هيئة علماء المسلمين: السلطات الحكومية في العراق مستمرة في إزهاق أرواح الأبرياء
هيئة علماء المسلمين في بيان شديد اللهجة تُرجم إلى أربع لغات: بدل أن تُحاكَم الحكومة الميليشيات الإرهابية ومن يقف خلفها من أحزاب السلطة على جرائم الحرب التي ارتكبتها والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها؛ فقد تم دمجها في أجهزة الأمن؛ فأصبحت توغل في جرائمها الإرهابية ذات الصبغة الطائفية وهي ترتدي الزي الرسمي للأجهزة الأمنية.
عمان- الرافدين
أكّدت هيئة علماء المسلمين في العراق أن السلطات الحكومية مستمرة في إزهاق أرواح الأبرياء من العراقيين عن طريق حملات الإعدام الجماعية الظالمة، التي يُساق فيها المعتقلون ظلمًا إلى مشانق الموت الآثمة بتهم باطلة.
وأوضحت الهيئة في بيان شديد اللهجة أصدرته الثلاثاء وتُرجم إلى أربع لغات أخرى؛ أن السلطات الحكومية في العراق تواصل جرائمها الإرهابية التي شرعت بها منذ سنيّ الاحتلال الأولى، وهجمات أحزابها وميليشياتها الإرهابية المسلحة على مناطق ومدن متفرقة في بغداد وعدد من المحافظات الأخرى، حيث كانت تختطف العشرات من المواطنين وتقوم بتصفيتهم، ومن ثَمّ ترمي جثثهم في الشوارع بالتواطؤ مع أجهزة الأمن الحكومية، مستغلة حالة غض النظر التي كانت تمارسها القوات الأمريكية المحتلة في سياق التناغم التخادمي الأمريكي الإيراني، مما اضطر مئات آلاف المدنيين إلى الهجرة الداخلية والخارجية للحفاظ على أرواحهم وحياة أبنائهم.
وقالت الهيئة في البيان بدل أن تُحاكَم الميليشيات الإرهابية ومن يقف خلفها من أحزاب السلطة على جرائم الحرب التي ارتكبتها والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها؛ فقد تم دمجها في أجهزة الأمن؛ فأصبحت توغل في جرائمها الإرهابية ذات الصبغة الطائفية وهي ترتدي الزي الرسمي للأجهزة الأمنية؛ وتواصل عملها من اعتقالات عشوائية اعتمادًا على وشايات المخبر السري سيئ الصيت، وتمارس على المعتقلين أبشع عمليات التعذيب بعد أن يتم تغييبهم لمدد طويلة دون أن يعرضوا على المحاكم، ثم تأتي بعد ذلك حلقة النظام القضائي الفاسد؛ لتُطبق أحكامها الجائرة على أعناق المعتقلين، بعدم اعتماد المحكمة شهادات الشهود الحقيقية أو الدلائل الواقعية، وبالاستناد إلى الأوراق التي تأتيها من ضبَّاط التحقيق فقط -الذين في الغالب هم عناصر ميليشياوية-، بما تحويه هذه الأوراق من اعترافات تحت التعذيب بجرائم لم يرتكبوها، فتعتمدها ولا تلتفت إلى إنكار المعتقلين.
وأعادت هيئة علماء المسلمين في العراق إلى الأذهان ما أكدت عليه مرارًا وتكرارًا في تقارير ووثائق كثيرة ومطردة: أن الإعدامات في العراق مجحفة وظالمة، وأن هناك انتهاكات صارخة في المعتقلات والسجون الحكومية؛ حيث لا تُسلب الحرية فيها فحسب، وإنما تكتم الأنفاس ويموت الـمعتقلون قتلًا خارج نطاق القضاء، وإعدامًا جائرًا، واختناقًا ممنهجًا، وتعذيبًا وحشيًا، وإهمالًا متعمدًا، وهو ما يمكن وصفه بالقتل البطيء الممنهج في السجون الحكومية المعلنة، التي طالما أكدت المنظمات والمراكز الحقوقية الدولية والإقليمية: أن السلطات الحكومية تنفذ فيها عمليات إعدام بناءًا على اعترافات مشوبة بالتعذيب.
ولفتت الهيئة إلى أن المنظمات والمراكز المذكورة آنفًا نبهت إلى تكدس الزنازين الضيقة بما يصل أحيانًا إلى ثلاثة أضعاف طاقتها الاستيعابية، إسرافًا من السلطات في معاقبة سجناء الرأي على وجه خاص، وبما يؤدي إلى حالات اختناق، وأزمات صدرية، وتفشٍ للأمراض والأوبئة في صفوف النزلاء الذين يتناوبون على النوم، وسط موجة الحر التي تضرب العراق هذه الأيام، وتفاقم معاناة عشرات الآلاف من المعتقلين.
وتابعت الهيئة بالقول: إن ذلك كله يحدث في مرافق احتجاز خرج معظمها عن دائرة الرقابة القضائية؛ ويعذب أمام بواباتها أهالي المعتقلين بساعات انتظار ثقيلة وتفتيش مهين ومذل، ووراء أسوارها فصول من الانتهاكات والقمع الأمني لأبنائهم، الذين قضى كثير منهم نحْبه نتيجة التعذيب، والإهمال الطبي في سجون سيئة التجهيز، فيما يقبع فيها آخرون، وهم على عتبات الموت بسبب فساد الأدوية والأطعمة التي تقدم لهم.
وبيّنت هيئة علماء المسلمين أن تقارير دولية ومحلية وثّقت عدة حالات تعذيب وسوء معاملة للمحتجزين تشمل: الضرب، والصدمات الكهربائية، والحرق، والعنف الجنسي، وتعرض المحتجزين إلى أوضاع مجهدة، والحرمان من النوم والغذاء والماء، والقتل خارج نطاق القضاء، في انتهاك صارخ للحق في الحياة وانعدام الرقابة القضائية. ويزاد على كل ذلك حالات الاحتجاز التعسفي؛ حيث يُحتجز الآلاف من المواطنين، دون تهمة أو محاكمة في معظم الأحيان.
وشددت الهيئة أن ما يجري في العراق من انتهاكات واضحة سواء من حملات الإعدام الجماعية التعسفية المجحفة أو القتل تحت التعذيب داخل السجون الحكومية أو التعذيب من أجل انتزاع الاعترافات الباطلة؛ أصبحت لا تخفى على منظمة الأمم المتحدة ودول العالم ومنها الدول العربية فضلًا عن منظمات ومراكز حقوق الإنسان الأخرى، مضيفة أنها أصبحت تعي جيدًا أن شهية القتل والإيغال في الظلم عند أصحاب النفوس المريضة من الأحزاب والميليشيات المتسلطة في العراق التي تقتات على إراقة دماء العراقيين؛ لن تتوقف ما دام المجتمع الدولي يقف موقف المتفرج على هذه الجرائم والانتهاكات الظالمة.
وفي هذا السياق قالت الهيئة إن بعض المنظمات الدولية -وبعد جهود مكثفة من هيئة علماء المسلمين وعدد من المنظمات والقوى العراقية المناهضة للاحتلال- ومنها منظمة الأمم المتحدة؛ نبّهت مؤخرًا على ذلك، وصرَّحت به في تقرير لعدد من الخبراء في مجال حقوق الإنسان الناشطين في مؤسسات المنظمة، أصدروه في السابع والعشرين يونيو الماضي، وقالوا فيه: إن عمليات الإعدام المنهجية التي تنفذها الحكومة ضد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بناءًا على اعترافات مشوبة بالتعذيب، وبموجب قانون غامض لمكافحة الإرهاب، ترقى إلى مستوى الحرمان التعسفي من الحياة بموجب القانون الدولي وقد ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية، وفعلت ذلك أيضًا عدد من المنظمات، منها منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وأكّدت الهيئة مرة أخرى على أن ما يجري في السجون من جرائم إنما تقف وراء استمرارها إرادة سياسية صريحة للسلطات الحكومية التي تصر على مواصلة تنفيذ أحكام الإعدام بموجب قانون مكافحة الإرهاب ذي البعد الطائفي، والتجاهل التام للتقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وبما يجعل المتورطين فيها -سواء بشكل مباشر أو عن طريق الموافقة- تحت طائلة المسؤولية الجنائية؛ بحكم أن ما يقومون به يرقى بموجب القانون الدولي إلى مستوى الحرمان التعسفي والممنهج من الحياة ضد فئة بعينها من السكان، مشيرة إلى أن هناك حالة انعدام تامة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم؛ حيث كثيرًا ما يتمتع الجناة بالإفلات من العقاب.
وطالبت الهيئة الأمم المتحدة والدول العربية بمواقف واضحة تشعر الشعب العراقي أن العالم لن يتخلى عنه ويتركه لهذه الضباع المفترسة، قائلة: إن لم تقفوا موقفًا يرضي ضمائركم الإنسانية فلزامًا عليكم ألا تكونوا عونًا لهؤلاء المجرمين أصحاب المشروع الطائفي، في الاستمرار بجرائمهم ضد الإنسانية، وعار على الأنظمة الدولية أن تستقبل عناصر ميليشياوية متهمة بارتكاب هذه الجرائم.