أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

حقوق الموظفين العراقيين مسلوبة أمام مليارات مخصصة للأحزاب والميليشيات

تظاهرات حاشدة في بغداد وعدد من المحافظات للمطالبة بتعديل سلم الرواتب والبرلمان يتهرب ويحاول رمي الكرة في ملعب حكومة الإطار التنسيقي.

بغداد – الرافدين
حمل برلمانيون ومراقبون حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني مسؤولية عدم إقرار قانون سلم الرواتب للموظفين والعاملين في القطاع العام.
وعلى الرغم من وجود فوارق كبيرة بين المخصصات المالية للوزارات المختلفة والمؤسسات والدوائر والهيئات الحكومية إلا أن جهات رقابية تجمع على أن أحزابًا وميليشيات مسيطرة على وزارات في الحكومة، تحول دون إقرار قانون سلم الرواتب، للإبقاء على رواتب ومخصصات عناصرها في تلك الوزارات.
ويجمع خبراء في الاقتصاد والقانون على عدم وجود الرغبة الحكومية وعجز الموازنة ما زالا يخيمان على هذا الملف، وأن العديد من الفئات مستفيدة من هذا الوضع، محذرين من أن عدم حل القضية سيترك تصدّعا اجتماعيا وليس اقتصاديا فحسب.
وخرج الآلاف من الموظفين تحت درجة حرارة مرتفعة، في تظاهرات حاشدة متوجهين إلى المنطقة الخضراء المحصنة وسط العاصمة بغداد مطالبين بتعديل سُلم الرواتب في ظل ارتفاع نسبة التضخم السنوي في البلاد.
وطالب المتظاهرون بتعديل سلم الرواتب لما فيه من “ظلم وإجحاف” مقارنة مع أقرانهم من موظفين في وزارات تمنح مخصصات أعلى بكثير من غيرها، ملوحين بالاستمرار في التظاهرات في حال كان هناك تسويف ومماطلة لحقوقهم المسلوبة منذ العام 2008.
وفي محاولة لرمي الكرة في ملعب الحكومة، حمل عدد من البرلمانيين مجلس الوزراء مسؤولية عدم تعديل سلم الرواتب للموظفين والعاملين في القطاع العام.
وطالب عضو مجلس النواب العراقي رائد المالكي الحكومة الاتحادية بإرسال قانون مجلس الخدمة المدنية الاتحادي لغرض تشريعه.
وقال المالكي إن مشروع قانون الخدمة المدنية الذي يجمع 4 قوانين من بينها قانون سلم الرواتب كان لدى البرلمان، مضيفًا أن مجلس الوزراء قام بسحب هذا القانون من البرلمان رغم المطالبات المتكررة من النواب لإرجاعه لغرض تشريعه.
وبينما يطالب نحو 70 بالمائة من الموظفين العراقيين الذين تُقدر أعدادهم بنحو خمسة ملايين بإقرار قانون سلم الرواتب إلا أن رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني وصف ملف تعديل سلم الرواتب بأنه “مسألة حساسة”، مؤكدًا العمل على “الوصول إلى صيغة تحقق العدالة”.

المواطن العراقي محروم من أبسط حقوقه

ومع تصاعد الاحتجاجات في بغداد وعدد من المحافظات للمطالبة بتعديل سلم الراتب للموظفين، استبعد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إقرار قانون سلم الرواتب بسبب عدم وجود رغبة لدى الحكومة.
وقال “تعديل سلم الرواتب ممكن لو توفرت الإرادة، لكن حتى الآن يبدو أن الحكومة لا ترغب بهذا التعديل لأنه يتطلب تعديل 34 قانونًا، وهناك فئات من الموظفين مستفيدة من الوضع الحالي”.
وأضاف أن “إعادة التوازن في سلم الرواتب من مسؤولية الحكومة العراقية، فالفجوة كبيرة اليوم بين أعلى الرواتب وأدناها قد تصل إلى أضعاف مضاعفة، وهذا أمر غير منطقي وغير مقبول”.

نبيل المرسومي: الحكومة لا ترغب بتعديل سلم الرواتب لأنه هناك فئات من الموظفين مستفيدة من الوضع الحالي

ولفت إلى أن إعادة التوازن يمكن من خلال رفع مرتبات بعض الفئات الدنيا، وتقليص مخصصات الدرجات الخاصة، وهذا هو الحل المنطقي، أما إضافة مبالغ جديدة إلى الموازنة، فهذا الأمر مستبعد لأنه يتطلب إضافة 11 ترليون دولار، وهذا خارج قدرة الدولة.
ويبلغ الحد الأدنى لرواتب موظفي الدرجات الدنيا بسلم الرواتب الدرجة العاشرة، الراتب الأسمي 170 ألف دينار، تلحقه مخصصات الزوجية 50 ألف دينار، ومخصصات الأطفال 10 آلاف دينار لكل طفل لغاية أربعة 4 أطفال. وبالتالي يبلغ المجموع 260 ألف دينار مقطوع منها 17 ألف دينار توقيفات تقاعدية، وبهذا يكون الراتب الصافي للموظف 243 ألف دينار فقط، وفق منسق وزارة الموارد المائية للمطالبة بتعديل سلم الرواتب، ناصر محمد العبد.
ويؤكد العبد، أن التظاهرات ستستمر في حال كان هناك تسويف ومماطلة لتعديل سلم الرواتب، لكن إذا وضعت الحكومة سقفًا زمنيًا محددًا للتعديل حينها سيتم التوقف عن التظاهرات.
وحول طبيعة التفاوت، يؤكد الخبر الاقتصادي نبيل المرسومي أن “إعادة التوازن في المرتبات مهم جدا ليس على الوضع الاقتصادي فحسب، فالوضع الاجتماعي متصدع أيضا لأن هناك 4 ملايين موظف أغلبهم لا يشعر بالعدالة، لذا يجب أن يحظى الموضوع باهتمام أكبر وأن تتجنب الحكومة والبرلمان استغلال هذا الملف بالوعود والدعاية لأغراض سياسية وانتخابية”.
وعد النائب أمير المعموري، الكثير من الدوائر والوزارات بأنها بيئة طاردة، بسبب عدم العدالة الاجتماعية حول سلم الرواتب، مضيفًا أن “من واجبنا هو حقوق الكثير من الموظفين، حيث نعمل وفق الدستور والقوانين المشرعة، وستكون هناك خطوات أخرى بخصوص سلم الرواتب كي تكون الصورة واضحة أمام الموظفين بالدوائر الحكومية”.

عمار الزيدي: الحكومة معروفة بالمماطلة والتسويف، وتظاهرات الموظفين ستعود في حال عدم تلبية المطالب

يشار إلى أن سلم الرواتب الجديد، يتضمن تخفيضًا للمخصصات المرتفعة في بعض الوزارات والشركات، وحسب ما أوضح رئيس اللجنة المالية النيابية السابق هيثم الجبوري، أن “هناك توجهًا لتحديد الراتب الأعلى في الدولة، وألا يزيد الراتب الاسمي للحد الأعلى عن أربعة أضعاف الراتب الأدنى، من أجل تقليل الفوارق”.
وفي ظل الحديث عن العجز في الموازنة العامة للدولة، يذكر الباحث في الشأن الاقتصادي، همام الشماع أن “خيار تعديل الرواتب غير ممكن بحسب أرقام الموازنة المعلنة، لأن العجز كبير والنفقات هائلة، وهناك انعدام للعدالة في توزيع الموارد على الشعب، فعلى سبيل المثال أن تخصيصات الدوائر والتشكيلات التابعة لمجلس الوزراء تصل إلى نصف تريليون وتدخل فيها رواتب الحشد الشعبي والمخابرات والأمن الوطني”.
ويضيف الشماع، أن “مطالب الناس بسلم رواتب جديد مشروعة بسبب سوء التوزيع، لكنها غير متاحة بسبب الوضع الاقتصادي العام الذي لا يساعد على زيادة النفقات الجارية، فالعراق معتمد كليا على الإيرادات النفطية وأي زيادة في النفقات تؤدي إلى زيادة في عجز الموازنة، كما من الخطأ تحميل الأجيال القادمة قروضا وديونا كبيرة”.
إلى ذلك، يؤكد الخبير القانوني عقيل عوكي أن “العديد من القوانين التي عرضت على مجلس النواب جرى رفضها بسبب احتوائها على جنبة مالية، وفقا للسياسة المالية الأخيرة للحكومة وبسبب العجز الذي تدعيه”.

مصطفى الفرج: هناك مليارات تُخصص سنويًا للرئاسات الثلاث ولأعضاء البرلمان فهذه أموال كثيرة تصرف من الموازنة، وكل هذه يمكن تعديلها لصالح سلم الرواتب

ويضيف أن “وجود قوانين خاصة تعرقل إقرار سلم الرواتب هي شماعة تستخدمها الحكومة لعدم تمرير هذا القانون، فمن الممكن تعديل القوانين بطريقة وأخرى إذا كانت هناك رغبة في الوصول إلى نتائج مرضية للأطراف المعنية”.
ويشير إلى أن “موضوع سلم الرواتب أخذ صدى كبيرًا وحيزًا واسعًا في الإعلام ولفترة طويلة، لكنه لن يرى النور بسبب العجز المالي وعدم وجود تخصيصات مالية للتعديل المنشود لسلم الرواتب”.
من جهته، يقول رئيس اللجنة التنسيقية العليا لموظفي العراق، عمار الزيدي، إن “التظاهرات مستمرة منذ أربع سنوات للمطالبة بتحقيق العدالة وإنصاف موظفي الدولة من خلال سلم رواتب عادل ومنصف لموظفي الدولة كافة، خاصة في هذا الظرف الحرج في ظل الغلاء المعيشي وارتفاع صرف الدولار”.
وأضاف أن “الموظف يتقاضى راتبًا أسميًا 170 ألف دينار، وهناك من بنفس الشهادة والخدمة والوزارة يتقاضى أكثر من مليون دينار، فهذا ظلم وإجحاف لموظفي الدولة”.
وأشار إلى أن الحكومة معروفة بالمماطلة والتسويف، لكن تم اعطاؤهم مهلة لنهاية شهر آب وسيتم النزول للشارع مرة أخرى والمطالبة مجددًا بهذه الحقوق المسلوبة منذ عام 2008 وإلى حد الآن في حال عدم تلبية مطالبهم.
ولفت إلى أن “هناك اختراقات في المخصصات من قبل بعض المتسلطين والمتنفذين في الحكومة، حيث إن القانون ينص على أن أعلى المخصصات تصل إلى 200 بالمائة، لكن هناك مخترقين من المتنفذين والمتسلطين تصل مخصصاتهم إلى 900 بالمائة، وهذا أمر غير مقبول وخرق للقانون والدستور حسب المادة 16 منه، لذلك مستمرون بالمطالبة لحين تحقيق مطلبنا والعدالة بين موظفي الدولة العراقية كافة”.
ويعد سلم الرواتب “مطلبًا جماهيريًا واستحقاقًا للموظفين أسوة بباقي الموظفين من أقرانهم وذلك لوجود ازدواجية في توزيع الرواتب للموظفين ولبعض الوزارات، لذلك يجب على الحكومة المضي بتعديل سلم الرواتب، وتكون هناك عدالة في توزيع الرواتب للموظفين بما يناسب عمل الموظف”، بحسب الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج.
ويشرح الفرج، عبارة “بما يناسب عمل الموظف” بالقول، “حيث هناك خطورة لعمل بعض الموظفين، كما هناك ساعات عمل إضافية، وهؤلاء يكون لديهم استثناءات كمهندسي الكهرباء والعمال وشركات توزيع المنتجات النفطية وغيرهم، فهؤلاء لهم خصوصية، لكن كسلم رواتب بصورة عامة يجب تغييره بما يتناسب مع الحالة المعيشية للمواطنين”.
وأكد، أن “سلم الرواتب أحد الفقرات التي ألزمت الحكومة نفسها بها، وذلك بجعله من ضمن برنامجها الحكومي المقرر تنفيذه”.
ويوضح الخبير الاقتصادي، أن “هناك مليارات تُخصص سنويًا للرئاسات الثلاث، وكما هناك تريليونات تُخصص لأعضاء مجلس النواب إضافة إلى رواتبهم التي تصل إلى 10 ملايين دينار، فضلاً عن بدل سكن ورواتب لحمايتهم وسيارات وغيرها، كما هناك موظفين يستلمون حتى 4 رواتب وجميعها عالية، فهذه أموال كثيرة تصرف من الموازنة، وكل هذه يمكن تعديلها لصالح سلم الرواتب الذي يطالب به قرابة 70 بالمائة من الموظفين الذين تُقدر أعدادهم بنحو 5 ملايين موظف في عموم العراق”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى