أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تدمير ثروة العراق السمكية بهدف إغراق الأسواق بالمستورد الإيراني

مختصون ينتقدون السياسات الحكومية الخاطئة التي أدت إلى تقليص المواطن الطبيعية للأسماك من خلال ردم البحيرات دون التخطيط العلمي المدروس لمصير الثروة السمكية.

بغداد ـ الرافدين
أثارت مشاهد نفوق ملايين الأسماك في القناة المائية الرابعة بقرية العمشان – قضاء المجر الكبير التابع لمحافظة ميسان شرقي العراق مخاوف الناشطين والمختصين في مجال البيئة محذرين من كارثة كبيرة تهدد الثروة السمكية بالبلاد وسط تخاذل من قبل الجهات الحكومية في سبيل تحقيق أجندات خارجية.
وقال الناشط البيئي أحمد نعمة إن ما حدث يمثل صدمة بيئية وكارثة حقيقية تتطلب تحرك عاجل من الجهات الحكومية، مشيرًا إلى أن عمل الكثير من الصيادين تأثر بشكل أو بآخر نتيجة هذا النفوق الأخير للأسماك.
وأوضح أن السبب الأساس في نفوق ملايين الأسماك هو نقص الايرادات المائية الذي أدى إلى نقص الاوكسجين وبالتالي نفوق هذا العدد الكارثي من الأسماك.
ولكن ثمة مفارقة في هذا الأمر تتمثل بأن هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، بالتالي تطرح تساؤلات حول أسباب عدم مراعاة جانب زيادة الإطلاقات المائية تفاديًا لمنع وقوع كوارث بيئية.
وحذرت دائرتا بيئة الديوانية وميسان من مخاطر اتساع ظاهرة نفوق الأسماك في هور الدلمج ونهر العز بناحية الخير ضمن الأهوار الوسطى.
وأفاد مدير الإعلام في بيئة الديوانية صفاء جواد الشكري، بأن فرقًا بيئية رصدت نفوق كمية كبيرة من الأسماك في هور الدلمج نتيجة ظروف طبيعية وبشرية.
وحذر من مخاطر اتساع رقعة النفوق على الثروة السمكية، خصوصًا أنها شملت أنواعًا كثيرة من الأسماك، مثل البني والشلق والسلفر والخشني وغيرها، داعيًا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الظاهرة التي تتأثر بارتفاع درجات الحرارة وملوحة المياه والصيد الجائر.

نفوق ملايين الأسماك في العراق نتيجة لأزمة المياه المتفاقمة وغياب الدعم الحكومي

وأوضح مدير بيئة محافظة ميسان باسم محمد، أن تفرعات نهر العز بناحية الخير ضمن الأهوار الوسطى شهدت خلال الآونة الأخيرة نفوق ملايين الأسماك، نظرًا لانخفاض الأوكسجين المذاب في الماء وارتفاع تراكيز الأملاح الذائبة والعناصر الأخرى.
وتعود جذور أزمة الثروة السمكية في البلاد إلى السياسات الحكومية الخاطئة من خلال ردم البحيرات وتغيير مسارات الأنهار دون دراسة علمية وبيئية فضلًا عن ازمة المياه المتفاقمة مما ساهم بتقليص المواطن الطبيعية للأسماك.
ووصف مختصون في مجال البيئة تدمير المواطن الطبيعية للأسماك وردم البحيرات بالجريمة البيئية مطالبين بحماية هذه المواطن من التعديات وتبني سياسات بيئية مستدامة للحفاظ على التنوع البيولوجي.
ويرى المختصون أن عمليات ردم بحيرات الأسماك أدى إلى تدمير البيئات التي كانت تعتبر ملاذًا آمنًا لتكاثر الأسماك هذا الأمر لا يؤثر فقط على الإنتاج السمكي بل يمتد ليؤثر على التنوع البيولوجي والبيئي في العراق.
وطالب مختصون حكومة الإطار التنسيقي بمراجعة سياساتها المتعلقة بإدارة الموارد المائية والحفاظ على البيئات الطبيعية.
وأكدوا على ضرورة دعم قطاع الثروة السمكية من خلال توفير الدعم الفني والمالي للمزارعين والصيادين بالإضافة إلى تعزيز البحث العلمي في مجال تربية الأسماك وتطوير تقنيات حديثة لتحسين الإنتاج المحلي.
وأدى نفوق الأسماك وانخفاض الإنتاج المحلي إلى ارتفاع كبير في أسعار الأسماك في الأسواق المحلية والذي أثر بشكل مباشر على المستهلكين خاصة الفئات ذات الدخل المحدود التي تعتمد على الأسماك كمصدر رئيسي للبروتين.
وشهدت الأسواق العراقية غزوًا للأسماك المستوردة من إيران، حيث يعتبر هذا التحول انعكاسًا للتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد والأجندات الخبيثة التي تسعى إلى تحول العراق من بلد معروف بثروته السمكية إلى بلد مستورد للأسماك الإيرانية.
ويشكو باعة الأسماك والمواطنين من ارتفاع أسعارها التي وصلت إلى نحو 13 ألف دينار للكيلو غرام الواحد.
وتحدث باعة السمك في بغداد عن الأسعار التي ارتفعت بشكل كبير ما اضطر الكثير من باعته إلى إغلاق محالهم بسبب عدم تحقيق الأرباح اللازمة لتغطية أجور اليد العاملة وباقي متطلبات الحياة اليومية.
وأشار الباعة إلى أن ارتفاع أسعار الأسماك سببه عمليات غلق وردم العشرات من البحيرات، وأن هذا الإغلاق جاء من أجل فتح أبواب الاستيراد للسمك بحجة شحته محليًا وارتفاع أسعاره.

الإنتاج السنوي الحالي للأسماك في تراجع خطير!

وكان رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك أياد الطالبي، قد أكد في وقت سابق أن ارتفاع الأسعار يعود إلى عوامل عدة، في مقدمتها ردم وزارة الموارد المائية الأحواض والبحيرات الصناعية الخاصة بتربية الأسماك وشح المياه، فيما أشار إلى تراجع الإنتاج السنوي إلى 150 ألف طن بعد أن كان يصل إلى مليون طن في الأعوام الماضية.
يشار إلى أن عمليات ردم بحيرات الأسماك في عموم محافظات العراق جرت وفق حملة تنفذها وزارة الموارد المائية بذريعة نقص وشح المياه، ما أثر بشكل كبير على أسعار الأسماك بعد انخفاض أعدادها في الموسم الماضي.
ويبين الخبير الاقتصادي جعفر الناصري، أنه ليس من المعقول أن يصل الحال إلى حد يتم فيه استيراد الأسماك في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة على إنعاش الإنتاج المحلي وتحريك عجلة الاقتصاد.
وتابع أن العراق بلد الخيرات ويفترض أن يكون السمك متوفر للحد الذي يدفع باتجاه تصديره إلى الدول الأخرى وليس العكس، هل كان الهدف من ردم آلاف البحيرات هو الحفاظ على المياه أم لفتح الطريق أمام الاستيراد؟
وأضاف “الثروة السمكية يجب أن تحظى بالدعم من خلال خطط مدروسة تحفظ الأمن الغذائي للعراقيين، حيث نواجه كارثة حقيقية تهدد آلاف العاملين في هذا المجال”.
ويعاني العراق من نقص حاد في المياه نتيجة لتغير المناخ وسوء إدارة الموارد المائية، بالإضافة إلى انحسار الأنهار وانخفاض مستوى المياه في البحيرات مما أدى إلى نقص الأوكسجين في المياه وتسبب في نفوق أعداد كبيرة من الأسماك.
وحذرت تقارير سابقة للأمم المتحدة من تداعيات أزمة المياه في العراق وتأثيرها على الأمن المائي مشيرة إلى أن 17 من 22 دولة عربية مصنفة على أنها على خط الفقر المائي بينها 12 تحت خط الفقر المائي المدقع ومنها العراق.
وعانى العراق في السنوات الأربع الأخيرة من أزمة جفاف خطيرة وصلت ذروتها في عامي 2022 و2023 أدت إلى انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات إلى حد أن ظهر قاع النهر في عدة مناطق يمر بها النهرين، كما جفت العديد من الأنهار الفرعية التي تغذي أو تتغذى من دجلة والفرات.
وكذلك انحسرت المياه في الأهوار والمسطحات المائية إلى درجة أدت إلى نفوق ملايين الأسماك.

نفوق الأسماك.. مشاهد تتكرر دون حلول حكومية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى