التلوث يجهم على صدور العراقيين ويجعل المدن غير قابلة للعيش
العراق يحل خامسًا بتلوث الهواء والكاربون تضاعف بالأجواء سبع مرات خلال ثلاث سنوات.
بغداد – الرافدين
انتقدت مراصد بيئية تقاعس حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن الإيفاء بوعودها للحد من معدلات التلوث البيئي المتزايدة.
وأكدوا على أن كل الوعود لا تزال حبرًا على ورق على الرغم من كثرة التحذيرات من المخاطر الناجمة عن تلوث الهواء على صحة المواطنين.
ولفتوا إلى عدم وجود أي تخصيصات مالية خاصة بمعالجة مشاكل البيئة في العراق، فضلًا غياب أدوات التفكير والتخطيط المسبق لإدارة المخاطر المحدقة بالبلاد جراء تلوث الهواء.
وكشف المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان، بأن العراق في المنطقة الثالثة لتركيز ثاني أوكسيد الكاربون بزيادة سبعة أضعاف خلال ثلاث سنوات وبزيادة سنوية تقدر بنحو 5 بالمائة.
وقال رئيس المركز، فاضل الغراوي، إن عام 2021 سجّل انبعاثات بتركيز ثاني أوكسيد الكربون في العراق بمعدل 177 مليون طن، في حين شهدت السنوات الثلاث الماضية لغاية 2024 تسجيل 27 مليون طن.
وأضاف، أن العراق يحل في المرتبة الخامسة في أكثر الدول تلوثًا بانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون ومؤشرات الاحتباس الحراري، حيث تأتي بغداد في المرتبة 13 لأكثر المدن تلوثاً بانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون.
وأوضح أن أهم مصادر لارتفاع انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون في العراق هي قطاعات النفط والكهرباء والنقل.
وقال مدير قسم مراقبة الكيمياويات وتقييم التلوث في وزارة البيئة، لؤي صادق المختار، إن “نسبة تلوث الهواء في العراق تجاوزت المعدل المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية بـستة أضعاف”.
وأضاف أن “البلاد تجاوزت الـ 70 جزء من المليون في نسبة الملوثات حسب محطات القياس الموجودة في بغداد، في حين أن محدد الصحة العالمية هو 10 جزء من المليون”.
وأوضح أن “نوعية الهواء تتراوح بين اللون الأصفر المؤثر على صحة الإنسان وخصوصًا الذين يعانون من مشاكل تنفسية، واللون البرتقالي غير الصحي، الذي إن وصل مؤشر نوعية الهواء إليه، فعلى الناس ذوي المشاكل الصحية الجلوس في منازلهم وإغلاق النوافذ”.
ويرى مدير قسم مراقبة الهواء والتلوث في مديرية البيئة الحضرية بوزارة البيئة علي جابر أن هناك مخاطر أخرى تؤثر على نوعية الهواء تتمثل في الحرق المفتوح للنفايات، إذ لا يوجد في العراق نظام متكامل لإدارة النفايات يتكفل بتجميعها وتدويرها وتحويلها إلى طاقة كهربائية صديقة للبيئة.
وقال إن “معدلات تلوث الهواء يتفاقم تأثيرها خلال أشهر الصيف مع زيادة الانبعاثات من الأنشطة الصناعية وتشغيل المولدات، والمتمثلة بالدقائق العالقة والمركبات العضوية المتطايرة وأكاسيد النيتروجين والكبريت”.
وانتقد “معهد واشنطن” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في تقرير تحت عنوان “النفط العراقي.. نعمة للسياسيين ونقمة على سكان البصرة؟”، غياب الرعاية الصحية الكافية من جانب الحكومة العراقية رغم ميزانيتها القياسية، وعدم إيلاء الاهتمام اللازم بالوقاية البيئية التي تحمي المواطنين في المناطق التي تشهد نشاطا متصاعدا في استخراج النفط وبرغم الأرباح الكبيرة التي تحققها الشركات العملاقة.
وعد التقرير الأمريكي، أن تدهور الصحة العامة في مدن الاستخراج النفطي، يستدعي إجراءات وطنية ملموسة لإنهاء المعاناة المتضررين.
واستند التقرير على بيانات الأقمار الصناعية المتحسسة للمواقع النفطية، والتي تظهر أن حقل الرميلة هو من أسوأ حقول النفط في العالم في حرق الغاز المصاحب، حيث تتسرب المركبات السامة لتختلط بالهواء أثناء حرائق آبار النفط والمنتجات النفطية، ويمكن أن ترتفع السحابة الدخانية الناتجة عدة مئات من الأمتار وتنتشر على مئات الكيلومترات متبعة اتجاه الرياح.
وأشار إلى أن المواد النفطية المحترقة، تنتج مجموعة واسعة من الملوثات، مثل السخام “الكربون في الغالب” والغازات “أبرزها ثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة مثل البنزين وكبريتيد الهيدروجين، والغازات الحمضية”، والتي تسبب مخاطر صحية بالغة.
ويرى الباحث بالشأن البيئي خالد سليمان أن “العراق يواجه تلوثًا غير مسبوق في الهواء، وذلك لمسببات كثيرة منها الصناعة النفطية دون أخذ المعايير البيئية بنظر الاعتبار”.
وأشار إلى أن “الصناعة النفطية تشكل المصدر الرئيسي والأول للتلوث في العراق، ناهيك عن الانبعاثات الكبيرة من الغازات الدفيئة أو الغازات المسببة للاحتباس الحراري”.
ولفت إلى أن “فقدان الغطاء النباتي، بسبب التصحر وقلة المياه، فضلا عن تراجع الأمطار، وعدم وجود سياسات بيئية مستدامة جعلت مساحات كبيرة من الأراضي العراقية تتعرى إلى الحد الذي يجعلها تفقد أنواع عديدة من النباتات، ولذلك فإن هذه الأراضي عندما تتعرض إلى الحرارة وأيضا إلى تيارات هوائية تولد كميات كبيرة من جزيئات التربة، وترفعها إلى الجو وبالتالي تحدث العواصف الترابية”.
وبين أن “عدم معالجة النفايات الخارجة من البيوت والمعامل والمستشفيات الخاصة، إضافة الى عدم معالجتها جعلها تشكل مصدرًا من مصادر تلوث الهواء في البلد”.
وأكد على أنه بسبب غياب القوانين، فالمواطن لا يلتزم بالمعايير البيئية في حياته اليومية بالنسبة للصرف والاستهلاك من غذاء وطاقة وماء، وبما أن هناك غياب للقوانين فبالتالي يبقى المواطن يستمر في سلوكه من ناحية الاستهلاك.
وقال المختص في مجال البيئة حسام المعيني إن “العراق يواجه تحديات كبيرة بسبب التلوث، ويجب اتخاذ إجراءات فورية للحد من هذه المشكلة”.
وأضاف أن “عدم الالتزام بالمحددات البيئية يزيد من تفاقم المشكلة، حيث أن معظم الانبعاثات تأتي من محطات الطاقة والمرافق الصناعية والسيارات”، مشيرًا إلى أن “الحلول يجب أن تشمل تحسين تقنيات الاحتراق في المحطات واستخدام مصادر طاقة بديلة مثل الطاقة الشمسية والرياح”.
من جانبه قال الخبير البيئي أحمد حسن إن “ارتفاع درجات الحرارة يزيد من حدة التلوث”، مشيرًا إلى أن “زيادة استخدام مولدات الكهرباء الأهلية التي تعمل بالوقود، نتيجة انقطاع الكهرباء الحكومي، يؤدي إلى زيادة الملوثات في الأحياء السكنية”.
وأضاف “ارتفاع درجات الحرارة يساهم في تفاقم الحرائق، ما يزيد من تلوث الهواء والمياه، ويؤدي إلى زيادة معدلات تبخر المياه من الأنهار والبحيرات والسدود، مما يركز الملوثات ويؤثر سلبًا على جودة المياه”.
ويرى الخبير البيئي صالح الشمري “ارتفاع معدلات تلوث الهواء مرتبط بتفاقم مشكلة التصحر بسبب العديد من العوامل، أهمها تغير المناخ، والاستخدام غير المستدام للأراضي، وإزالة البساتين والأشجار، والتعديات على الأراضي الزراعية، فضلاً عن تبعات الحروب، إضافة إلى تدهور الموارد المائية. التصحر يسهم كثيراً في التلوث، وهذا التلوث المتزايد لا يؤثر فقط على العراق، بل على الدول المحيطة، إذ تزايدت العواصف الترابية، وباتت تنتقل من العراق إلى الدول المجاورة”.
ويدعو الشمري إلى “تعاون دولي لدعم العراق من أجل الوصول إلى حلول للحفاظ على بيئته التي تمثل جزءًا من البيئة الإقليمية والدولية”، محذرًا من “كوارث بيئية ومخاطر عدة تهدد السكان، والزراعة، والمياه، والإنتاج الحيواني، والتنوع البيولوجي. ينبغي دعم العراق لتدارك التدهور البيئي الخطير الذي يعاني منه السكان”.
وقال الناشط البيئي حميد العراقي إن “العراق حاليًا يمر بأشد مراحل التدهور المائي الذي يُهدد الوضع البيئي ويرفع معدلات تلوّث الهواء، ويعني ذلك ضرورة التوجه نحو تقليل الانبعاثات الناجمة عن الوقود الاحفوري، وتشجيع وتطوير القطاع الزراعي، والاعتماد على محاصيل يتطلب سقيها كميات قليلة من المياه”.
وأكد أن “الحكومات ومجالس النواب التي تشكلت طوال العقدين الماضيين لم تقدم ما يلزم لتقليل آثار التغيّر المناخي”.
وأضاف أن “هناك حاجة لوضع خطة شاملة للمواجهة والتكيّف، تبدأ بالتفاهم مع دول الجوار للمشاركة في احتواء الأضرار، وإجراء إصلاحات حقيقية في الداخل منها تقليل استخراج النفط، وتعزيز النقل الجماعي، واستيراد السيارات الكهربائية، وتفعيل قانون البيئة المعطل”.