا صرفتها خمس شركات، ثم سحبت الأموال نقدا من حسابات هذه الشركات التي يخضع أصحابها لأوامر توقيف.
وتبنى السوداني التحقيق بسرقة القرن بمجرد تسلمه منصب رئيس الحكومة ووعد بأنه لن يسلم أحد من طائلة القانون. وبعد شهر من ولايته؛ عقد مؤتمرًا صحفيًّا وأمامه مبلغين عملاقين من الدنانير، وأعلن “منتصرًا في مشهد مسرحي” أنه استعاد 125 مليون دولار من زهير، وهو جزء صغير من المليارات المفقودة.
بعد ذلك بوقت قصير؛ أُطلِقَ سراح زهير بكفالة لمدة أسبوعين، وقال العملاء إن هذا كان لمساعدة السلطات على استعادة المزيد من الأموال، وبعد شهور كان لا يزال طليقًا.
وقال أحد مساعدي السوداني أن رئيس الوزراء ليس لديه خيار آخر؛ حيث قال “لو لم يطلق سراح نور زهير لكان قد فقد رأسه”.
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد كشفت أن سرقة القرن التي استولت على 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق أدارتها ميليشيا بدر التي يرأسها هادي العامري القيادي في الإطار التنسيقي الذي شكل حكومة السوداني.
ويأتي تقرير الغارديان بعد تقرير مماثل لصحيفة فايننشيال تايمز أكدت فيه أن السوداني عاجز عن محاسبة لصوص الدولة المتورطين في سرقة القرن لأنهم جميعًا من المحيطين به من أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي.
ولم يستبعد اقتصاديون سيناريو أن لصوص الدولة المشاركين في تشكيل حكومة السوداني والمتهمين في الاستحواذ على أموال سرقة القرن، فرضوا على السوداني اقفال الملف.
وأكدوا على أن إقرار رئيس الحكومة بأن الأموال هربت للخارج محاولة مكشوفة للتنصل من وعده السابق باستعادة أموال سرقة القرن.
وقال السوداني، خلال زيارته إلى هيئة النزاهة “جرى تهريب نصف هذه الأموال خارج البلد”، مؤكداً “مواصلة الجهود لاستعادتها”.
وتسعى حكومة السوداني إلى حصر سرقة القرن بحكومة مصطفى الكاظمي واستبعاد أحزاب وميليشيات متورطة فيها سهلت مهمة نور زهير في الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة العامة.
وسبق أن أفرجت حكومة السوداني عن نور زهير أحد المتورطين بالقضية بالتعاون مع ميليشيا بدر التي يرأسها هادي العامري.
وجاء الإفراج بكفالة مقابل إعادة بقية الأموال المسروقة في غضون أسبوعين، لكنه اختفى بعد ذلك.
وكان نور زهير يزور مكتب مصلحة الضرائب عدة مرات في الأسبوع. وكان يوقف سيارته خارج الباب الأمامي مباشرة، وهو امتياز يقتصر عادة على رئيس مصلحة الضرائب وحده، وكان يسير وهو يأرجح بين يديه مسبحة من الذهب تاركًا وراءه حارسين شخصيين في الاستقبال.
وتطلّب إصدار شيكات بمبالغ كبيرة من مصلحة الضرائب تواقيع 12 مسؤولاً مختلفًا على الأقل. وتستغرق هذه العملية غالبًا أسابيع، لكن نور زهير حصل عليها في فترة زمنية قصيرة. وحسب موظفّين من العاملين هناك، كان زهير يقوم بنفسه بتملق ورشوة وتهديد الموظفين في مصلحة الضرائب لتسريع وتيرة العمليات البطيئة.
من هنا بدأت السرقة على أتمّها. عندما وصل طلب الحصول على شيك الخصم، كان الرجال الذين تقاضوا أموالا من زهير يحضرون الأوراق إلى الطابق الخامس في مجلدات مغلفة بالجلد حتى يوقّعها رئيس مصلحة الضرائب. وكان في الطابق الأرضي فرع لمصرف الرافدين حيث يقوم الصرافون بإصدار الشيكات. وقد صُرفت معظم هذه الأموال على الفور في فرع أكبر على بعد بضعة كيلومترات.
وقال مسؤول في أحد المصارف الحكومية إن بنك الرافدين يعالج عادة حوالي ملياريْ دينار عراقي في اليوم. وفي يوم واحد خلال السرقة، ارتفع هذا الرقم إلى 40 مليار دينار عراقي. وحسب محاسب يعمل بانتظام مع مصلحة الضرائب، “تم إصدار شيكات بعشرات الملايين في غضون 24 ساعة، مع توفير الأموال نقدًا في اليوم التالي”.
وتستهدف مذكرات التوقيف التي سبق أن أعلن عنها حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة، مدير مكتب رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي ورئيس جهاز المخابرات السابق رائد جوحي، والسكرتير الخاص للكاظمي، أحمد نجاتي، ووزير المال السابق علي علاوي، ومستشار الإعلام السابق للكاظمي مشرق عباس.

لص حر يعيش في قصره ببغداد
ويكشف مسعى رئيس هيئة النزاهة عن طبيعة الفساد الكامن في بنية القضاء العراقي، عندما يحاول أبعاد جريمة سرقة القرن عن سبعة فصائل مشاركة في حكومة الإطار التنسيقي والبحث عن كبش فداء من اللصوص الصغار، بذريعة أنهم خارج العراق.
ونفى الكاظمي ووزير المالية السابق علي علاوي ضلوعهما في الفساد الذي تردد أنه افتُضح بعد تولي حكومة جديدة رئاسة محمد شياع السوداني السلطة.
ويقيم الكاظمي في بريطانيا ولم يزر العراق بعد انتهاء ولاية رئاسته.
وذكرت مصادر مقربة من الكاظمي على أنه على علم بما يعد له رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي وبدعم من قادة ميليشيات في الإطار التنسيقي، ووصلته رسائل واضحة بشأن تحميله قضية الفساد الكبرى التي تم فيها سرقة أكثر من ملياري دولار من أموال الضريبة العامة. ثم مشروع “داري” السكني.
واستقال علاوي من المنصب في آب 2022 متذرعًا بالتدخل السياسي في العمل الحكومي وبالكسب غير المشروع. وقال بعد ذلك إنه اتخذ خطوات لمنع حدوث سرقة في الهيئة العامة للضرائب لكن المسؤولين الآخرين تجاهلوا قراراته.
وأصر أعضاء من معسكر الكاظمي على أن نور زهير كان عميلًا لداعمي السوداني وهم زعماء الميليشيات الولائية المرتبطة بإيران.
وكشف تحقيق تلفزيوني المصور لمجلة “إيكونوميست” البريطانية عن ضلوع سبعة فصائل مرتبطة بالأحزاب والميليشيات الحاكمة في العراق في سرقة القرن التي تم فيها نهب 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق.
وذكرت المجلة في التحقيق المصور الذي أجراه مراسلها في الشرق الأوسط نيكولاس بيلهام، أن لصوص الدولة يتقاتلون في ما بينهم في العلن، لكنهم يعملون معا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والطائفية.
وقال الباحث السياسي في “ذي سنتشري فاونديشن” سجاد جياد أن سبعة فصائل من مختلف الأطياف قد حصدت مكاسب من سرقة القرن: المدعومون من إيران، والمدعومون من الولايات المتحدة، وأنصار الوضع الراهن، وكل الفصائل تستفيد من مخططات الفساد.
وأضاف “هؤلاء المعارضون يقاتلون بعضهم البعض في العلن لكنهم يعملون سويًا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والأيديولوجية”.
ويقدر مسؤولون أن حجم الأموال التي اختفت من الخزانة العامة منذ سنة 2003 تتجاوز 300 مليار دولار.
ويصنف العراق من البلدان الغنية في العالم، حيث يعد أحد أكبر منتجي النفط في العالم بتحقيق أرباح من الصادرات في السنة الماضية تجاوزت 115 مليار دولار. ومع ذلك، لا يصل سوى القليل من هذه الأرباح إلى الناس العاديين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى