أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

النفايات الطبية خطر بيئي يهدد أرواح العراقيين وسلامتهم

أطباء وخبراء بيئيون يحذرون من الفشل الحكومي في إدارة ملف النفايات الطبية وما يترتب على ذلك من مخاطر صحية تهدد سلامة الفرد العراقي فضلًا عن التربة والمياه والبيئة بشكل عام.

بغداد – الرافدين
حل العراق بالمراتب الأخيرة عربيًا وعالميًا في مؤشر الأداء البيئي عن قائمة “الدول الأكثر والأقل نظافة” لعام 2024 في وقت تتعدد فيه مسببات التلوث البيئي والتي برز من بينها مؤخرًا النفايات الطبية والمخاطر المترتبة على الطرق البدائية لإتلافها.
وجاء العراق بالمرتبة 172 من أصل 180 دولة عالميًا في مؤشر الأداء البيئي، فيما جاء بالمرتبة الأخيرة عربيًا، حيث بلغت عدد نقاطه 30.4 من أصل 100 نقطة وسط تحذيرات من تبعات خطيرة للتلوث الذي باتت النفايات الطبية واحدة من أسبابه.
ويقدم مؤشر الأداء البيئي ملخصًا لحالة الاستدامة في جميع أنحاء العالم، باستخدام 58 مؤشرًا للأداء عبر 11 فئة من القضايا، يصنف مؤشر الأداء البيئي 180 دولة على أساس أداء تغير المناخ والصحة البيئية وحيوية النظام البيئي، ومدى اقتراب البلدان من أهداف السياسة البيئية المعمول بها.
ولم يتفوق العراق سوى على مدغشقر، إرتيريا، بنغلادش، الهند، ميانمار، لاوس، باكستان، وفيتنام التي جاءت بالمرتبة الأخيرة وبلغت نقاطها 24 نقطة.

العراق في المرتبة الأخيرة عربيًا وعالميًا بالنظافة وفقًا لمؤشر الأداء البيئي في وقت تجد فيه النفايات الطبية طريقها إلى الأنهار

ووفقًا لشهادات عاملين بالمؤسسات الصحية ونشطاء بيئيين ومسؤولين حكوميين، فإن أطنانًا من النفايات الطبية الصلبة التي تطرحها المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية والأهلية والعيادات الطبية بشكل يومي، تجد طريقها إلى مناطق الطمر المختلفة التي تعتمد طرقًا تقليدية في التخلص من نفاياتها أشهرها عبر الطمر لتتغلغل في التربة وتختلط بالمياه الجوفية وتساهم فيما بعد بزيادة تلوث البيئة بشكل عام.
ويشير مختصون في قطاع الصحة العامة، إلى أن معدل النفايات في المستشفيات لكل سرير مخصص للمرضى في اليوم يتراوح بين 4.8 الى 4.2 كلغم بينما تتحدث مصادر بيئية عن أرقام أكبر.
وبحسب تقارير سابقة صادرة عن وزارة الصحة يوجد في العاصمة بغداد وحدها، 105 مستشفى حكومي وخاص و 463 مركزًا صحيًا، ولو كان معدل الأسرة 50 سريرًا لكل واحدة من هذه المستشفيات، سيكون هنالك 5250 سريرًا في بغداد وحدها، وإذ ضرب بمعدل التوليد اليومي للسرير الواحد من النفايات وبافتراض أنه 4 كيلو غرام سنكون أمام 21 طنًا من النفايات الطبية في العاصمة وحدها.
ويذهب الجزء الأكبر من هذا الرقم الكبير من النفايات والمخلفات الطبية الصلبة الذي تطرحه مشافي بغداد وحدها يوميًا، إلى منطقتي طمر رئيسيتين حاصلتين على الموافقة البيئية، تقع واحدة بمنطقة النباعي بجانب الكرخ، والثانية بالنهروان بجانب الرصافة بينما يذهب الجزء الآخر إلى المطامر غير المصرح بها بيئيًا والتي بلغت في العام الماضي نحو 169 موقعًا بحسب بيانات حكومية.
ووفقًا لخبير صحي فإن “هذه الكميات من النفايات الطبية يضاف إليها ما تطرحه المراكز الصحية والمختبرات الصحية الخاصة والعامة وعيادات الأطباء والممرضين التي لا تملك محارق “والتي تساهم جميعا بتلويث البيئة بمواد خطرة”.
ويؤكد الخبير الذي طلب عدم الإشارة إلى أسمه أن التخلص من تلك الكميات الكبيرة من النفايات يوميًا لا يتم بنحو سليم”.
ويضيف أن “النفايات الطبية الخطرة لا تفرز عن الأخرى في الكثير من المستشفيات، وفي البعض منها، تخلط النفايات الطبية مع المخلفات والنفايات العادية، وضررها قد يصيب العاملين أنفسهم في المؤسسات الصحية، وكذلك عمال النظافة في القطاع البلدي وأولئك الذين ينبشون النفايات والسكان القريبين من مناطق الطمر الصحي أو تجمع النفايات”.
بدوره يؤكد الناشط البيئي علي سعيد، أن المخلفات الطبية تتسبب بالعديد من الأمراض من بينها السرطانية، وأن هناك عشرات الحالات المرضية التي يعرفها بسبب هذه النفايات.
وأضاف علي سعيد إن الجهات الرسمية الحكومية “لم تتحرك مطلقًا لمعالجة المشكلة”.
ويلفت الناشط البيئي إلى أن عائلات فقيرة تعتمد على ما يلتقطه أفرادها من أماكن تجميع النفايات ولا يتخذون أية وسائل حماية لوقاية انفسهم من خطرها، فيكونون عرضة لأمراض أقلها الجلدية والتنفسية.
ولا يجد يوسف سلام مع زوجته وولديه الفتيين، من وسيلة لتوفير قوت يومهم، سوى النبش في تلال النفايات التي تحيط بمدينة النهروان، جنوب شرق العاصمة بغداد، حيث يقطنون، وإخراج ما يتسنى لهم بيعه من مواد بلاستيكية ومعدنية.
ويقول يوسف سلام (34 عامًا) إننا “نجمع كل ما يصلح لإعادة التدوير، ثم نبيعه بالوزن لوسطاء أو عاملين في معامل التدوير”.
وأضاف وهو يتطلع لأفراد عائلته وعدد من العاملين في مكب النفايات “كلنا تقريبًا نعاني من أمراض جلدية أو صدرية، نحن نعرف أن هذا يشكل خطرًا على حياتنا لكن ما من سبيل آخر أمامنا للعيش”.
ويرفع كم قميصه المتهرئ كاشفًا عن ذراعه الذي بدا متقرحًا في بعض الأجزاء معلقًا بالقول إن “الأطباء في المركز الصحي القريب وكذلك طبيب معروف راجعت عيادته أخبروني أنني مصاب بالأكزيما بسبب ملامسة النفايات الطبية التي كثيرًا ما أجدها هنا”.
ويعدد أنواعها “حقن وأنابيب وأكياس مغذيات السيلان وكانيولات وعلب أدوية وأغطية وغيرها كثير”.
ولأنه يعمل بيديه المجردتين كما هو حال الغالبية العظمى من جامعي النفايات في النهروان، فإن العدوى قد انتقلت إليه.

نحو 20 طنًا من النفايات الطبية تخلفها يوميًا مستشفيات بغداد يعالج معظمها بطرق بدائية وتقليدية تضر في البيئة

وتختلف المخلفات الطبية من مشفى أو مؤسسة صحية إلى أخرى، تبعًا للخدمات المقدمة فيها، لكن معظم تلك المخلفات تتضمن مواد بيولوجية تُعد من أخطر الفئات، بسبب احتوائها على مزيج من الفيروسات والبكتيريا والأعضاء البشرية تتسبب لمن يتعرض لها فيما بعد بالأمراض الجلدية والتنفسية وحتى الهضمية.
وتجد بعض هذه المخلفات طريقها إلى الأنهار، سواء مرت بوحدات المعالجة أو دونها، حيث لا توجد شبكات تصريف خاصة بالمجاري الثقيلة في أغلب المناطق، ولا توجد معالجة لتلك المياه قبل أن تصرف إلى الأنهر.
ويشير الدكتور الطبيب قحطان صديق إلى انتشار غير مدروس للمستشفيات الأهلية وما يصفها بـ”دكاكين المضمدين” والعيادات الخاصة، والمستشفيات العامة الجامعة بمختلف الاختصاصات وفي أماكن مختلفة وكذلك المستوصفات ومذاخر الأدوية.
ويذكر بأن نسبة المخلفات غير الخطرة تبلغ بنحو عام 85 بالمائة من الكم الإجمالي لمخلفات أنشطة الرعاية الصحية والنسبة المتبقية البالغة 15 بالمائة مواد خطرة يمكن أن تنقل العدوى أو أن تكون سامة أو مشعة.
وينبه الى أن بعضها ملوثة بالدم وسوائل الجسم الأخرى مثل “المخلفات الناتجة عن عينات التشخيص المنبوذة، وعينات الزرع ومخزونات العوامل المُعدية التي تخلفها أعمال المختبرات كمخلفات المشرحات والحيوانات المصابة بالعدوى، والناتجة عن أعمال المختبرات أو مخلفات المرضى في أجنحة العزل والمعدات مثل الممسحة والضمادة والمعدات الطبية التي تُستعمل مرة واحدة”.
ويلفت إلى أن مخلفات أخرى خطرة كالمخلفات الباثولوجية، والأنسجة أو الأعضاء أو السوائل البشرية، وأجزاء الجسم والذبائح الحيوانية الملوثة، والأجسام الحادة كالمحاقن والإبر والمشارط والشفرات التي تُستعمل مرة واحدة، وغيرها.
وإلى جانب المذيبات التي تُستعمل في التركيبات المختبرية، والمواد المطهرة، والفلزات الثقيلة الموجودة في المعدات الطبية كالزئبق الموجود في مقاييس الحرارة المكسورة والبطاريات، وهي سامة وتؤثر على نمو أدمغة الأطفال بشكل كبير فضلًا عن المستحضرات الدوائية كالعقاقير واللقاحات المنتهية الصلاحية وغير المستعملة والملوثة، والمخلفات السامة للجينات.
ويتابع الدكتور قحطان صديق “كما أن هناك النفايات البالغة الخطورة أو المطفّرة أو الماسخة أو المسرطنة، مثل العقاقير السامّة للخلايا والمُستخدمة لعلاج السرطان، ومستقبلاتها والمخلفات المشعة كالمنتجات الملوّثة بالنويدات المشعة، بما في ذلك المواد التشخيصية المشعة أو المواد التي تُستخدم في العلاج الإشعاعي”.
وينوه إلى أن مصادر كل هذه الأنواع من الملوثات هي المستشفيات والمرافق الصحية والمختبرات ومراكز البحوث ومراكز التشريح ومختبرات البحوث والفحوصات الحيوانية وبنوك الدم وخدمات جمع العينات دور رعاية العجزة والمسنين.
ويقول إن عدم التعامل الصحيح مع هذه المخلفات يؤدي إلى انتشارها في القمامة ومن ثم تسربها للأنهار والهواء وتؤدي بالدرجة الأولى إلى انتقال عدوى الإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي B وكذلك النوع C بدرجة أقل كما أنها تساعد على انتشار أمراض العوز المناعي الفيروسي وغيرها.
بدوره يحذر الباحث في مجال البيئة والتلوث الدكتور عمار السوداني من أن “المخلفات الناتجة عن استخدام المواد الكيميائية داخل المشافي مثل النيكل والرصاص تشكل خطرًا بناءًا على استخداماتها وتعد من أهم المسببات للأمراض المسرطنة، كمخلفات التصوير الشعاعي وجميع هذه المواد تم رصدها في نقاط المراقبة في نهر دجلة في محافظة بغداد”.
وأضاف السوداني أن الحرق العشوائي للنفايات الطبية وعدم مراعاة الضوابط والمعايير البيئية في عملية التخلص منها ينتج عنه “أبخرة وغازات سامة مثل الديوكسينات التي تنتج عن حرق البلاستيك أو غازات أخرى حسب مكونات النفايات الطبية مثلًا إن كانت مواد عضوية فتخرج ثاني أوكسيد الكاربون أو مواد طبية فتنتج أكاسيد الكبريت أو النيتروجين أو الزئبق”.

15 بالمائة من الكم الإجمالي لمخلفات أنشطة الرعاية الصحية عبارة عن مواد خطرة تتسبب بالعدوى والتسمم

ويقترح خبراء حلولًا مختلفة لمعالجة المشكلة من جذورها، كإنشاء محطات لمعالجة النفايات والمخلفات الطبية، واستخدام “التعقيم بالبخار لخفض الانبعاثات الضارة من المخلفات الطبية، وعزلها في دوائر مغلقة وإعادة تدويرها من أجل إعادة الاستخدام”.
ويقول الخبير البيئي رضوان علي، بأن الحل الأمثل لمعالجة النفايات الصلبة يكمن في معالجتها بواسطة شركات متخصصة يتم التعاقد معها، وأن تفرض رقابة صارمة على المحارق الطبية ووحدات معالجة المياه في المستشفيات، وفرض عقوبات رادعة على المخالفة منها”.
ويحذر من أن المستشفيات أو باقي المؤسسات الصحية الحكومية ليست المسؤول الوحيد عن تسرب النفايات والمخلفات الطبية بدون معالجة، بل أيضًا مختبرات الصحة الخاصة والصيدليات وعيادات الأطباء والتمريض والمراكز البحثية والطبية في الجامعات، وحتى المنازل التي فيها مرضى.
ودعا إلى اعتماد مشاريع الفرز الحديثة بتحديد حاويات خاصة للمواد الغذائية وأخرى للبلاستيكية، وللورقية وللزجاجية وللمعدنية”.
وخلص الخبير البيئي بالقول إنه “اذا أصبح ذلك منهجًا حياتيًا سيتم التخلص أو في الأقل تقليل مخاطر تسرب المخلفات الخطرة وتحجيم ضررها البيئي”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى