وثائق مسربة تكشف صرف المليارات من أموال الموازنة للأحزاب السياسية في العراق
خبراء اقتصاديون يكشفون عن هدر أموال في موازنات العراق العامة خلال 17 عامًا تصل لـ 450 مليار دولار، تكفي لمنح كل عراقي 10 آلاف دولار.
بغداد – الرافدين
كشفت وثائق مسربة عن صرف وزارة المالية الحالية مليارات الدنانير كمنح مالية من الموازنة إلى الأحزاب السياسية المُّمثلة في مجلس النواب أو المشاركة في الانتخابات.
ونشر النائب أمير المعموري على صفحته الشخصية في (فيسبوك) وثائق تثبت صرف منح مالية للأحزاب السياسية، تقدر بنحو 18 مليار دينار.
وأشار المعموري في إلى أن بعضهم يستغرب من هذا الكتاب الذي يبيُّن أن هناك تمويلاً للأحزاب من الموازنة وبنسّب 80 بالمائة للذين لديهم تمثّيل في مجلس النواب، و20 بالمائة للأحزاب المشاركة في الانتخابات، مؤكدًا أن الصرف مستمر في موازنة 2024 بـ 5 مليار دينار.
ورغم الامتيازات الهائلة التي يتمتع بها أعضاء مجلس النواب في العراق والتي قد تتجاوز ما يتمتع به وزراء ورؤساء في دول أخرى، لكن يبدو أن ذلك كله لم يكف القائمين على الأمر في البلاد، فقرروا منح الأحزاب مليارات الدنانير دون وجه حق من أموال الموازنة العامة، بينما تتصاعد بصورة مرعبة معدلات الفقر والبطالة بين العراقيين، ليؤكدوا بذلك جدارة العراق تحت سلطتهم، بنيل مراكز متقدمة في صدارة الدول الأكثر فسادا في العالم.
وكان مجلس النواب، قد صوت في الثالث من حزيران 2024، على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 2024 المعدلة بما يقارب من 211.9 تريليون دينار (الجارية والاستثمارية)، وهي تزيد عن النفقات المقدّرة لسنة 2023 بنسبة 7 بالمائة، إذ بلغت التخصيصات الجارية 157 تريليون دينار (74.1 بالمائة)، بينما بلغت التخصيصات الاستثمارية 55 تريليون دينار (25.9 بالمائة).
وبينما يضرب الفساد بجذوره العميقة في صلب الدولة العراقية، كشف خبراء اقتصاديون عن هدر في موازنات العراق تصل حسب تصريحات رسمية الى 250 مليار دولار خلال 17 عامًا، فيما قال آخرون أن الأرقام مهولة وتصل إلى الضعف تقريبًا وتكفي لمنح كل عراقي 10 آلاف دولار.
وبحسب تصريحات سابقة لوزير المالية في حكومة مصطفى الكاظمي، علي علاوي، فإن “من بين أكثر من ترليون دولار مثلت مجموع موازنات العراق خلال 17 عامًا (منذ عام 2003 حتى عام 2020) ضاع أكثر من 250 مليارًا منها بسبب الفساد الإداري”، مبينا أن “صرف هذه الأموال كان استفادة مالية لبعض الجهات مما أدى إلى تراجع قدرات الدولة وأن هذه الأموال كافية لبناء عدة دول”.

وبحسب خبراء اقتصاديين يخالفون علاوي الرأي، فإن “الأموال الضائعة من الموازنات العراقية هي أكبر من المبلغ الذي تحدث عنه وزير المالية السابق” مبينين أن “مجموع موازنات العراق للأعوام التي تلت 2003 هو أكثر من 1.1 ترليون دولار والمبلغ المهدور الذي تحدث عنه وزير المالية هو فقط للأموال التي ضاعت بدون قيود صرف رسمية”.
ويرجح الخبراء “مقدار الأموال الضائعة بـ “400 – 450 مليار دولار أميركي”، أي نحو 40 بالمائة من مجموع موازنات العراق”، وهو ما عدوه كافيًا لـ”بناء 400 ألف مدرسة نموذجية بقيمة مليون دولار للمدرسة الواحدة، أو 20 ألف مستشفى نموذجي قيمة الواحدة 20 مليون دولار، وشراء 28 ألف طائرة F-16 سعر الواحدة منها نحو 16 مليون دولار، أو تكفي لمنح كل فرد عراقي مبلغ 10 آلاف دولار”.
وبحسب الخبراء فإن “العقود الوهمية والعقود المبالغ بأسعارها، والموظفين غير الموجودين في الحقيقة، والمصروفات التشغيلية والمشاريع الاستثمارية وتحويل العقود هي أوجه الهدر الأكبر في الأموال العراقية”، فيما كان “الهدر الأكبر هو في “سوء الإدارة والتخطيط وتسييس الاقتصاد”.
ويضيف الخبراء أن “العراق امتلك نحو 850 ألف موظف قبل 2003 ارتفعت أعدادهم إلى أكثر من 4.5 مليون موظف في دوائر تحول أغلبها إلى مراكز استنزاف للوقت والمال”، مبينين أن “ما تم صرفه على الخدمات مثل التعليم والصحة والدفاع لا يتجاوز 30 بالمائة من موازنات العراق، فيما يتوزع الباقي بين جيوب الفاسدين وثقوب سوداء للهدر وسوء الإدارة والاعتماد على الاستهلاك ودعم الاستيراد على حساب التصنيع المحلي”.
وقال رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون في مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية في الثالث والعشرين من شباط الماضي، فإن “التطور الذي حصل في العراق وضعنا في المرتبة 154 وليس 157 في مؤشر الفساد العالمي (من أصل 180 دولة) أي ثلاث مراتب أقل عن المؤشرات السابقة”.

وأضاف أن “أموالنا المنهوبة كبيرة وتحتضنها وتضعها بعض الدول في مصارفها الكبرى وأدخلتها حتى في اقتصاداتها والعقبة الرئيسية تكمن في كشف حجمها والكمية التي هُربت وأسماء أصحاب الحسابات المودعة في البنوك الأجنبية”.
ولفت مدير المركز الفرنسي للدراسات حول العراق عادل باخوان، من خلال إحصائية تهتم بالتفاوت الاقتصادي في العراق، إلى أن البلد يضم 36 مليارديرا تبلغ ثروة كل منهم أكثر من مليار دولار، فضلا عن 16 ألف مليونير، ثروة كل منهم أكثر من مليون دولار”.
وشدد على أن العراق يضم نسبة كبيرة من الشباب، إلا أنهم يواجهون تحديات في تحقيق مستقبل مستقر. وقال إن “نسبة 68 بالمائة من العراقيين أعمارهم تحت سن الـ 30، وتصل نسبة البطالة ضمن هذه الفئة إلى 40 بالمائة”.
وهو نفس التصريح الذي أدلى به الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي مبينا أن “عدد المليارديرات يفوق الموجود في تسع دول وهي الكويت ولبنان والإمارات ونيجيريا وهنغاريا ورومانيا وهولندا والبرتغال والدنمارك، وهذه الفئة فاحشة الثراء قليلة العدد مقارنة بمجموع الشعب العراقي ظهرت عبر تجارات غير مشروعة مثل تجارة السلاح والمخدرات والدولار والسكراب والكاز وغيرها ولذلك ظهرت لدينا هذه الفئة”.

ويقابل هذه النسبة من الأثرياء جيش من العاطلين عن العمل إضافة إلى أن جزء كبير من الشعب العراقي يقبع تحت خط الفقر، حيث كشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق عن وجود أكثر من 10 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، لافتًا إلى خلو موازنة العام 2024 من دعم هذه الفئات.
وكشف رئيس مؤسسة كردستان لمراقبة حقوق الإنسان هوشيار مالو، أن “نسب معدلات الفقر تزداد في العراق باضطراد، مع تدخل الدولة والحكومة في السوق”، مبينا إن “العراق لا يملك أي برنامجٍ اقتصادي، لمواجهة معدلات الفقر المرتفعة في البلاد”.
وأضاف أنه “على الرغم من أن العراق لديه موازنة ضخمة، إلا أن البلاد لا زالت تعيش في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي”، مشيرًا الى أن “العقلية الحاكمة راهنًا في البلاد، لا تقبل فكرة السوق الحرة، والدولة والحكومة العراقية تتدخلان في السوق، لذا فإن نسبة معدلات الفقر تزداد يومًا بعد آخر”.
وساهمت الأزمة الاقتصادية المستمرة وارتفاع سعر صرف الدولار وانعكاسه على أسعار السلع والمواد الأساسية، في ارتفاع مستوى خط الفقر، إذ أكدت إحصاءات تصدر محافظات الجنوب معدلات الفقر، وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة 52 بالمائة، وتليها محافظة القادسية وميسان وذي قار بنسبة 48 بالمائة، فيما بلغت نسبة الفقر في العاصمة بغداد 13 بالمائة، وفي محافظة نينوى 34.5 بالمائة، في حين تصل نسبة الفقر في محافظات الوسط إلى 18 بالمائة.
وبينما تهدر المليارات من أموال العراقيين، كشفت منظمة برنامج الأغذية العالمي التابعة للأمم المتحدة في تقرير سابق لها عن أنشطة دعم المستوى المعيشي والتأقلم مع تبعات التغير المناخي في العراق وبرامج التمكين لمجتمعات متضررة في سبع محافظات عراقية أن معدل البطالة بين شباب العراق بلغت 35 بالمائة، في حين ازدادت معدلات الفقر منذ العام 2018، حيث أن 29.6 بالمائة من العراقيين هم دون خط الفقر بواقع 12.27 مليون شخص من تعداد نفوس يبلغ 41.2 مليون يُشكل الشباب نسبة 70 بالمائة منهم.
