لماذا يعلن الجيش الصهيوني خسائره الآن؟
دخلت خطة الاعتراف الصهيوني بالخسائر العسكرية في الحرب على غزة، مرحلة جديدة خلال الأيام الماضية. لاحظ الجميع أن الجيش الصهيوني بدأ الإعلان عن لوائح رسمية بأعداد وأرقام كبيره للجرحى، وبات يتحدث عن نقص الدبابات، وهو الذي كان يكذب من ينشر أرقاما وتقديرات قريبه من ذلك. فماذا وراء هذا التغيير؟
في بداية الحرب وبعد تلقي الضربة الإستراتيجية من المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول “أكتوبر”، كان تركيز الجيش وآلة الدعاية الصهيونية منصبا على نشر الروايات الملفقة لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية، فجرى الترويج لخيالات قطع الرؤوس وقتل الرضع واغتصاب النساء على طريقة أن طلق النار الذي لا يصيب، يثير الفزع. وقتها لم يجر الإعلان عن أعداد القتلى من الجنود والضباط الصهاينة خلال عمليات هذا اليوم المجيد.
ووقتها أيضا، كان يجري نفي أي تسريب يحدث عن خسائر هذا اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي ووصل الأمر حد اعتقال أجهزة الأمن الصهيونية لأحد الصهاينة الذي نشر أرقاما وإحصائيات عن تلك الخسائر.
وبعد انتقال العمليات الصهيونية إلى مرحلة العدوان والتدمير الشامل عبر القصف الجوي والمدفعي، جرى تركيز آلة الدعاية الصهيونية على إظهار حجم الخسائر المحققة للطرف الفلسطيني وأكثرت آلة الدعاية من نشر صور وفيديوهات لحجم الدمار وأعداد القتلى المدنيين وتدمير البنى التحتية جراء هذا القصف الصهيوني الهمجي.
كانت عمليه ممنهجة لتلبية رغبة الجمهور الصهيوني المتعطش للانتقام والدم.
ومع بدء عمليات الغزو والاحتلال اعتمد الصهاينة خطه للتعتيم على خسائرهم في الأفراد والمعدات.
كان وهم تحقيق الانتصار على المقاومة في وقت قصير متوهجا في العقل الصهيوني. كانوا يتعاملون مع خطة إعلان الخسائر بنفس الطريقة التي كانوا تعاملوا بها من قبل خلال الحروب السابقة، حيث كانوا يصمتون ولا يعلنون خسائرهم، إلا بعد انتهاء الحرب.
لكن إعلام المقاومة أجبرهم على إنهاء سياستهم الضبابية، بنشره فيديوهات لعمليات تدمير الدبابات والمدرعات وقتل الجنود والضباط. كما أن الحرب طالت بما يصعب معه وقف تسرب أعداد الخسائر التي تضخمت ملفاتها وتوسع عدد قتلاها وجرحاها. قرروا تغيير سياستهم الإعلامية وتحولوا من سياسة التعتيم إلى سياسة الإفصاح أو الاعتراف. لكن الأمر اقتصر على ما تتمكن المقاومة من توثيقه ونشره صوتا وصورة.
ومع بدء عملية الاعتراف هذه بات الجيش مضطرا-أو مكرها- على وضع عداد للقتلى والمصابين لكسب جانب من المصداقية التي فقدها أمام إعلام المقاومة.
لكن الأمور شهدت تغييرا جديدا في الأسابيع الأخيرة. لقد بدأت عملية مخططه لزيادة حجم المعلن من الخسائر بطرق محددة بعناية حتى لا تتسبب في حدوث انهيار معنوي للجيش أو الجمهور العام.
خلال مناقشة قانون تجنيد الحريديم جرى استثمار الخلاف للإفصاح عن الخسائر البشرية للجيش الصهيوني. وقتها تناثرت أخبار حول حاجة الجيش الملحة لتشكيل لواء من الذين خرجوا من الخدمة. وكان الأبرز في ذلك أن سمع الجميع السياسي الصهيوني أفيغدور ليبرمان، يقول “إن الجيش الإسرائيلي يحتاج لقوة بشرية بعدما فقد لواء كاملا من الجنود سقطوا بالمعركة أو أصيبوا بجراح خطيرة”. وفي تلك المرحلة بدأت صحف ما يسمى باليسار-واليسار هو مكون أساسي من الدولة العميقة في الكيان الصهيوني- في نشر مقالات لخبراء عسكريين يبرزون صعوبة المعارك وعدم القدرة على تحقيق النصر المطلق الذي وعد به نتنياهو. وهناك من نشر إحصاءات متفرقه حول الخسائر في الأفراد والمعدات بأرقام أعلى بكثير مما كان يعترف به الجيش رسميا. ولم يرد الجيش بالتكذيب.
والآن دخل الإعلان عن الخسائر مرحلة جديدة.
بدأت مرحلة الإعلان عن الخسائر بأعداد كبيره. وهي إن لم تكن الأرقام الحقيقية، لكنها تمثل نقلة نوعية في الاعتراف مقارنة بما كان يجري قبلها.
كانت البداية، بعدما نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تقريرا في كانون الأول “ديسمبر” الماضي عن خسائر جيش الاحتلال.
ذكر التقرير أن عدد الجنود الجرحى بلغ نحو 5 آلاف، من بينهم ألفان على الأقل أصبحوا في عداد المعاقين.
وصف التقرير بالصادم فسحبت الصحيفة تقريرها، واعادت نشره بأعداد أقل من القتلى. أدى النشر غرضه في تهيئة الرأي العام الصهيوني للقبول بحجم الخسائر غير المسبوقة.
لكن الأمر أخذ بعدا واضحا في الأيام الأخيرة.
منذ أيام تحدث زعيم المعارضة يائير لابيد عن أرقام صادره عن الجيش الصهيوني، فقال إن عدد المصابين من الجنود خلال الشهور التسعة الماضية بلغ 9254 مصابا، وأن من بينهم 3000 جنديًا بُترت أطرافهم، و650 جنديًا أُصيبوا في العمود الفقري وسيكملون حياتهم على كرسي متحرك. وان هناك 185 جنديًا أُصيبوا بالعمى.
كما أعلن الجيش الصهيوني عن تأجيل قرار دمج المجندات في سلاح المدرعات، بسبب نقص الآليات ونقص المدربين بسبب إصابتهم أو قتلهم.
وهكذا دخلنا في مرحلة جديدة من الاعتراف بالخسائر.
والجيش الصهيوني يعلن هذه الخسائر الآن، ليس فقط لتأهيل الرأي العام لقبول بما هو قادم باعتباره أشد وطأه، بل يأتي النشر أيضا على خلفية رفض توجه نتنياهو وحكومة المهووسين بالقتل، لبقاء الجيش في غزة كقوة احتلال دائمة.