أكاديميون يعرون ادعاءات حكومية بتحقيق مراتب جامعية متقدمة
حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تتخذ من التصنيفات غير الرصينة ومدفوعة الثمن وسيلة لتحسين صورة التعليم بعد 21 عامًا من انحداره نحو الهاوية دون أن تعمل بشكل جاد على انتشال الجامعات العراقية من مستنقع الجهل والتخلف.
بغداد – الرافدين
زعمت وزارة التعليم العالي في حكومة الإطار التنسيقي حصول العراق على مراتب متقدمة في تصنيف علمي تشارك فيه جامعات من مختلف دول العالم قبل أن تكشف أوساط أكاديمية زيف الادعاء، الأمر الذي أثار استهجان الشارع العراقي حيال التلفيق الذي تمارسه الوزارة في وقت يخرج فيه قطاع التعليم في العراق من جميع التصنيفات الدولية المرموقة.
وأعلنت وزارة التعليم حصول العراق على المرتبة الأولى عربيًا والسابعة عالميًا بتصنيف التايمز للتنمية المستدامة من حيث عدد الجامعات المشاركة في نسخة العام 2024 التي شهدت تنافس 2152 جامعة من 125 دولة حول العالم، قبل ان يهنئ رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بهذه المناسبة التي عدها “تأكيدًا لنجاح رؤية الحكومة ونهجها الداعم لتحقيق الجودة الشاملة في التعليم العالي”.
وفند مختصون ومراقبون مزاعم الوزارة بالقول إن “عدد الجامعات العراقية التي دخلت للمنافسة بلغ 58 جامعة، قبل أن تفشل 49 جامعة في الحصول على الحد الادنى من النقاط المحددة للمنافسة من ناحية الخدمات الجامعية والتعليمية والمناهج والبحوث وغيرها”.
وأضافوا أن “الجامعات التي دخلت المنافسة بلغت 9 جامعات فقط وحاز معظمها على تسلسل متأخر في التصنيف وبمراتب تنحصر بين 500-600 على مستوى العالم”.

وتساءل الأستاذ الجامعي طلال ناظم الزهيري بحسن نية كما وصفها “أين هو الإنجاز في هذا الأمر؟ وكيف أصبح عدد الجامعات المشاركة في التصنيف إنجازًا؟ علما أن جامعاتنا العراقية كانت متذيلة الترتيب عربيًا وعالميًا في هذا التصنيف.
وتابع الزهيري “كيف يمكن أن نعد هذا الأمر إنجازًا وجامعة بغداد العريقة جاءت في المرتبة الأربعين عربيًا؟ وكيف يمكن أن نعد هذا الأمر إنجازًا ومعظم جامعاتنا تراجعت إلى المراتب المتأخرة عالميًا؟ كيف نعد هذا الأمر إنجازًا وأفضل معدلات لأهداف التنمية المستدامة لجامعاتنا كانت مابين (44-58%)؟.
وأضاف أن “الدخول في التصنيف اختياري بمعنى أن ظهور الجامعات العراقية لم يكن بسبب جودتها وفعالياتها في السعي لتحقيق التنمية المستدامة، وإنما برغبة منها من خلال التسجيل في قاعدة بيانات التصنيف”.
وأشار إلى أن “جامعات هارفرد وكامبريدج ونيوكاسل والسوربون والعشرات من الجامعات العالمية العريقة غابت من هذا التصنيف في حين لم تظهر الجامعات الأمريكية الرصينة باستثناء بعض الجامعات الحكومية الضعيفة التي لم يسمع بها أحد من قبل لأن هذه الجامعات العريقة تدرك تمامًا أنها عريقة وسمعتها العلمية لا تحتاج إلى رتبة في هذا التصنيف أو ذاك، فضلًا عن أنها لا ترهن نفسها بتقييم جهات ومؤسسات لا أحد يعرف من ورائها”.
وخلص الأكاديمي الذي عمل أكثر من 25 عامًا في مهنة التعليم الجامعي بالقول إنه “من المحزن أن نضع جامعة بغداد وغيرها من الجامعات العراقية العريقة تحت رحمة التصنيفات لأن الارتقاء بالتعليم العالي طريقه يختلف تمامًا عن نتائج التصنيفات، وأكاد أجزم أن الجميع يعرف مسارات هذا الطريق، إلا أن قرار السير فيه مؤجل في الوقت الراهن”.
بدوره طالب المرصد العراقي للحريات الأكاديمية وزارة التعليم العالي بالاعتذار الصريح عن “الاستخفاف وتعريض سمعة العراق الأكاديمية الى الإساءة” في بيان حمل عنوان “أتستخفون بعقولنا”.
وتساءل المرصد في البيان “كيف يستخفون بعقولنا ونحن والعالم أجمع يعلم بأن التصنيفات حول العالم ليس بعدد المشتركين بها بل مايتم تحقيقه من الجامعات المشاركة عن كل دولة من مراتب؟”.
وبين أنه “للسنة الثانية على التوالي تعلن الوزارة عن منجز، وتوهم الدولة بكافة طواقمها بتحقيقها إياه وهو بعيد كل البعد عن الواقع”.

وسبق أن زعمت وزارة التعليم التي يرأسها نعيم العبودي القيادي بميليشيا العصائب الذي أعلن بشكل واضح ولائه للمرشد الإيراني علي خامنئي، “حصول العراق للمرة الأولى على المرتبة 37 عالميًا” من دون أن توضح الجهة التي منحتها المرتبة، وأين صدر هذا التصنيف.
وعرضت وكالة الانباء الحكومية في مخطط ما أسمته “إنجازات وزارة التعليم ضمن المنهاج الحكومي” وهو عبارة عن فقرات فارغة من أي معلومة وجمل ملفقة عن إنجازات وتصنيفات وهمية.
وجاء ذلك متزامنًا وقتها مع تعرية الجمهور العراقي عبر منصات التواصل الاجتماعي تلفيقات وزارة التعليم عندما زعم العبودي أن جامعة عراقية حصلت على المرتبة 37 في تصنيف التايمز.
وعرض المغردون صورة من التصنيف حيث تبين أن المرتبة 37 عالميًا هي لجامعة “مولبورن” في استراليا، بينما حلت جامعة “بغداد” في تصنيف التايمز نفسه في التسلسل 1501.
وفي أحدث تصنيف عالمي خلال عام 2024 حل العراق بالمرتبة 85 عالميًا من أصل 218 دولة، وبالمرتبة 11 عربيًا بمؤشر جودة التعليم الجامعي عالميًا، متخلفًا بمركزه عن العديد من الدول النامية والفقيرة.
ويعتمد التصنيف الذي أعدته منصة “انسايدر مونكي” المتخصصة في التصنيفات والتحليلات على 3 معايير وهي عدد الجامعات المصنفة ضمن أفضل 1000 جامعة، ومتوسط ترتيب الجامعات في هذا التصنيف، ونصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على التعليم.
وضم التصنيف 218 دولة، وجاءت السعودية بالمرتبة 16 عالميًا والأولى عربيًا، وحلت دولة الإمارات في المرتبة 20 عالميًا والثانية عربيًا، ثم لبنان ومصر والأردن والكويت والبحرين وقطر وعمان وتونس، ومن ثم العراق بالمرتبة 85 عالميًا والـ11 عربيًا.
ومن الملفت للانتباه ان بلد مثل بنغلاديش الذي تغزو عمالته العراق، تفوق على العراق بمتوسط ترتيب جودة التعليم الجامعي وجاء بالمرتبة 60 متقدمًا على العراق بـ 25 مرتبة.
ونتيجة للفساد والصراع الحزبي بعد عام 2003 خرجت الجامعات العراقية من جميع التصنيفات العالمية الرصينة لجودة التعليم العالي مثل تصنيف شانغهاي العالمي للجامعات وتصنيف مجلة التايمز البريطانية.
وتتجاهل وزارة التعليم العالي تحذيرات نخب أكاديمية وأساتذة جامعات من غياب النزاهة والرصانة الأكاديمية وانعكاس ذلك على واقع التعليم في البلاد.

وسبق ان بينت نقابة الأكاديميين أن وزارة التعليم العالي تحولت إلى مؤسسة ترويج لبعض المواقع الإلكترونية والمكاتب، محذرة مما وصفتها بفوضى التصنيفات الوهمية مع وجود مجلات ومواقع مزيفة لنشر البحوث الأكاديمية.
وقال نقيب الأكاديميين العراقيين مهند الهلال إن “التصنيفات التي تتنافس عليها الجامعات العراقية هي في الغالب تجارية ووهمية، عدا التصنيفات العالمية المعروفة كـشانغهاي والتايمز وغيرهما”.
