ربع العراقيين يعيشون في منازل مستأجرة أو عشوائية
تقدر الفجوة في قطاع السكن في العراق بأكثر من مليوني ونصف المليون وحدة سكنية لسد الحاجة في ظل التزايد السكاني المستمر بأكثر من مليون نسمة في كل عام، ما تسبب بارتفاع الأسعار نتيجة الطلب المتزايد مع قلة المعروض في سوق العقارات.
بغداد – الرافدين
على الرغم من امتلاك العراق لثروة نفطية هائلة، يعاني العديد من السكان من البطالة والفقر وانخفاض قيمة الدينار، مما يؤثر سلبًا على قدرتهم على تأمين مساكن مناسبة فيقطنون في بيوت عشوائية مبنية من الصفيح.
ويمثل نقص الوحدات السكنية في العراق تحديًا كبيرًا في ضوء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه البلاد.
وتقدر الفجوة في قطاع السكن في العراق بأكثر من مليوني ونصف المليون وحدة سكنية لسد الحاجة أو الطلب من السكن في ظل التزايد السكاني المستمر بأكثر من مليون نسمة في كل عام، ما تسبب بارتفاع الأسعار نتيجة الطلب المتزايد مع قلة المعروض في سوق العقارات.
وكشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق عن أن أكثر من ربع العراقيين يسكنون في وحدات سكنية للإيجار أو عشوائية.
وقال رئيس المركز، فاضل الغراوي، إن معدل ملكية المنازل في العراق يبلغ نحو 74 بالمائة، أي أن 26 بالمائة أو أكثر من ربع العراقيين يسكنون في الإيجار أو في وحدات سكنية عشوائية غير مسجلة ضمن دوائر المسح الوطني للسكان.
وأشار إلى أن نسبة الحاجة للوحدات السكنية في المناطق الحضرية سيزيد بواقع 3 بالمائة سنويًا لغاية العام 2030، ووفقًا لهذا المؤشر فان العراق بحاجة إلى أربعة ملايين وحدة سكنية بحلول العام 2027.

وبيّن أن سبب عدم معالجة أزمة السكن في العراق، عدم توسعة التخطيط الحضري للمدن وغياب توزيع قطع أراض تتوفر فيها الخدمة البلدية، وعدم تخصيص موازنات خاصة لبناء مدن سكنية تتناسب مع الزيادة السكانية.
ولفت المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي إلى أن “بغداد هي الأكثر حاجة مقارنة مع باقي المحافظات، وذلك لوجود فيها أكبر كتلة سكانية بين المحافظات تقدر بأكثر من 9 ملايين نسمة، أي قرابة ربع سكان العراق، لذلك الحاجة في بغداد أكثر من سواها، على الرغم من أن كل المحافظات هي بحاجة إلى وحدات سكنية لكن بنسب متباينة حسب عدد سكانها”.
لكن وزارة الإعمار والإسكان قدرت حاجة العراق إلى نحو 3 ملايين وحدة سكنية لتقليل أو معالجة أزمة السكن الخانقة في العراق، “وهذا يضيف تحديًا على الحكومة، من أجل إيجاد حلول استراتيجية فعالة على أرض الواقع من خلال عدد من المحاور”، بحسب المتحدث باسم وزارة الإعمار، استبرق صباح.
وأكد رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني خلال لقاء جرى خلال شهر تموز الحالي مع عدد من أصحاب الشركات الاستثمارية أن العراق بحاجة إلى 3 ملايين وحدة سكنية لحل مشكلة السكن.
ووعد السوداني بإطلاق 11 مدينة جديدة لتسهم في حل أزمة السكن، خصوصًا لفئات المحدودة الدخل.
وانتقد الباحث السياسي الدكتور رافع الفلاحي خلال برنامجه “حديث عراقي” الذي يبث على قناة “الرافدين” بحلقة تحت عنوان “السكن في العراق أزمة بلا حلول” التصريحات الحكومية بخصوص أزمة السكن واصفًا إياها بغير الصادقة لعدم انسجامها مع الواقع المعاش.

وأضاف الفلاحي “لو كانت كل وحدة سكنية يسكنها خمسة أفراد من العراقيين، وهذا أقل عدد فهذا يشير إلى أن هناك 15 مليون عراقي بلا سكن”.
وتابع “حاجة العراق إلى الوحدات السكنية تتجاوز 7 ملايين وحدة سكنية، فهناك أكثر نحو 30 مليون عراقي بلا سكن، والمقصود من ذلك أنهم لا يملكون بيوتًا خاصة أو يقطنون في العشوائيات”.
وأوضح أن “الحكومة بين فترة وأخرى تعلن أنها بصدد إنهاء أزمة السكن من خلال بناء مجمعات سكنية أو جلب شركات أجنبية لبناء وحدات سكنية بعقود هائلة وفساد وخراب ورشاوي، وبعد ذلك يتبين أن سعر الشقة بين 400 إلى 500 ألف دولار، ما يجبر المواطن على الإيجار أو السكن بالعشوائيات لعدم استطاعته تحمل هذه الكلفة العالية”.
واستهجن الفلاحي ما تروج له الحكومة من توزيع للأراضي أو بناء مدن جديدة، مؤكدًا أن الأراضي تعطى في أماكن نائية وبدون أي خدمات أو بنى تحتية، فضلًا عن أن الحديث عن بناء مدن جديدة غير عملي فالعراق على مدار 21 عامًا وهو بحاجة إلى صيانة بناه التحتية، والحكومة عاجزة عن ذلك.
وقال إن “هذه المدن تحتاج إلى أموال كبيرة، والبلد يعاني حاليًا من عجز في الميزانية، وتحتاج أيضًا إلى طرق وشبكات كهرباء ومدارس وجامعات ومصانع، تحتاج إلى خطط مدروسة وهذا كله غير متوفر وهل الكلام مثل الواقع”.
ولفت إلى أن الحكومة تحاول تجميل وجهها القبيح من خلال طرح هذه الحلول، وهذا غير ممكن لأن الكذبة بعد سنة أو سنتين تكشف للمواطن الذي انتظر كل هذه المدة ولم يجد سوى أعداد الفقراء الذين يحتاجون للسكن قد ازداد.
وقال الباحث السياسي الدكتور قحطان الخفاجي خلال مداخلة له على قناة “الرافدين” إن “الحكومة كما تحدث بعض أطرافها بأنهم معاول هدم جاؤوا لتدمير البلاد وأن العراق عبارة عن كعكة تم تقاسمها لذلك منذ 2003 تعيش البلاد حالة من الفوضى وانعدام التخطيط ما أدى إلى تفاقم كل الأزمات ومن ضمنها أزمة السكن”.
وحمل الخفاجي الحكومات مسؤولة عن انتشار المساكن العشوائيات لأنها لم تقدم أي منح إسكانية.
وأضاف “أن بناء المجمعات السكنية بطابعها استثمارات شخصية وأرقامها فلكية حيث تباع للمواطن بحوالي 10 إلى 20 ضعف الكلفة وبالتالي أصبح هناك هوة كبيرة”.
ولفت إلى أن الحكومة غير جادة في إيجاد البدائل للمواطنين، فعلى سبيل المثال لو أرادت الحكومة إنهاء معاناة من هجر دياره أو نزح لمناطق أخرى بسبب العوامل الأمنية أو الاقتصادية وغيرها من الأسباب، لابد لها من الشروع ببناء محافظاتهم وتوفير لهم مساكن لائقة بهم.

وأكد على أن الحكومة تعاني من مشكلة الفساد الذي نخر جسم الدولة ونهى مستقبل العراق، لذلك لا نعتقد أن هناك حلًا لهذه الأزمة لغياب الحلول العملية وعدم وجود دولة وحكومة تهتم بمصالح المواطنين ومشاكلهم.
وقال الباحث الاقتصادي علي الحياني إن “أزمة السكن في العراق مزمنة ومشاريع السكن التي تنفذها الحكومة حاليًا لا تغطي سوى 20 -25 بالمائة من العجز الحاصل في الوحدات السكنية”.
وأضاف أن “الحكومة نفذت بحدود 7 آلاف مشروع سكني منذ العام 2003، إلا أن جميع هذه المشاريع لم تكن ذات جدوى تنموية خاصة بحل مشكلة السكن في العراق، إنما كانت مشاريع استثمارية ربحية استفاد منها أصحاب الدخل العالي أو مسؤولون و متنفذون في الدولة”.
وأوضح بأن “هناك نحو 17 مشروعًا سكنيًا قيد الإنشاء في بغداد ومحافظات أخرى، تم توزيعها سلفًا على جهات متنفذة وشخصيات حكومية قبل أن يتم إكمالها، وهناك شركات عقارية اشترت المنازل للاستثمار بهدف بيعها بعد الإنجاز”.
وشدد على أن النمو السكاني المتزايد يتطلب وضع استراتيجية عمل حقيقية بعيدة عن المصالح الحزبية والسياسية، ووضع برنامج حكومي متكامل قابل للتنفيذ ويركز على قطاع الإسكان، بغية توفير الدعم اللازم، لا سيما لمشاريع المدن السكنية الجديدة.
من جهته، شدد الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، على ضرورة منع شراء الوحدات السكنية لمن لديه منزلاً في الأساس لكن يرغب بالمتاجرة فيها، إذ لن تحل الأزمة في ظل بقاء المضاربات التجارية.
وأضاف أن “حل أزمة السكن يتم وفق طرق عديدة، ففي ألمانيا على سبيل المثال، هناك ما يسمى بالسكن الاجتماعي للطبقات الفقيرة، وهذه تكون بلا تكاليف عالية لتناسب الفقير، ويسكن فيها ومن ثم يبدأ بتسديد إما الإيجار أو أقساط البيع”.
وأوضح أن “أراضي المجمعات السكنية تعطى مجانًا للمستثمرين، لذلك ينبغي توزيع الوحدات السكنية للذين لا يملكون سكنًا حصرًا، ومنع مداورتها، لأنها عندئذ تخضع للمضاربات وترتفع أسعارها”.
ويرى المحلل الاقتصادي، عبد السلام حسن حسين، أن “أزمة السكن مفتعلة لربط الدوائر ببعض، مثل وزارة العدل التي هي مختصة بالعقار فهي من المفترض أنها تعمل في العقار فقط، لكنها متشعبة بالعمل في السجون والمحاكم وغيرها، لذلك يجب فصل هذه الدائرة لتكون مختصة فنياً بمفردها، كما أن العقار أيضًا مرتبط بوزارة المالية المتمثل بالضريبة، وكذلك بأمانة بغداد ودائرة البلديات، وحتى حقوق المواطن في هذا المجال ترتبط بـ5 إلى 6 وزارات وكل وزارة تأخذ نسبة من الأرباح”.
واقترح حل أزمة السكن بـ”فصل الدوائر وتكون دائرة واحدة تأخذ النسبة من الرسوم وفق ضوابط وكشف حكومي يحدد سعر العقار، أما الاستثمار فهو الداء والبلاء الذي ليس له علاج باستغلال صاحب الاستثمار الذي يتحكم بمصير العقار، وربما الدولة متقصدة بافتعال هذه الأزمة لحماية الاستثمار والتمويل الذاتي الفاسد”، على حد تعبيره.
وقال المواطن أبو حسين (55 عامًا) الذي يسكن الإيجار في محافظة بابل، إن “أغلب المواطنين لا يستطيعون شراء السكن بسبب ارتفاع الأسعار، سواء قطع الأراضي التي ارتفعت بشكل غير طبيعي أو المجمعات السكنية التي ارتفعت أسعارها أيضاً بصورة مبالغ فيها”.
وأضاف أن “المواطنين أصحاب الدخل المحدود وحتى أصحاب الطبقة الوسطى لا يستطيعون شراء شقة سكنية بسبب الأسعار الخيالية وأقساطها غير المعقولة التي تصل إلى أكثر من 50 مليون دينار كدفعة أولى”.
