الثقافة الوطنية تتحول إلى تهمة سياسية في العراق
العالم العربي يحتفي باليوم العربي للثقافة بينما تتحول الثقافة في العراق إلى نوع من الهزل فيما تعمل إيران لاختراق العقل العراقي في حرب ثقافية تدرك أهميتها وتأثيرها على المزاج الشعبي العراقي.
بغداد- الرافدين
أجمع أدباء وكتاب وباحثون عراقيون على أن الحديث عن “اليوم العربي للثقافة” في الخامس والعشرين من تموز كل عام، لا يحمل أي جديد إن لم يكن نوعًا من الهزل الثقافي.
وقالوا إن الثقافة العراقية تعاني من أزمة وجودية وتراجع الثقافة الوطنية، وتحول نسبة كبيرة من المثقفين إلى هوامش لتبرير فساد أحزاب طائفية، وتم الإجهاض على التعليم وتحولت وسائل إعلام إلى دكاكين ناطقة باسم الفاسدين.
وانهارت القيم الإبداعية التي عرفت في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، وانقاد المثقف العراقي لسطوة الرداءة في صناعة الخطاب السائد والرائج بين مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.
واكتفى نسبة من المثقفين العراقيين بالصمت حيال تردي معايير الثقافية بينما تتراجع نوعية صناعة الثقافة في العراق كمعادل لخطاب سياسي وطائفي سائد.
وتحتفي اليوم الدول العربية بـ “اليوم العربي للثقافة”، والذي أعلنته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو” في الخامس والعشرين من تموز سنويًا.
ويأتي الاحتفاء للتأكيد على أهمية الثقافة ودورها المحوري في توحيد الجهود العربية ودعوة إلى الوحدة والتكاتف من أجل النهوض بالمجتمعات العربية وبثقافتها. ذلك باعتبار أن الثقافة هي تمثل الهوية لأي شعب من الشعوب والتي تتجسد في سلوكياته وأسلوب الحياة والسلوك.
ويأتي الاحتفال باليوم العربي للثقافة بعد أيام من وصف الروائية والمترجمة العراقية لطفية الدليمي الواقع الثقافي والإعلامي في العراق بأنه أشبه بـ “وسادةٌ محشوّة تبنا وهراء”.
وكتبت الدليمي التي تعد من جيل الستينيات في الرواية العراقية ونشرت أكثر من عشرين رواية ومجموعة قصصية وتراجم” يبدو أنّ القائمين على أمر الثقافة العراقية – وسياساته الإعلامية – قد أصابتهم عدوى مقاولي الأرصفة المقرنصة. البنى التحتية البغدادية والعراقية في أسوأ أحوالها. هذا ليس مهما. المهمّ هو ما تراه العين. لا عليك بالحشوة. إختر لوسادتك قماشا مزركشا وحسب؛ ولن يهتمّ الناس بعد ذلك بأن تكون محشوة تبنا أم ريش نعام “.
وقالت في إشارة إلى استضافة عشرات الإعلاميين العرب في مهرجان لصناعة الرداءة الإعلامية من قبل مجلة رقمية جديد أسمها “السيدة الأولى” “لا أعرف سرّ الوضاعة وفقدان الثقة بالنفس اللتين يعانيها المسؤولون العراقيون الممسكون بأمر الثقافة العراقية. يبدو أن لا ثقة لهم بالمنتوج الوطني ولم يعملوا أصلاً لتوطين الثقافة العراقية على الرغم من أنّ بعض أكابر الصحفيين والإعلاميين العرب كانوا عراقيين خلّصا خريجي المدرسة الصحفية العراقية الرصينة”.
ووصفت الدليمي التي كتبت “نساء زحل” واحدة من أروع الروايات التي تجسد الحرب على الهوية التي قادتها الميليشيات الطائفية “الثقافة الحقيقية نتاجُ جهد ومثابرة واجتهاد وليست صنعة ملابس مبهرجة و(نجوم) منفوخين يركبون جكسارات”.
ويتحمل المثقف العراقي نسبة كبيرة مما وصل إليه حال الثقافة في البلد، منذ اشتراكه في الترويج للاحتلال الأمريكي عام 2003، وعمل نسبة كبيرة من “المثقفين” العراقيين بوظيفة مستشارين عند الحاكم الأمريكي للاحتلال آنذاك بول بريمر.
واستمر الحال عندما تطوع عدد من الكتاب والصحافيين والأدباء العراقيين للعمل كأصوات دعائية في ماكنة الأحزاب الطائفية الحاكمة وتبرير فسادها.
فيما انساقت نسبة كبيرة منهم للترويج للخطاب الحكومي على حساب صناعة الثقافة الوطنية بينما يعيش العراق في أزمة وجودية لم يعش مثلها في تاريخه المعاصر بعد أن ساد الخطاب الطائفي وتم التنكر للخطاب الوطني وتشوه صورة رموزه الثقافية والفكرية.
وقال مثقفون عراقيون إن إيران بعد أن تحسست انكسار خطابها السياسي في العراق عبر أحزاب طائفية وميليشيات قاتلة، منذ أن أحرق وداس المتظاهرون في ثورة تشرين على صور المرشد الإيراني علي خامنئي في كربلاء وبغداد والبصرة، تعمل حاليًا لاختراق العقل العراقي في حرب ثقافية تدرك أهميتها وتأثيرها على المزاج الشعبي العراقي.

مثقفو الطوائف أكثر من مثقفي العراق!
وشددوا على أن الحرب الثقافية هي سلاح خطير بيد إيران حاليًا لاستمرار هيمنتها على العراق، مؤكدين على أنه أخطر الأسلحة وأسرعها تأثيرًا.
وطالبوا الكتاب والباحثين والفنانين العراقيين بعدم الوقوع بالفخ الإيراني الجديد والمشاركة في أعمال تهدف إلى تمرير استراتيجية طهران في الهيمنة على المنطقة.
وتموّل إيران أكثر من ستين مؤسسة عراقية، بين قنوات إعلامية ومراكز ثقافية وأسست بواسطة ممثليها في العراق ما يعرف بـ “الاتحاد العام للإذاعات والتلفزيونات العراقية” تدعو بشكل معلن إلى تبني فكرة “ولاية الفقيه” فضلا عن إشاعة الخطاب التاريخي الفارسي في نظرته الطائفية إلى الإسلام.
وتحفل المكتبات العراقية بكتب تاريخية ملفقة بطبعات إيرانية على غرار كتاب “الاحتجاج” للطبرسي الذي يعد أكثر المؤلفات زيفًا في قراءته للتاريخ الإسلامي، ووصل الحال بالمطابع الإيرانية إلى نشر كتب عراقية معاصرة بعد تلفيق فصول فيها كما في كتب علي الوردي وعزيز السيد جاسم.
وكتب الشاعر والناقد التشكيلي العراقي فاروق يوسف “كل ذلك يمكن تفهمه في ظل الحقائق التي فرضها الاحتلال الأمريكي الذي استعان بالخبرة الإيرانية في فرض خرائطه على الأرض. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن الأمريكان من غير الخبرة الإيرانية ما كانت لهم القدرة على إفراغ الروح العراقية من محتواها المتمرد ولما تحققت لهم صورة العراق الضعيف التي يرغبون في الوصول إليها”.
وأضاف يوسف الذي يعد من بين المثقفين الرافضين للاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق وأشد من عرى مثقفي الاحتلال “في دولة العراق الجديد صار السؤال الوطني مستبعدا. بل إن هناك من يسخر من (الوطنية) كونها من وجهة نظره تنتمي إلى عالم صدام حسين ويُتهم من ينادي بها بالحنين إلى الماضي”.