أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

“الدرع العشائري” ميليشيات جديدة تمعن بإذلال القضاء في العراق

انتشار السلاح وضعف سلطة القانون ساعد على انتشار ظواهر اللصوصية والعشائرية بعد فشل الحملات الأمنية التي تعلن عنها الحكومات المتعاقبة لحصر السلاح بيد الدولة.

بغداد – الرافدين
عجزت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 في العراق عن فرض سلطة القانون وهيبة الدولة، وانشغلت بالمحاصصة الطائفية والحزبية، مما أدى إلى بروز ظواهر دخيلة على المجتمع العراقي، تهدد السلم الاجتماعي وتشجع على تأسيس الميليشيات.
وعلى غرار الميليشيات المرتبطة بالأحزاب الحاكمة، انتشر في الآونة الأخيرة ما يعرف بـ “الدرع العشائري” وهي أشبه بميليشيات صغيرة حيث يكون لكل عشيرة صنف يضم مجموعة كبيرة من الأشخاص المسلحين يطلق عليهم “درع العشيرة”، تنفذ أفعال بعيدة عن القانون، وبالتالي تعد وجهًا آخر لـ”الدكة العشائرية”.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة المتكرر عن اتخاذ إجراءات ووضع خطط لمعالجة مثل هذه الظاهر ومنها النزاعات العشائرية، إلا أن حدة النزاعات في الآونة الأخيرة تظهر حجم الانفلات الأمني في البلاد وعدم تنفيذ أي من هذه الخطط.
إذ قال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية العميد مقداد ميري في حديث له لإحدى الصحف المحلية إن “المدة القليلة الماضية شهدت ظهور ما يسمى (الدرع العشائري)، أي أن كل عشيرة يكون لديها تشكيل لمجموعة من أبنائها يقومون بأفعال بعيدة عن القانون، وبالتالي تعد وجهًا آخر لـ(الدكة العشائرية)، وهذا الأمر مرفوض من قبل الوزارة”.
ولفت ميري إلى أن “مجلس القضاء الأعلى أصدر مؤخرا توجيها تم تعميمه بين جميع قيادات الشرطة، بأن يعاقب كل من يدعي (الدرع العشائري) ويرتكب أفعالا بعيدة عن القانون وفق المادة 4 إرهاب”.
وتابع أن “العشائر تشكل مرتكزا أساسيا في السلم المجتمعي”، مشيرا إلى أن “مديرية شؤون العشائر تمكنت خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي من حل 400 نزاع عشائري”.
وتعرف الدكة العشائرية، بأنها هجمات مسلحة على منازل الخصوم من العشائر الأخرى، وتعتبر كتهديد شديد لإرغامهم على الرضوخ للحكم العشائري، وتستخدم فيها الأسلحة الخفيفة، إذ لا يراد منها القتل أو إلحاق الضرر بالشخص المعني الذي لم يرغب بالرضوخ والجلوس وفق التعليمات العشائرية.
ويكشف تفاقم الدكات العشائرية انهيار مفهوم الدولة في العراق وتهميش القضاء.

الدكة العشائرية هاجس يهدد العراقيين

ويرى مراقبون أن انتشار السلاح وضعف سلطة القانون ساعد على انتشار الظواهر اللصوصية والعشائرية لاسيما بعد فشل الحملات الأمنية التي تعلن عنها الحكومات المتعاقبة لحصر السلاح بيد الدولة وأصبحت مجرد شعارات للمتاجرة والدعاية وسط وجود كتل وأحزاب تمتلك أسلحة وميليشيات تسيطر على الشارع بقوة السلاح وتفرض سيطرتها على أي حكومة.
وأشاروا إلى أن النزاعات العشائرية تحولت من ظاهرة سائدة إلى معضلة وجودية اجتماعية وقانونية في البلاد بسبب السلاح المنفلت الموجود لدى عناصر الميليشيات، إضافة إلى أن المواطن أصبح يلجأ لعشيرته لأخذ حقه بسبب عدم ثقته بالقانون وبالحكومة.
وأكدوا على أن الحكومة مهما ادعت ستبقى عاجزة عن معالجتها ما لم تتم السيطرة على السلاح المنفلت وإعادة هيبة القانون والقضاء.
وسبق لرئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، أن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي الفقرة ذاتها التي وردت في كافة البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ.
ورغم تصدر ملف حل مشكلة النزاعات العشائرية في منهاج حكومة الإطار التنسيقي إلا أن تسجيل الضحايا والمصابين في المحافظات العراقية الجنوبية والوسطى نتيجة النزاعات العشائرية المسلحة ما زال مسمرًا، وتستدعي في بعضها تدخل قوات الجيش لفضها.
ويشهد البلد انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو الميليشيات أو العشائر، ودائما ما يستخدم بالنزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.
وتشهد أغلب مناطق الجنوب وبعض مناطق بغداد نزاعات عشائرية مستمرة، وبعضها يدوم لأيام وسط عجز الأجهزة الأمنية عن إيقافها، وتستخدم في هذه النزاعات مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وشهدت محافظة ميسان مقتل امرأة ورضيعها بعد اندلاع نزاع مسلح بين عشيرتين في قضاء الكحلاء جنوبي محافظة ميسان، استخدمت فيه مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
ويشار إلى أن مجلس القضاء الأعلى، وفي خطوة للحد من النزاعات العشائرية، أصدر في تشرين الثاني 2018 قرارا يقضي بتوجيه تهمة الإرهاب ضد الأشخاص المتورطين ما يعرف بـ”الدكة العشائرية”، إلا أن النزاعات العشائرية شهدت، رغم صدور القرار، ارتفاعا لافتا، خصوصا في الأطراف الشرقية للعاصمة بغداد وفي محافظات ميسان وذي قار والبصرة.
يذكر أن القوات الأمنية دائما ما تنفذ حملات للبحث عن السلاح غير المجاز، في بعض الأقضية والنواحي في المحافظات، وتنتهي الحملات بضبط بعض الأسلحة الخفيفة فقط.

السلاح “المنفلت” في العراق.. أزمة معقدة ومعضلة “بلا حل”

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية بعدد قطع السلاح الموجودة لدى أفراد المجتمع العراقي، أو أماكن بيعها، إلان أن التقديرات تشير إلى وجود نحو 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، تستخدم من قبل الميليشيات والعصابات والكثير من العشائر جنوبي ووسط البلاد.
وأظهر تصاعد وتيرة النزاعات العشائرية في العراق عجز حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن حماية العراقيين وعدم سيطرتها على الملف الأمني نتيجة لضعف تطبيق القانون وانتشار السلاح المنفلت وسطوة الميليشيات وتجارة بيع السلاح التي يديرها متنفذون مرتبطون بأحزاب السلطة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى