اختفاء خمسين ألف باكستاني خلال زيارة عاشوراء يفضح سوء إدارة المنافذ الحدودية في العراق
تورط ميليشيات بتوفير الحماية للمخالفين الأجانب داخل العراق بغرض إشراكهم بقضايا بيع المخدرات والاتجار بالبشر والعمليات الإجرامية الأخرى أمام مرأي الجهات الأمنية.
بغداد ــ الرافدين
حذر مراقبون للشأن العراقي من مخاطر وتداعيات دخول الوافدين الأجانب إلى البلاد دون أي متابعة حقيقية من قبل الجهات الحكومية، الأمر الذي بات يشكل خطرًا حقيقيًا على المستويين الأمني والاقتصادي، ما يستدعي إلى تشديد الإجراءات وأخذ الموافقات اللازمة للحد من تدفق الأعداد الكبيرة بصورة غير شرعية مقابل تسهيلات حكومية تشجع على بقاء الأجانب داخل البلاد بطرق غير قانونية.
وكشف وزير الشؤون الدينية الباكستاني شودري سالك حسين عن اختفاء نحو خمسين ألف باكستاني في العراق خلال زيارة عاشوراء دون تحديد الفترة التي اختفوا فيها، وشدد على إنهم “اختفوا” للدلالة على عدم وجود أي أثر لهم لدى الحكومة الباكستانية.
ويشكل اختفاء هذا العدد الهائل من غير العراقيين على أرض العراق خطرًا على الأمن الوطني عدا ما يلحقه من فوضى في سوق العمالة والتشغيل غير الشرعي الموجود في البلاد.
وأقر وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، بالتحقيق في أنباء تسرب خمسين ألف سائح باكستاني للعمل بشكل غير قانوني في العراق أثناء تأديتهم زيارة عاشوراء.
وأشار إلى تزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد، مؤكدًا أن العراق شهد توافد سياح من مختلف البلدان خلال الأيام الماضية ومن بينهم الباكستانيون، إلا أن العديد منهم بدأوا بالانخراط في سوق العمل دون التصاريح القانونية المطلوبة.
وأثارت تلك الأنباء قلقًا شعبيًا واسعًا في العراق، حيث تساءل العديد من العراقيين عن كيفية بقاء هذا العدد الهائل من الباكستانيين دون رقابة، وما إذا كانوا يشكلون تهديدًا أمنيًا محتملًا.
وقال الباحث القانوني عمار الشمري إن بقاء هذا العدد الكبير من الباكستانيين في العراق يشكل تهديدًا واضحًا للأمن القومي، حيث يمكن استغلالهم من قبل جهات خارجية لزعزعة استقرار البلاد.
وأضاف أن انتشار العصابات الباكستانية يعكس ضعف الرقابة ويشير إلى وجود خلل في التنسيق بين الجهات الأمنية، بدءًا من الحدود وحتى الجهات المسؤولة عن المغادرة والمتابعة.
واعتبر أن الحكومة الحالية بحاجة إلى تبني سياسات أكثر صرامة لتنظيم العمالة الأجنبية، بما في ذلك تعزيز إجراءات الفحص الأمني وتحديد القطاعات التي يسمح فيها بتوظيف الأجانب، فضلًا عن تطوير التعاون بين الأجهزة الأمنية لضمان مراقبة العمالة الأجنبية ومنع استغلالها في أنشطة غير قانونية.
يذكر أن وزير الداخلية الحالي عبد الأمير الشمري قد وجه في وقت سابق على تسهيل عملية دخول الزوار الباكستانيين إلى العراق، مشيرًا إلى تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الإجراءات بهدف استقبال 100 ألف زائر لأداء مراسم الزيارة الأربعينية التي ستقام خلال الأسابيع المقبلة.

ونظرًا لعدم وجود معلومات مسجلة عن مكان وجود وهوية الوافدين الأجانب الذين لا يمتلكون التصاريح قانونية، فقد أصبحوا يشكلون عبئًا وتهديدًا أمنيًا كبيرًا يضاف للتهديد الاقتصادي والاجتماعي لهذه الظاهرة.
وأعلنت الشرطة المحلية في جانب الرصافة مؤخرًا عن ورود معلومات تفيد بوجود ستة أشخاص من الجنسية الباكستانية مستأجرين أحد الدور السكنية ضمن منطقة الكريعات ببغداد حيث يقومون بتهديد المواطنين وإزعاجهم والتجاوز عليهم.
وسبق أن أشارت اللجنة الأمنية في البرلمان الحالي إلى انتشار شبكات الجريمة المنظمة التي يقودها باكستانيون في بغداد ومحافظات أخرى، حيث تشكل خطورة على الوضع الأمني العراقي.
ويرى ناشطون أن انتشار العصابات الباكستانية في العاصمة ومحافظات أخرى يمثل انتكاسة حقيقية للواقع الأمني وتعكس فشلًا حكوميًا في ضبط الملف الأمني.
وانتقد الناشطون ضعف الأجهزة الأمنية بالسيطرة على أعداد الوافدين الأجانب ومتابعتهم، مضيفين أن ممارسة عصابات يحمل أفرادها الجنسية الباكستانية أنشطة تهدد الأمن والمجتمع أمرًا يثير السخرية والاستغراب، خاصة وأن العراق يمتلك أكثر من مليون عنصر أمني.
وأضافوا أن الحقيقية تقتضي عدم الاستغراب من وجود عصابات باكستانية تعمل في العراق، لأن الكثير من الجهات التي تمسك بالملف الأمني متورطة بممارسة الجريمة المنظمة لدوافع مالية.
ولفتوا إلى أن العصابات الأجنبية لا يمكن لها ممارسة أنشطتها في العراق دون أن يكون لها ارتباط بجهات عراقية.
وترتبط عصابات الجريمة الأجنبية ومنها الباكستانية بميليشيات مسلحة متنفذة بالبلاد تمارس جرائم تجارة المخدرات والأعضاء البشرية والابتزاز وغيرها.
وقال الناشط المدني قاسم حميد إن شركات محلية تمارس عمليات تهريب واستيراد وتصدير العمال الآسيوية والأجنبية بالاحتيال وخارج القانون، وأن بعض هذه الشركات تستند إلى ثقل سياسي أو لها ارتباطات بجهات مسلحة نافذة، مؤكدًا أن هناك حاجة لرقابة فعلية على هذا الملف، لأنه بات يهدد أمن العراقيين.
وتفتح هذه الحادثة أبواب التساؤل عن احتمالات انخراط عمالة أجنبية في عصابات الجماعات والعصابات المنظمة.
وبحسب المصادر الحكومية فإن أغلبية العمالة الأجنبية تدخل إلى العراق بصورة غير شرعية عبر المنافذ الحدودية الجنوبية والشمالية مع إيران.
وتستغل العمالة الأجنبية أوقات الزيارات الدينية التي يتدفق خلالها الإيرانيون إلى العراق حيث يدخلون بحجة أنهم يرغبون في زيارة العتبات الدينية.
وهناك الآلاف من العمال الآسيويين في العراق، وهم بلا إقامة وتقوم الجهات التي تستغلهم بإخفائهم ومنعهم من التحرك بحرية كاملة في مناطق عملهم، وأن بعض العمال بلا حماية قانونية، بالتالي فإن احتمالات استغلالهم في أعمال عصابات الجريمة المنظمة واردة.
ووصف العميد المتقاعد عدنان الكناني، الحملة الأمنية تجاه الوافدين الأجانب المخالفين بأنها جاءت متأخرة، خصوصًا أن هناك عصابات خطيرة شكلت من قبل بعض الوافدين الأجانب الداخلين بصورة غير شرعية، وهذه العصابات أصبحت مرتبطة بعصابات ومافيات محلية تشكل تهديدًا خطيرًا على مختلف الأصعدة.
وبين الكناني أن بعض المخالفين لشروط الإقامة من الأجانب، يتم استغلالهم من قبل بعض العصابات لغرض إشراكهم بقضايا بيع المخدرات وحتى الاتجار بالبشر، والعمليات الإجرامية الأخرى وهذا الأمر مسجل لدى الجهات الأمنية، خصوصًا بعد كشف عصابة خطيرة تضم أشخاصًا باكستانيين، لها أعمال إجرامية مختلفة في البلاد.
وتؤثر هذه الظاهرة سلبًا على الاقتصاد الوطني وتنافسية سوق العمل، بسبب التهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين.
وقال مدير إعلام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي، إن أعدادًا كبيرة تدخل عبر بعض المناسبات المختلفة ويتسربون للبقاء في العراق ويذهبون باتجاه العمل في السوق الأسود.
وتابع أن الحملات الحكومية لملاحقة المخالفين ليست بالمستوى المطلوب لأنها تحتاج الى تخصيصات مالية وأماكن لإيقاف هؤلاء، بالإضافة إلى تذاكر سفر لتسفيرهم، مبينًا أن “كثيرًا من الجنسيات وخصوصًا العمالة البنغالية والعمالة الباكستانية بدأت تنافس العمالة المحلية بشكل كبير بنسب مرتفعة جدًا في أبسط الأعمال التي يقوم بها العامل العراقي، إذ تجد هذه الجنسيات منافسة في السوق وفي أماكن العمل وفي كل مكان آخر.
وأكد خبراء اقتصاديون، أن ظاهرة تسرب السياح والعمل بشكل غير قانوني تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني وتنافسية سوق العمل.
وطالبوا الحكومة بحماية حقوق العمال وتنظيم سوق العمل بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني ويضمن العدالة والمساواة بين جميع العمال، سواء أكانوا محليين أم أجانب.
