الجفاف والإهمال الحكومي يهدد حياة سكان المناطق الحدودية في ديالى
الصمت الحكومي وتجاهل المناشدات بتوفير المياه، ينطوي على تعمد بهدف توسيع رقعة النزوح من مناطق حدودية مع إيران لغايات التغيير الديموغرافي بالدرجة الأولى.
ديالى – الرافدين
يعيش سكان القرى الحدودية والنائية في العراق ولاسيما في قزانية ومندلي بمحافظة ديالى المحاذية للحدود الإيرانية، حياة مأساوية في ظل انعدام المياه والإهمال الحكومي في شتى المجالات.
ويصف سكان هذه القرى الحياة بأنها مأساوية ليست على البشر فحسب، وإنما حتى على الحيوانات والنباتات بسبب قلة المياه وانعدامها، حيث لم تصلها المياه منذ سنوات، وتكيفت على العطش وعيش أسلوب حياة متقشف، بالاعتماد على الآبار والعيون، فضلا عن شراء خزانات المياه للشرب والاستخدامات اليومية.
وأصبحت المصاعب الكبيرة التي يعيشها سكان المدن والتي تدفعهم للاحتجاج والتظاهر أحيانا في حال انقطعت عنهم مياه الإسالة ليومين أو أكثر، أمر يتمناه سكان قرى ديالى الحدودية.
وشهدت القرى الحدودية أقصى شرقي محافظة ديالى، طيلة السنوات الماضية موجات نزوح للسكان لاسيما المزارعين، بحثا عن المياه للشرب ولتربية المواشي والزراعة.

وقال محمد عبدالله من ريف ناحية قزانية، إن منطقته شهدت هجرة العشرات من العائلات بحثا عن المياه، وهو يستعد أيضا للهجرة قريبا الى مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى.
وأضاف أن “معظم المواطنين يعتمدون على الآبار للغسيل وشراء مياه التحلية للشرب، فيما يضطر العشرات لنقل المياه لعدة كيلومترات من أجل توفيرها للمواشي”.
وبين أن مأساة المناطق الحدودية بدأت منذ نحو 7-8 سنوات وتفاقمت خلال السنتين الأخيرتين بعدما تراجعت كميات المياه الواصلة إليها من الأراضي الإيرانية عبر القنوات والوديان لأسباب مختلفة منها قلة الأمطار وبناء إيران لسدود داخل حدودها بحسب مايعلن بين فترة وأخرى.
ومع الصمت الحكومي وتجاهل المناشدات بتوفير المياه، يؤكد مسؤولون أنّ عملية قطع المياه عن تلك القرى قد تنطوي على تعمد من قبل بعض الأطراف الحكومية، ولها أبعاد سياسية تهدف لتوسيع رقعة النزوح لغايات التغيير الديموغرافي بالدرجة الأولى.
وقال مسؤول محلي بمحافظة ديالى، إنّ “الحكومة في بغداد لم تحرك ساكنا إزاء تلك المعاناة التي يعيشها الأهالي، ولا يوجد حتى بحث عن حلول لها”>
وأكدا على أنّ هناك اعتقاد سائد لدى أهالي القرى بأن الإهمال الحكومي مقصود لإجبار الأهالي على الهجرة من تلك القرى، لإحداث تغيير ديموغرافي فيها مستقبلا.
وأشار إلى أنّ استمرار الجفاف وقطع المياه عن تلك القرى سيؤدي بالتالي إلى إفراغ تلك المناطق من أهلها بالكامل، وستنتهي الحياة فيها، ومن ثم يجبر الأهالي على بيع أراضيهم ومنازلهم بأبخس الأسعار.

بدوره أكد مدير ناحية قزانية والذي يتولى إدارة قائممقامية قضاء مندلي بالوكالة مازن أكرم الخزاعي، أن “شح المياه أزمة شبه دائمة في المناطق الحدودية، حيث يعتمد سكان أكثر من 60 قرية من بيها الحمايل والسعادة والمعلى على الآبار الخاصة أو الحكومية التي جرى حفرها بواقع 3-4 آبار للقرى الكبيرة وبئر واحد للقرية الصغيرة، فيما يعتمد نحو ثلث قرى المنطقتين على مياه العيون”.
وقال إن “القرى كانت تعتمد سابقا على مياه القنوات القادمة من إيران ولكن بعد جفافها صار الاعتماد الرئيس على الآبار والعيون وشراء الحوضيات للقرى التي لم تنجح بها عمليات حفر الآبار أبرزها طحماية ودحلة”.

وكان الخزاعي، قد أكد في وقت سابق، على تراجع تدفق السيول من الحدود الإيرانية إلى الأراضي العراقية بنسبة أكثر من 70 بالمائة.
وأضاف أن “وصول السيول من الأراضي الحدودية الايرانية إلى مناطق مندلي وقزانية شرقي ديالى تراجع خلال السنوات الأخيرة بنسبة تتراوح بين 70 إلى 90 بالمائة بسبب تشييد إيران سد يسمى (سد شريف شاه) قرب الحدود بمسافة 30 كم تقريبًا، ودخل الخدمة بعد عام 2019”.
وأوضح أن “السد بات يحد من وصول السيول ومياه الأمطار الى الأراضي العراقية بنسبة كبيرة بعدما كانت تصل قبل سنوات عبر الوديان أبرزها حران”.
وبين الخزاعي أن “القرى الحدودية وصلتها موجة سيول واحدة خلال الشتاء”، مؤكدة أن”قلة تدفق السيول وعدم وصولها إلى القرى وإلى سدتي مندلي وقزانية وخزنها للزراعة يفاقم معاناة الأهالي ويدفع المئات منهم حاليا إلى الاعتماد على الآبار”.

من جانبه، أوضح المواطن حسن العزاوي، أن “نقص المياه يشكل التحدي الأكبر للسكان في قرى مندلي وقزانية، إذ يكبدهم خسائر مالية كبيرة شهريا نتيجة اعتمادهم على شراء أسطوانات ما يعرف بـ(مياه الآرو) فضلا عن الحوضيات”.
وأشار الى أن عائلته تخصص نحو 150 ألف دينار شهريا فقط لشراء المياه للشرب والغسيل، لاسيما وأن بعض مياه الآبار تصلح للاستخدامات المنزلية فقط وهو ما اضطر كثير من العوائل إلى عرض منازلها للبيع لمغادرتها”، مطالبًا الحكومة بضرورة إيجاد حلول تنهي معاناة سكان الحدود وإيصال المياه إليهم.
وقالت الباحثة في الشأن البيئي، زينب الخزرجي، إن “قلة المياه والجفاف طيلة آخر عقد، تسببا في تراجع المساحات الخضراء وانحسارها الى النصف أو أقل من ذلك في مندلي وقزانية ومناطق أخرى”.
وأضافت أن “السكان أهملوا أراضيهم وكذلك المئات منهم تركوا تربية الماشية نتيجة عدم وجود مياه كافية تغطي احتياجهم للسقي والشرب، إذ تحولت بعض المناطق التي كانت بساتين منتجة الى أراض جرداء”.
وأشارت الى أن “معدلات تراجع الأراضي الخضراء والمواشي تقدر بنحو 60 بالمائة وفقا للمؤشرات”، داعية الحكومة الى ضرورة “تبني خطة مدروسة تسهم بتوفير المياه والظروف الملائمة للعيش بهدف ضمان عدم ارتفاع معدلات نزوح السكان الى مستويات خطيرة قد تؤدي الى تحول المناطق الحدودية الى مهجورة”.
ويفصل مدينة مندلي وبلدة قزانية الحدوديتين مع إيران عن بعقوبة مركز محافظة ديالى أكثر من 90 كم، فيما يتنوع السكان هناك بين عرب وأكراد وتركمان.
وكانت بساتين قزانية والتي تعد الأقدم على مستوى ديالى، وخاصة بساتين النخيل التي تضم أنواعًا نادرة من التمور مصدر رزق مئات العوائل قبل فصول الجفاف الحادة، إلا أن البلدة فقدت بحسب مختصون أكثر من 60 بالمائة من مساحة بساتينها بسبب الجفاف، ولم يبق سوى ألف دونم منها.
