قال إسماعيل هنية أمام الله وبثبات الرجال: لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بـ “إسرائيل”
عُرِف إسماعيل هنيّة بشخصيته الكاريزماتية إلى حدّ كبير بالنسبة لأنصاره، ونبرة صوته الهادئة التي تتحوّل الى خطابة مفوّهة صاخبة في التجمّعات الجماهيرية.
إسطنبول- الرافدين
ظلّ إسماعيل هنية الذي اغتيل الأربعاء في طهران على مدى عقود أحد أبرز الوجوه القيادية لحركة حماس، وتنقّل بين المعتقلات الإسرائيلية والمنافي، ومن جوار المؤسس الشيخ أحمد ياسين إلى رئاسة المكتب السياسي للحركة التي تخوض حربا ضارية مع قوات الاحتلال منذ حوالي عشرة أشهر.
ومنذ اندلاع المعارك في “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول، كان هنيّة الذي برز اسمه مع توليه رئاسة الحكومة الفلسطينية في العام 2006، وجه حركة المقاومة الإسلامية وصورتها في مفاوضات وقف إطلاق النار، مع انصراف قيادتها في القطاع لإدارة المعركة العسكرية ورسم الخطوط العريضة للتفاوض على إطلاق الرهائن.
ونعت الحركة الإسلامية الفلسطينية هنيّة “الذي قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني” الثلاثاء.
وعُرِف هنيّة بشخصيته الكاريزماتية الى حدّ كبير بالنسبة لأنصاره، ونبرة صوته الهادئة التي تتحوّل الى خطابة مفوّهة صاخبة في التجمّعات الجماهيرية. واتسمّت مسيرة الرجل القوي البنية ذي اللحية البيضاء بمقاربة ضمن حركة تعدّدت فيها التيارات.
وأمضى الزعيم المكنّى “أبو العبد” أعوامه الأخيرة مقيماً في تركيا وقطر، في ترحال ليس غريباً عن عائلته.
وكان الدكتور الشيخ حارث الضاري الأمين العام السابق لهيئة علماء المسلمين في العراق “رحمه الله” قد التقى مع الراحل إسماعيل هنية أثناء أداء مراسم الحج عام 2006.
كما التقى وفد من هيئة علماء المسلمين في العراق الراحل إسماعيل هنية بحضور عدد من أعضاء المكتب السياسي في الحركة وقيادتها.
وضمّ وفد الهيئة مسؤول القسم السياسي الدكتور مثنى حارث الضاري ومسؤول قسم الثقافة حارث الأزدي وعددًا من أعضاء الهيئة.
ونقل الوفد تحيات فضيلة الأمين العام للهيئة وأعضائها لقيادة الحركة، وجدد التأكيد على تضامن هيئة علماء المسلمين في العراق مع أبناء فلسطين ودعمهم في التصدي للعدوان ومقاومة الاحتلال الصهيوني، بمختلف السبل والوسائل.
ولِد إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في غزة عام 1962، في كنف عائلة مهجّرة من عسقلان في الأراضي التي قامت عليها “دولة إسرائيل”.
التحق خلال شبابه بالجامعة الإسلامية في غزة حيث نال شهادة في الأدب العربي. وخلال دراسته الجامعية، نشط في فرع جماعة الإخوان المسلمين واتحاد الطلبة بين العامين 1983 و1984.
التحق بحماس في عام تأسيسها (1987) خلال الانتفاضة الأولى في الأراضي الفلسطينية التي استمرت حتى 1993.

لقاء وفد من هيئة علماء المسلمين في العراق برئاسة مسؤول القسم السياسي الدكتور مثنى الضاري مع الراحل إسماعيل هنية
على مدى تلك الأعوام، اعتقلته القوات “الإسرائيلية” أكثر من مرة، وكان من ضمن مجموعة من القياديين والشخصيات من حركتي حماس والجهاد الإسلامي الذين أبعدتهم الدولة العبرية الى لبنان عام 1992، وأقاموا في مخيم بمنطقة مرج الزهور الحدودية، قبل أن يسمح لهم بالعودة تباعاً في العام التالي.
رافق هنية مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين كمدير لمكتبه بعد إفراج “إسرائيل” عنه عام 1997.
في 2003، نجا الرجلان من محاولة اغتيال بغارة “إسرائيلية”. وتعزّز دور هنية في حماس بعدما اغتالت “إسرائيل” ياسين في العام التالي، وبعده بفترة وجيزة عبد العزيز الرنتيسي الذي اختير قائداً للحركة في غزة.
وفي العام 2006، قاد هنية حركة حماس نحو تحقيق فوز غير متوقع في الانتخابات التشريعية على حساب حركة فتح، وأصبح رئيسا لحكومة وحدة مع حركة فتح بزعامة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
إلا أن التفاهم لم يدم طويلاً، واندلعت مواجهات مسلحة بين الحركتين في 2007 انتهت بفرض حماس سلطتها الكاملة في غزة، في خطوة تلاها تشديد “إسرائيل” حصارها على القطاع.
على رغم من قيادته للعمل السياسي في حركة حماس، أكد هنية مراراً التمسك بثوابت الحركة. وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية عام 2022 “نحن لدينا رؤية؟ ما هي الرؤية؟ إنجاز مشروع التحرير والعودة وطرد الاحتلال عن أرض فلسطين”.
وأوضح أن تحقيق المشروع يتطلب العمل على مسارات عدة، وأن “على رأس وقمة هذه المسارات هو الكفاح المسلح”.
في العام 2017، خلف هنية خالد مشعل في رئاسة المكتب السياسي للحركة، وتسلّم المسؤولية في وقت كانت حماس تسعى للتخفيف من عزلتها الدولية دون تهميش أعضائها.
وأعلنت حماس في حينه صيغة معدّلة لوثيقتها السياسية تعكس توجها أكثر اعتدالا، دون التراجع عن موقفها بعدم الاعتراف بـ “إسرائيل”.
لم يخف هنية موقفه من الاعتراف بـ “إسرائيل”، وهو قال يوما في مهرجان جماهيري في غزة “أقول لكم وبأمانة سنسأل عنها أمام الله وبثبات الرجال وعهدة الشهداء أننا لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل”.
بقي هنية في الأعوام الأولى لتوليه المكتب السياسي مقيماً في منزل متواضع في مخيم الشاطئ في قطاع غزة. وغالباً ما كان يخرج للمشي في الشارع، أو يلقي الخطب في المساجد مرتدياً عباءة تقليدية.
غاب هنية عن غزة منذ ما لا يقل عن أربعة أعوام. بعد اندلاع الحرب، كرّر مراراً اتهام “إسرائيل” بارتكاب “إبادة جماعية ووحشية لم تعرفها البشرية” في غزة، والمماطلة في إبرام اتفاق لوقف النار.
ودفع هنية كلفة شخصية جراء الحرب، إذ قتل العشرات من أقاربه في القصف الإسرائيلي، بينهم ثلاثة من أبنائه.
وقال لقناة الجزيرة قبل عامين “هذه فلسطين التي على جنباتها وفي أروقتها سالت دماء وشهداء وعظماء وأبطال وأسرى وأسيرات”. وأضاف “نعم نحن نستشعر ثقل الأمانة والمسؤولية، وهذه مسؤولية لديها أثمان، ونحن أيضا مستعدون لهذه الأثمان… الشهادة في سبيل فلسطين”.