وأشار إلى أن “تلك التصنيفات عبارة عن مواقع إلكترونية تتنافس عليها الجامعات وتضغط على التدريسي للنشر فيها، وأن التدريسيين يضطرون للذهاب إلى مكاتب تمارس الاحتيال الأكاديمي في كتابة البحوث والأطاريح، وكشف عن أن عددها وصل إلى 600 مكتب داخل العراق وخارجه مسلطة فقط على الباحثين وطلاب الدراسات العليا العراقيين”.
ودعا إلى “الحد من هذه الظواهر التي تمس بشكل مباشر معايير النزاهة الأكاديمية عن طريق التأكد من هذه المستوعبات، لافتًا إلى أن الوزارة باتت عبارة عن مؤسسة للترويج لبعض المواقع الإلكترونية والمكاتب”.
وحذر “من عقوبات كبيرة وكثيرة قد تواجه من ينشر بحثًا في هذه المستوعبات، مؤكدًا وجود مجلات مجهولة المصدر، وهي عبارة عن حقل تجارب، ضحيته الأستاذ وطالب الدراسات العليا والباحث، وعليه يجب التمحيص جيدًا من قبل الملاكات العلمية والبحثية لتكون بديلًا ناجحًا وموثوقًا به بدلًا من فوضى النشر والمستوعبات”.
ومارست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق مؤخرًا ضغوطًا على الجامعات الحكومية والأهلية كي تطالب الأساتذة وطلاب الدراسات العليا بنشر بحثين على الأقل سنويًا في مستوعبات “سكوباس”، وهي قاعدة بيانات للملخصات والاستشهادات المرجعية الخاصة بالإنتاج الفكري.
ولوحت الوزارة باحتمال فقدان الأساتذة والطلاب ميزات كثيرة في حال عدم فعلهم ذلك، وتعطيل ترقياتهم العلمية، ما أفسح المجال أمام انتشار غير مسبوق لمكاتب البحوث والمجلات العلمية غير الرصينة التي تسعى إلى تحقيق الأرباح.
ويرى الأكاديمي محمد الربيعي، أن انتشار ممارسات التزوير والانتحال في النشر خصوصًا كتابة الأطاريح أو البحوث من قبل البعض، يعود إلى عدم خضوع البحث العلمي إلى مراقبة وتقييم زمني رصين وإلى فقدان النزاهة الأكاديمية.
ويؤكد الربيعي أن “الاستعانة بمكاتب لكتابة الأطاريح والبحوث يكشف عن أساليب التلاعب التي يمارسها البعض في سبيل الحصول على الشهادة العليا أو لزيادة عدد بحوثه بعد أن أصبحت الكمية هي المعيار وليست نوعية البحوث المقدمة”.
ويتابع “المكاتب التي تقوم بكتابة الأطاريح والبحوث ونشرها تقدم خدمة مخادعة سريعة للطلبة، الذين يبحثون عن وسائل سهلة وسريعة للحصول على الشهادة”.
وشهد العراق إضافة إلى فوضى التصنيفات العلمية الوهمية والأطاريح مدفوعة الثمن بعد عام 2003 ارتفاعًا كبيرًا في عدد الجامعات الأهلية بنسبة أكثر من 500%، وصولاً إلى 66 تحظى باعتراف وزارة التعليم العالي.
وتضم هذه الجامعات أكثر من 570 قسمًا في اختصاصات الطب والهندسة والعلوم الإنسانية، في حين يبلغ عدد الجامعات الحكومية 35 جامعة فقط.
ولا تعتمد الكليات الأهلية التي تعود لمستثمرين يرتبط معظمهم بجهات سياسية وحزبية معيار المعدل (درجة الطالب) بالقبول، بل هناك فارق كبير بين معدل قبول الطالب المتخرج من المرحلة الثانوية المتقدم للكليات الحكومية، ومعدل الخريج المتقدم إلى الأهلية الأمر الذي ساهم في تدهور التعليم ومخرجاته بشكل عام.
واظهرت نتائج الامتحانات التقويمية مؤخرًا مستويات متدنية لمعظم الجامعات والكليات الاهلية وسط دعوات لإعادة النظر في آليات التدريس ومستوى الالتزام بالمعايير العلمية.