أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

أكثر من مئتي مليار دولار حصيلة عمليات تهريب العملة الصعبة من العراق إلى إيران

أحزاب وميليشيات تدين بالولاء لإيران تسطو على الدولار في العراق بشكل ممنهج لانتشال نظام المرشد الإيراني علي خامنئي من واقعه الاقتصادي المتردي عبر عمليات تهريب مدروسة تتخذ من الطائرات وخطوط النقل البري ومزاد العملة ساحة لنشاطاتها.

بغداد – الرافدين
أعادت تصريحات مسؤول حكومي سابق حول عمليات تهريب الدولار إلى إيران هذا الملف المعقد إلى الواجهة مجددًا تزامنًا مع عودة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار وتأثره باستمرار عمليات التهريب والعقوبات المفروضة من قبل واشنطن على المصارف المرتبطة بجهات سياسية وميليشياوية تدين بالولاء لنظام المرشد الإيراني علي خامنئي.
وجاءت عودة الحديث عن عمليات تهريب الدولار لإيران وما تسببه من ضرر اقتصادي بالغ بعد اعتراف المستشار الأسبق في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ليث شبر في لقاء متلفز بتهريب أكثر من 200 مليار دولار من العراق إلى إيران خلال السنوات الماضية.
وأشار إلى إمكانية تعرضه للسجن والمساءلة القانونية بعد تصريحه هذا في إشارة إلى التخادم بين القضاء وسلطات الأحزاب الموالية لإيران.
وبين شبر في حديثه طرق تهريب هذه المبالغ الضخمة خلال 21 عامًا والتي شملت عمليات التهريب عبر المطارات والطائرات وعمليات التهريب عبر المنافذ الحدودية والطرق البرية فضلًا عن عمليات تهريب العملة اعتمادًا على مزاد العملة.
وسبق أن زعمَ محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق إنه لا يملك بيانات حول حجم الدولارات المهربة من العراق إلى إيران أو أي بلد مجاور.
وقال العلاق في تصريحات لوكالة “رويترز” إن “العراق قطع شوطًا كبيرًا في تطبيق قيود على المعروض من الدولار الأمريكي تستهدف إيران لكنه يواجه معركة شاقة في ظل نظام مصرفي غير معتاد على الرقابة الصارمة وتمسك مهربي العملة بنشاطهم”.
وأضاف إنها “معركة فعلًا لأن المستفيدين من هذا الوضع والمتضررين (من الإجراءات الجديدة) سيحاولون بشتى الطرق مواصلة أنشطتهم غير الشرعية”.
وبدت تصريحات العلاق الأخيرة محاولة للتهرب من كشف جهات ولائية متنفذة داخل حكومة الإطار التنسيقي تعمل على تهريب العملة إلى إيران.
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني قد رفض في خطوة مماثلة لخطوة العلاق اتهام إيران في عملية تهريب الدولار من العراق.
ولم يذكر السوداني إيران في إجابته على سؤال لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية التي تصدر من لندن، “عما إذا كان تهريب الدولار من العراق باتجاه إيران”، واكتفى بالقول إن “تهريب العملات مستمر في كل دول العالم، والعراق حاله حال هذه الدول”.
وتابع “دول كثيرة في المنطقة تتعرَّض عملتها الرسمية لانهيار، لا أريد أن أدخلَ في الاسم، وبالتأكيد يحتاجون إلى الدولار، وهذا الأمر مستمر”.
وبين رئيس الحكومة الحالية أن “جزءًا من المتورطين هم بعض المصارف وشركات الصيرفة في الداخل ممن يحققون أرباحًا كبيرة من عمليات بيع الدولار الذي ينقل إلى دول الجوار ودول المنطقة”.

تهريب أموال ضخمة من العراق إلى إيران عبر شركات وهمية وبطاقات إلكترونية وصرافين إضافة إلى أمتعة المسافرين برًا وجوًا.

ومنذ مطلع العام الماضي، دخلت واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار لخارج العراق، وفرضت شروطًا على البنك المركزي، أبرزها خضوعه لنظام سويفت العالمي، وتقليل مزاد العملة، حيث تراجعت مبيعاته من 300 مليون دولار يوميًا إلى نحو 30 مليون دولار فقط في بداية الأزمة، قبل أن تعاود الارتفاع مؤخرًا.
وجرى فرض عقوبات على نحو 28 مصرفًا، ومنعها من التعامل بالدولار وحجب دخولها لمزاد العملة، بسبب تورطها بتهريب الدولار إلى كيانات ودول محظورة تعد إيران من أبرزها.
وفرض البنك المركزي العراقي تحت وطأة الضغوط من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي سلسلة عقوبات على مصارف وشركات خاصة كان آخرها حظر 197 شركة من الدخول إلى نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية.
ووجّه البنك المركزي في 2 حزيران الماضي كتابًا بالعدد (269/8/9) حمل توقيع نائب محافظ البنك، عمار حمد خلف، إلى المصارف المجازة كافة، يبلغها بقرار إيقاف دخول الشركات إلى نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية.
وعلى الرغم من حظر العديد من المصارف والشركات إلا أن البنك المركزي العراقي متهم بمنح مصارف خاصة تمتلكها الميليشيات والأحزاب الولائية تسهيلات للحصول على العملة الصعبة عبر مزاد العملة بطرق احتيالية تتجاوز العقوبات الأمريكية ومساعي واشنطن في تجفيف موارد إيران من العملة الصعبة.
وسبق أن كشفت وثيقة موجهة إلى البنك المركزي صادرة عن هيئة النزاهة، عن عملية فساد تتعلق بمنح المركزي العراقي قروضًا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية، كانت مقررة كسبب لحصولهم على القروض.
وبينت الوثيقة أن البنك المركزي تجاهل قرار محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، القاضي بإجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام.
وأخفق السوداني خلال لقائه مع مسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية وبعض البنوك، في زيارته الأخيرة إلى واشنطن في الحصول على وعد برفع البنوك العراقية من قائمة العقوبات الأمريكية.
وخلال لقاء السوداني مع وكيل وزارة الخزانة الأمريكية والي أدييمو، ونائب رئيس بنك “جي بي مورغان” دانييل زيليكو، بحضور محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، حاول السوداني تقديم صورة عن سيطرة حكومته على تهريب الدولار إلى إيران.
ولم يقتنع المسؤولون الأمريكيون بالذرائع التي قدمها السوداني، حيث استمع إلى جملة تكررت كثيرًا من قبل المسؤولين الأمريكيين بأن “على حكومته فعل الكثير من أجل إيقاف تهريب الدولار إلى إيران”.
وقال السوداني للمسؤولين الأمريكيين إنه لا يمكن العمل في أي قطاع تنموي دون خطوات إصلاحية للقطاع المصرفي، وضرورة المضيّ في الحوار مع الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي، وصندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى.

زياد الهاشمي: الجانب الأمريكي أبلغ العلاق بوجود إصرار من قبل مصارف على تجاوز الضوابط واستغلال الدولار في دعم عمليات التهريب لدول وكيانات معاقبة

في غضون ذلك كشفت مصادر مطلعة منتصف شهر تموز الجاري إجراء علي العلاق زيارة غير معلنة رسميًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية للتباحث مع المسؤولين في واشنطن بشأن قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي وعقوباته المفروضة على العراق.
وقالت المصادر، إن العلاق بحث خلال زيارته الالتزامات المطلوبة بشأن المصارف العراقية المحرومة من التعامل بالدولار دون الوصول إلى نتيجة على غرار الزيارات والمباحثات السابقة.
ويبين الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن “بعض التسريبات من داخل الأروقة الرسمية تشير إلى أن هناك المزيد من الإجراءات القاسية التي سيتم تطبيقها في أي لحظه من قبل الفيدرالي الأمريكي قد يكون لها انعكاسات اقتصادية وحتى سياسية سلبية للغاية!”.
وأضاف الهاشمي أن “زيارة العلاق الأخيرة إلى واشنطن لم تكن إيجابية، حيث تم إبلاغ العلاق من قبل الجهات الأمريكية أن هناك تأشير أمريكي واضح على ممارسات غير قانونية تقوم بها بعض المصارف العراقية، وأن هناك إصرار من قبل إدارات تلك المصارف على تجاوز الضوابط واستغلال الدولار العراقي في دعم عمليات التهريب وغسيل الأموال وتسريب الدولار لدول وكيانات معاقبة!” في إشارة إلى إيران.
ولفت إلى أن “الجانب الأمريكي أبلغ العلاق بعدة مطالب تركزت على مسألتين، الأولى عدم السماح مجددًا للمصارف المعاقبة سابقًا بالعودة للتعامل بالدولار، والثانية (وهي الأهم) تتعلق بالإغلاق الفوري للمصارف التي لا تزال تعمل على استغلال الدولار في عملياتها غير القانونية وغير النظامية”.
وتابع “وقد تم تنبيه الحكومة مرة أخرى بعدم التدخل بملف الدولار وترك هذه المسألة بيد المركزي حصرًا، وقد كان التنبيه الأول قد صدر خلال زياره رئيس الحكومة إلى واشنطن قبل أشهر، ومنذ ذلك الحين كان ملاحظًا عدم تطرق رئيس الحكومة لملف الدولار في تصريحاته الرسمية”.

السوداني يخفق في إقناع الأمريكيين برفع الحظر عن مصارف متورطة بعمليات تهريب الدولار إلى إيران

وتحتاج إيران إلى عملة الدولار من أجل استقرار اقتصادها المتدهور، الذي تضرر بشدة من العقوبات الأمريكية المفروضة منذ 2018 بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترمب، الانسحاب من اتفاق طهران النووي مع القوى العالمية الست.
وتؤكد مصادر إيرانية معارضة أن فيلق القدس التابع للحرس الإيراني أشرف على تهريب ملايين الدولارات من العراق إلى حسابات الحرس في إيران، بالتعاون مع السفارة الإيرانية في بغداد.
وكانت قناة “إيران إنترناشيونال”، قد أكدت مطلع شهر آب من العام الماضي وجود وثائق تفيد بأن نظام خامنئي والمجموعات الداعمة له، قامت بتهريب ملايين الدولارات من العراق إلى إيران من خلال إنشاء شركات وهمية، وشراء بطاقات إلكترونية، واستخدام الأمتعة والصرافين.
ووجدت القناة المعارضة لسياسات النظام الإيراني أن “البنك المركزي العراقي على علم بهذه المعاملات وأن احتمالية فرض عقوبات أمريكية جديدة على البنوك العراقية متوقع”.
وذكرت قناة “إيران إنترناشونال” التي تبث من العاصمة البريطانية لندن، أنها حصلت على المعلومات عن شبكة تهريب العملة من مصدر في فيلق القدس، المكلف بالعمليات الاستخباراتية والعسكرية العابرة للحدود الإيرانية.
ويستخدم الحرس الإيراني عناصر في السفارة الإيرانية في بغداد وعدد من المساعدين من عناصر الميليشيات الولائية المنضوية في الحشد الشعبي، للاحتيال على النظام المصرفي العراقي.
ويدير شبكة التهريب محمود حسني زاده وهو من الأعضاء السابقين في فيلق القدس، وبمساعدة أثنين من العراقيين هما ميثم حمزة قاسم الدراجي وميثم الصادقي.
وذكرت قناة “إيران إنترناشونال” أن محمد تجن جاري، مسؤول الشؤون المالية في “الوحدة 400” التابعة لفيلق القدس، يودع المبالغ المطلوبة في فرع “بنك أنصار” التابع للحرس الإيراني.
وأوضحت أن “تجن جاري يعمل مع ذراعه الميدانية في العراق مصطفى باك باطن، الموظف السابق في السفارة الإيرانية، وأحد أعضاء فيلق القدس الذي يتسلم الدولارات من دور الصرافة في العراق بعد إصدار وثيقة الدفع في طهران”.
يذكر أن مصطفى باك باطن ليس العضو الوحيد في سفارة إيران المرتبط بفيلق القدس.
فقد تم تعيين محمد كاظم آل صادق سفيرا في بغداد، وهو من قادة فيلق القدس ومقربًا من قاسم سليماني، وكان المساعد الأول لإيرج مسجدي، السفير الإيراني السابق في العراق، وهو أيضًا قائد في الحرس الإيراني ومدرج في قائمة العقوبات الأمريكية.
كما أن غلام رضا عبد الحسين أباذري، المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية، هو أيضًا عضو في فيلق القدس. بالإضافة إلى ذلك، فإن باك باطن وموظفين آخرين في السفارة هما محمد إبراهيم، وعلي عبيري، ونادر رمضان نور، ومحمد كليدبر، هم أيضًا أعضاء في فيلق القدس.
وحصلت القناة على وصل إيداع مالي لحساب حسين آسينة، وهو ناشط تجاري مرتبط بفيلق القدس.
وأكدت على أن المعلومات تظهر ملخصًا لغسل أموال الحرس الإيراني في العراق الأمر الذي استنزف رأس مال السوق العراقية.
ويتزامن ذلك مع ما نقلته وكالة رويترز عن مستشارين لبنوك عراقية خاصة يحضران بانتظام اجتماعات مع البنك المركزي، قولهما إن إيران تتلقى حوالي 100 مليون دولار شهريًا من تجار عراقيين.
وأفاد مسؤولون أمنيون عراقيون تحت إدارة السوداني بأن لديهم “أدلة دامغة” على أن هناك مهربين يشترون كميات كبيرة من الدولارات من أسواق العملة في بغداد ويهربونها عبر المنافذ الحدودية إلى إيران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى