أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

وزير التعليم في حكومة الإطار التنسيقي يرعى طائفية إقصائية داخل الجامعات

ميليشيا العصائب ممثلة بوزير التعليم العالي نعيم العبودي تتخذ من الجامعات مساحة لممارسة نشاطاتها الطائفية والإقصائية في محاولة لتعزيز نفوذها في وقت تلاحق فيه من يقف بوجه مشروعها ويعري حقيقة تدهور التعليم في حقبة وزيرها.

بغداد – الرافدين
حذر باحثون وأكاديميون من تبعات تنامي ما وصفوه بالممارسات الدكتاتورية في وزارة التعليم العالي على جودة التعليم ومخرجاته في العراق بعد تشخيصهم لنشاطات إقصائية وطائفية لتكريس صوت واحد يتناغم مع توجهات وزير التعليم العالي في حكومة الإطار التنسيقي نعيم العبودي ومن خلفه ميليشيا العصائب الموالية لإيران.
وجاءت التحذيرات بعد أن أطلق العبودي العنان لمجموعات ولائية للعمل داخل الجامعات الحكومية و الأهلية في محاولة لكسب الشباب في صفوف الميليشيات والأحزاب وإشاعة الأفكار الولائية لتحقيق مزيد من النفوذ بعد فشل المكاتب الحزبية والميليشياوية بهذه المهمة عبر الطرق الكلاسيكية.
ويرى الباحث جواد مهدي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن “تخلّي ميليشيا العصائب عن الأموال المترتبة عن تجارة المشروبات الكحوليّة وإعطاء الرخص السياحيّة والاستثماريّة حينما كانت وزارة السياحة والآثار من نصيبها -التي تتسم بامتلاكها صلاحيّات ماليّة أكثر من التعليم العالي- خطوة محسوبة تهدف على ما يبدو إلى مقايضة الثروة بالنفوذ”.
ويؤكد أن “موقعهم الجديد في التعليم العالي منحهم الفرصة لتعويض النقص الحاصل في الطواقم الشابّة لدى الميليشيات، والسعي لتقويض الحركات الإصلاحيّة الشبابيّة بين أوساط طلبة الجامعات والتي كانت الوقود الأساسي للاحتجاجات التشرينيّة 2019 والتي ساهمت بتقويض سلطة الميليشيات ووضعهم في صدامٍ مباشر مع المجتمع العراقي”.
ولفت إلى أن “الميليشيات عملت على الحد من تأثير هذه المجموعات الطلابية وتكميم أصواتها من خلال تقديم سرديتها الخاصة، فبعد حادثة اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في عام 2020، عملت الفصائل على محاكاة النموذج الإيراني المعروف بولاية الفقيه وكرست صورة المهندس كـ”بطل وطني” في مختلف المجالات العامّة في العراق”.
وعلى إثر ذلك جرى تأسيس ما يُعرف بـ(تجمع أبناء المهندس) الذي يتصدّى بشكلٍ أساسي للعمل في أوساط الجامعات والكليّات ومحاولة كسب الشباب وخلق حواضن اجتماعية جديدة للميليشيات المسلحة تحت ذرائع مواجهة الاحتلال الأمريكي والتصدي لمحاولات الغرب لنشر ثقافته في المجتمع العراقي.
ويقر العبودي القيادي بميليشيا العصائب بزعامة قيس الخزعلي، باتباع ولاية الفقيه الإيرانية لعلي خامنئي.
وسبق وأن قال في تصريح تلفزيوني “نؤمن بولاية الفقيه وبالنسبة لنا إن ما نؤمن به والعمود الفقري لنا ثقافيًا وعقائديًا هو ولاية الفقيه، أي أننا نؤمن بولاية الفقيه”.
وعمد العبودي المعروف بانتمائه لميليشيا العصائب وكونه المتحدث الرسمي باسمها ونائبًا عنها، بالإضافة لتوليه مسؤولية الإشراف العقائدي على الحركة حينما تولى مسؤولية وزارة التعليم العالي كجزء من حكومة محمد شياع السوداني، على دعم سلوكيات (تجمع أبناء المهندس) ، بل واستمرارها بنهج إداري بالإضافة للنهج الطلّابي الذي تنتهجه.

العبودي يوفر سبل الدعم والرعاية لنشاطات “تجمع أبناء المهندس” داخل الجامعات الحكومية والأهلية

وواصل الإجهاز على ما تبقى من القيم والمعايير التعليمية في الجامعات العراقية وفق مشروع طائفي لنشر التعصب المذهبي عبر تنفيذ سياسة طائفية هدفها تحويل الجامعات في العراق الى مجرد مواقع لترويج الأفكار الدخيلة للقصص التاريخية الملتبسة خارج معايير العمليات التعليمية المعاصرة.
وعمدت الوزارة على الإجهاز تحت سطوة العتبة الحسينية وديوان الوقف الشيعي، على آخر ما تبقى من استقلالية التعليم الجامعي، بالسماح بالتبليغ الطائفي في أروقة الجامعات العراقية.
وأقدمت وزارة التعليم العالي على إصدار أمر إداري ذي طبيعة طائفية موجه إلى الجامعات العراقية كافة، يقضي بفسح المجال أمام مبلغي “العتبة الحسينية” في كربلاء التي تعد جزءًا من “الدولة العميقة لمرجعية النجف” لإقامة “برنامج التبليغ الديني” في الجامعات امتثالًا لرغبة “ديوان الوقف الشيعي” الموجه لوزارة التعليم العالي.
ولم يكشف قرار الوزارة الجدوى أو الذرائع العلمية من السماح لأفكار طائفية وخرافات تاريخية باقتحام الحصن الجامعي لكسر ما تبقى من الاستقلالية العلمية والبحثية.
وتسببت الحكومات المتعاقبة في تدهور التعليم في العراق، والذي وصل إثر الفساد والتدخلات السياسية إلى مستويات كارثية جعلته خارج مقاييس التعليم الرصين قبل أن يجهز نعيم العبودي على ما تبقى ضمن مساع محفوفة لإبادة التعليم في العراق.
وعلى المستوى البحثي، أعاد العبّودي العمل بنظام “السلامة الفكريّة الذي يقتضي بشكلٍ مبسّط عدم الموافقة على رسائل الدكتوراه والماجستير وكافّة أشكال البحث إلّا بعد استحصال موافقة وزارة التعليم العالي على مضمون هذه البحوث، والتأكد من “سلامتها الفكريّة”.
وبشكلٍ عملي، يمنع هذا النظام القيام بأيّة أبحاث تخالف الأيدولوجيات الإيرانيّة وفرض عقوبات على الباحثين العاملين في المؤسسات العراقيّة الذين قد يخالفون أيدولوجيات الوزارة في تأثير يهدد واقع البحث العلمي في مجالات السياسة والاقتصاد والعلوم الاجتماعية، ويساهم بتعزيز صورة الميليشيات أكاديميًّا، علاوة على تحييد الباحثين المستقلّين عن العمل.
وبالإضافة لنظام السلامة الفكريّة، أقرّت الوزارة مؤخرًا العمل بما يُعرف بـ”الكابس العلمي” والذي يقتضي إرسال مبعوث من مقر وزارة التعليم العالي في بغداد (والذي في معظم الأحيان يكون شخصًا مواليًا للميليشيات) من أجل مراقبة النقاشات العلميّة كافّة في المحافظات، والحرص على عدم مخالفة حتّى النقاشات -والتي من المفترض أن تكون حرّة وموضوعيّة- للآيدولوجيا التي تقرّها الوزارة.
وذهب وزير ميليشيا العصائب نعيم العبودي أبعد من ذلك إلى إجراء تغييرات إدارية هي الأكبر في تاريخ الوزارة لصالح الولائيين تمثلت في إقصاء عدد كبير من الكفاءات العلمية.
وأعفى العبودي عندما تقلد منصبه في حكومة محمد شياع السوداني التي شكلتها الميليشيات الولائية في الإطار التنسيقي، 135 عميد كلية بذريعة تكليفهم كان بأوامر من حكومة مصطفى الكاظمي.
وتحولت وزارة التعليم العالي في عهد وزير العصائب إلى خط أحمر بعد أن أحاط العبودي نفسه والدائرة المحيطة به بهالة من القدسية يتمكن بموجبها من مساءلة كل من ينتقد أداء الوزارة على الصعيد العلمي والإداري.
وجاء قرار فصل الإعلامي والأكاديمي العراقي قصي شفيق من جامعة الإسراء ليعزز هذا الرأي بعد انتقاد وجهه لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وأكد شفيق أن بيان فصله من جامعة الإسراء “سياسي” وقد كُتب تحت تهديد ووعيد وزارة التعليم.
وأضاف إن “الوزارة فتحت تحقيقًا مع جامعة الإسراء، دفع الجامعة لإصدار بيان موجه إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزيرها تعتذر فيه منهما عن النقد الذي وجهته للوزارة والذي كان نقدًا علميًا أكاديميًا عن تراجع مستوى التعليم العالي في العراق، وكيف أصبحت الجامعات العراقية خارج التصنيف الدولي”.
ولفت إلى أن “وزير التعليم العالي هدد جامعة الإسراء الأهلية، واستدعى رئيس الجامعة للتحقيق معه”، مؤكدًا “اتخاذ الجامعة قرار فصلي من الجامعة والتدريس فيها”.
وكتب قصي شفيق منشورًا على حسابه الشخصي في منصة أكس، تحدث فيه عن خروج جامعة بغداد من التصنيف الدولي، مؤكدًا أن أسباب تراجع الجامعات العراقية يعود إلى معادلة الوزارة للشهادات التي يتم استحصالها من إيران، وغيرها من الجامعات غير الرصينة.
وأضاف عددًا من الأسباب، منها “منح الطلبة الراسبين حق العبور”، وختم بانتقاد وزير التعليم العالي ، الذي تسلم المنصب ضمن حصة ميليشيا العصائب.
وعزا أسباب تراجع مستوى التعليم الجامعي كذلك إلى “منح الطلبة الراسبين حق العبور حتى وصل الحال إلى قرارات بشكل يومي للراسبين” حسب وصفه، فضلًا عن “عدم وجود بعثات دراسية للدراسات العليا والأولية.
وخلص بالقول بتعبير ساخر على مايبدو إن “أهم إنجاز للوزارة في عام 2024 اختراع مادة دراسية لجميع الطلبة في عموم العراق بعنوان جرائم حزب البعث”.

يحرص وزير التعليم العالي نعيم العبودي على إقامة احتفالات تكريمية للإيحاء بتحقيق إنجازات مزعومة خلال توليه المنصب

وفي المقابل يحرص العبودي على إقامة احتفالات تكريمية في عروض إعلامية للإيحاء بإنجازات في وزارته، وعرض تقارير تنشرها مواقع غربية كخدمات صحافية مدفوعة الأجر وهو ما يفسر عدم قبوله أي انتقاد يكشف حقيقة الواقع التعليمي ويخالف مساعيه برسم صورة وردية عن واقع التعليم في العراق.
وفي هذا الإطار أعلنت وزارة التعليم حصول العراق على المرتبة الأولى عربيًا والسابعة عالميًا بتصنيف التايمز للتنمية المستدامة من حيث عدد الجامعات المشاركة في نسخة العام 2024 التي شهدت تنافس 2152 جامعة من 125 دولة حول العالم، قبل ان يهنئ السوداني بهذه المناسبة التي عدها “تأكيدًا لنجاح رؤية الحكومة ونهجها الداعم لتحقيق الجودة الشاملة في التعليم العالي”.
وإثر هذا وتحت عنوان “أتستخفون بعقولنا”، طالب المرصد العراقي للحريات الأكاديمية وزارة التعليم العالي بالاعتذار الصريح عن “الاستخفاف وتعريض سمعة العراق الأكاديمية الى الإساءة”.
وتساءل المرصد في بيان له في شهر حزيران الماضي “كيف يستخفون بعقولنا ونحن والعالم أجمع يعلم بأن التصنيفات حول العالم ليس بعدد المشتركين بها بل مايتم تحقيقه من الجامعات المشاركة عن كل دولة من مراتب؟”.
وبين أنه “للسنة الثانية على التوالي تعلن الوزارة عن منجز، وتوهم الدولة بكافة طواقمها بتحقيقها إياه وهي بعيدة كل البعد عن الواقع”.
ويأتي ذلك بعد نحو عام من تعرية الجمهور العراقي عبر منصات التواصل الاجتماعي تلفيقات وزارة التعليم عندما زعم العبودي أن جامعة عراقية حصلت على المرتبة 37 في تصنيف التايمز.
وعرض المغردون صورة من التصنيف حيث تبين أن المرتبة 37 عالميًا هي لجامعة “مولبورن” في استراليا، بينما حلت جامعة “بغداد” في تصنيف التايمز نفسه في التسلسل 1501.
وتسلم نعيم العبودي الذي بات سجله حافلًا بتزييف الحقائق وزارة التعليم العالي وفقًا لنظام المحاصصة الطائفية والذي عده ناشطون بأنه شخصية غير كفؤة ولا يملك المقومات العلمية لإدارة وزارة مهمة مثل التعليم العالي، ويملك شهادة مشكوك بصحتها من جامعة لبنانية أهلية غير معترف بها.
وكانت الجامعة الإسلامية في لبنان التي منحت العبودي وعددًا من الشخصيات البارزة في حكومة الإطار التنسيقي لاسيما رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان الشهادة، حلقة بارزة في فضيحة تزوير شهادات علمية، كشف عنها موقع “المدن” الإلكتروني اللبناني في تشرين الثاني 2021.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى