تخادم ميليشيات في الحشد الشعبي مع حزب العمال الكردستاني يحول دون عودة 150 ألف عائلة نازحة إلى سنجار
وعود حكومة السوداني لا قيمة لها بعد أن تركت النازحين يعيشون مأساة إنسانية في مخيمات تفتقر للشروط الإنسانية، والحوافز المالية لعودة النازحين لا يمكن أن تستأجر غرفة واحدة.
الموصل- الرافدين
تعيش نحو 150 ألف عائلة معاناة النزوح منذ العام 2014، بعد أن هجرت من ديارها في قضاء سنجار بمحافظة نينوى شمال العراق بسبب سيطرة ميليشيات في الحشد الشعبي وتخادمها مع تنظيم حزب العمل الكردستاني “بي كا كا” المصنف إرهابيا.
وبعد مرور عشر سنوات على نزوحها، يتعذر على تلك العائلات العودة إلى ديارها ومنازلها بسبب احتلال تنظيم “بي كا كا” الإرهابي الجاثم على أراضيها وسيطرة ميليشيات في الحشد على المنطقة وفق استراتيجية إيرانية يعد لها منذ سنوات حول طريق بربط إيران بسواحل المتوسط يمر بالعراق وسوريا.
وقال عضو لجنة الهجرة والمهجرين بالبرلمان الحالي، شريف سليمان “إن قضية النازحين كانت مدرجة ضمن الاتفاق الموقع بين الأطراف السياسية عند تشكيل الحكومة العراقية الحالية”.
وأضاف في تصريح لوكالة “الأناضول” أن عودة النازحين إلى ديارهم أمر مهم لإقليم كردستان شمال العراق والشعب العراقي، مشيرا إلى أن السلطات قررت إغلاق مخيمات النازحين بنهاية تموز الجاري.
واستدرك قائلا “لكنني أرى أن إغلاق المخيمات في الوقت الحالي غير ممكن بسبب الظروف الحالية، وظروف عودة النازحين غير مقنعة”.
وذكر أن التوتر السياسي والمنافسة السياسية في سنجار من بين الأسباب الرئيسية لعدم تمكن عودة النازحين إلى ديارهم.
وأكد على ضرورة تنفيذ اتفاق سنجار بكل بنوده حتى يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم وخاصة إخراج القوات المسلحة الأجنبية (بي كا كا) وتوفير الأمن في المنطقة.
يشار أن اتفاقية سنجار وقعت بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان العراق في التاسع من تشرين الأول 2020، وبموجبها يتوجب إخراج تنظيم “بي كا كا” الإرهابي من المدينة. لكن بنودها بقيت حبرا على ورق.
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي، محمد شياع السوداني، قد أعلن خلال زيارته لقضاء سنجار في شهر آذار الماضي عن إطلاق مشاريع لإعادة إعمار القضاء وتخصيص 50 مليار دينار لدعم الاستقرار في سنجار ومناطق سهل نينوى، فضلًا عن حسم ملف تعويضات المتضررين جراء العمليات العسكرية، وإعادة النازحين من الأيزيديين والأكراد والعرب إلى القضاء.
وأثارت وعود السوداني سخرية بين المراقبين حيث لم تمثل حقيقة ما يجري في القضاء، وأنها مجرد مسرحية للمماطلة بعدم تنفيذ اتفاقية سنجار والتي تنص على إخراج المجاميع المسلحة غير القانونية لا سيما ميليشيا حزب العمال الكردستاني وميليشيا الحشد من القضاء.
وهو ما يراه مراقبون ونشطاء تأكيدًا لما جاء على لسان زعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي، الذي أكد عدم تنفيذ اتفاقية سنجار واعتبارها “ميتة” نظرًا لظروف ولادتها إبان حكومة مصطفى الكاظمي الذي تُكِنُّ له الميليشيا عداءً سابقًا وصل لدرجة استهدافه بهجمات مسلحة.
وعلى الرغم من إعلان حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني قبل أسابيع قليلة تصنيف ميليشيا حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” منظمة محظورة، إلا أن الميليشيا تواصل أنشطتها في العراق أمام أنظار السلطات الأمنية.
وبثت ميليشيا “بي كا كا” مقاطع مصورة لاحتفالها في قضاء سنجار غربي الموصل بذكرى ميلاد زعيمها “عبد الله أوجلان” بينما أجبرت السكان العرب في المناطق التي تسيطر عليها في سنجار على المشاركة في الاحتفال، ما يظهر غيابا واضحا لسلطة حكومة السوداني على مناطقة واسعة من القضاء بحسب مصادر محلية هناك.
وفي كلّ مرة يقف باسم عيدو أمام باب منزله في قريته شبه المهجورة في شمال العراق، يعتريه الذهول من حجم الركام حوله، في مشهد ألفته منطقة سنجار ذات بعد سنوات من انتهاء الحرب.
في باحة منزله في صولاغ – الكهوف الشرقية الواقعة على بعد 400 كلم شمال غرب بغداد، يقول عيدو (20 عاماً) بحسرة، “من أصل ثمانين عائلة، لم تعد إلا عشر فقط”.
ويضيف “لا توجد منازل ليسكنوا فيها، لماذا سيعودون؟ لا يريدون مغادرة خيم (النازحين) ليقطنوا خيماً” فوق أنقاض منازلهم.
وبعد كل هذه السنوات، لا تزال قرى وأحياء بكاملها مدمّرة، فيما تعرقل النزاعات السياسية عملية إعادة إعمار منطقة شهدت العديد من المآسي.
وحملت عشائر عربية من محافظة نينوى الحكومة مسؤولية التهديدات التي تطالهم من الميليشيات المنتشرة في قضاء سنجار، وطالبت بحمايتها من الأساليب التي تهدف إلى تهجير أهالي القرى المحاذية لسنجار.
ووصفت العشائر خلال مؤتمر عشائري مشترك، التهديدات التي طالت سكان قريتي “الجري والسيبايا” في المنطقة المحاذية لمركز مدينة سنجار الواقعة غربي المحافظة، بأنها أساليب الخارجين عن القانون، الهدف منها ترويع الآمنين، وتأتي ضمن مساعي التهجير والسيطرة على المنطقة.
وطالبت العشائر العربية ومنها عشيرة “الجحيش”، الحكومة في بغداد بحمايتها من تهديدات ميليشيات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، والموجود في مدينة سنجار وضواحيها منذ عدة سنوات.
في صولاغ، المشهد لا يزال يذكّر بالحرب: منازل مدمّرة، أنابيب مياه وخزانات صدئة، وأعشاب برية بين تشقّقات جدران تشهد على ما كان يوماً مكانا للسكن.
ويقول عيدو بأسى “كيف يرتاح قلبي… ولا أحد هنا نأنس به لننسى ما حصل؟”.
شريف سليمان: أرى أن إغلاق المخيمات في الوقت الحالي غير ممكن بسبب الظروف الحالية، وظروف عودة النازحين غير مقنعة
وعاد عيدو وعائلته إلى صولاغ قبل سنوات احتراما لأمنية والده المريض الذي أراد أن يقضي آخر أيامه في قريته. ومن حسن حظ العائلة أنها وجدت منزلها محترقًا تمامًا لكن غير مدمّر، على عكس غالبية منازل القرية.
بمساعدة من منظمة إنسانية، أعاد عيدو تأهيل بيته. لكن غالبية سكان القرية غير قادرين على بناء منازلهم، على حدّ قوله، رغم أن “كل ما يحتاجون له هو بناء غرفة أو غرفتين”.
ويوضح “لو أن الحكومة أو المنظمات تتولى إعادة الاعمار، لعاد جميع السكان”.
وحدّدت السلطات الحكومية مؤخرًا مهلة تنتهي في الثلاثين من تموز الحالي لإغلاق مخيمات النزوح، ووعدت بمساعدات مالية وحوافز للعائدين الى قراهم. وتعهدت الحكومة مراراً بتكثيف جهود إعادة الإعمار ودفع تعويضات للمتضررين.
لكن كل تلك الوعود لا قيمة لها، لأن الحوافز المالية لا يمكن أن تستأجر غرفة واحدة، كما أن غالبية النازحين لا يثقون بالوعود الحكومية بعد أن تركتهم يعيشون مأساة إنسانية في مخيمات النزوح.
وأعلنت وزارة الهجرة عودة المئات إلى مناطقهم. لكن أكثر من 183 ألفاً من أهالي سنجار ما زالوا نازحين، وفق تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الهجرة الدولية. ويشير التقرير الى أن مناطق عدة استقبلت نصف عدد سكانها الأصليين أو أقل، لكن لم تُسجّل أي عودة الى 13 موقعًا على الأقل منذ 2014.