العراق بحاجة إلى ثلاثين عامًا لإزالة مخلفات الأسلحة من أراضيه
البصرة أكثر محافظات العراق تلوثًا بالمخلفات الحربية والألغام بمساحة تقدر بمليار وأكثر من مئتي مليون متر مربع وبعدد ضحايا يقترب من 6000 شخص.
البصرة – الرافدين
انتقد خبراء بيئيون تقاعس حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن رفع المخلفات الحربية الممتدة في طول البلاد وعرضها جراء الحروب الداخلية والخارجية التي عصفت بها.
ولفتوا أن هذا الانتشار بات تهديدًا وجوديا وبمثابة قنابل موقوتة يروح ضحيتها المواطنون، فضلًا عن تأثيراتها القاتلة ببطء للبيئة والتربة والمحاصيل الزراعية.
وأكدوا على أن معالجة مشكلة تلوث الأسلحة في العراق تتطلب موارد هائلة وجهودًا منسقة لجمع المعلومات عن التلوث وآثار الأسلحة المتفجرة، وتعزيز إزالة الألغام وزيادة التوعية بالمخاطر، بالإضافة إلى تقديم المساعدة للضحايا.
وبينوا أن “عملية تطهير حقل واحد من الألغام قد يستغرق شهورًا ما يعني أن العراق قد ينتظر سنوات حتى تتم إزالة العديد من حقول الألغام”.
وقال مدير المركز الإقليمي لشؤون الألغام في الجنوب نبراس التميمي إن “ملف الألغام في محافظة البصرة أحد الملفات الشائكة الكبيرة حيث تصنف المحافظة من أشد المناطق تلوثًا على مستوى العراق والعالم”.
وأضاف “هناك أكثر من مليار ومئتين مليون متر مربع ملوثة بحقول الألغام والمخلفات الحربية والقنابل العنقودية إضافة إلى العدد الكبير من الضحايا جراء الحوادث التي تطال المواطنين بسببها”.
ولفت إلى أن “هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الملف تتمثل في قلة التخصيصات المالية وعدم وجود جهود تنفيذية كافة وقلة المنظمات العاملة في هذا المجال فضلًا عن مشاكل أخرى كالتغيرات المناخية والسيول وارتفاع درجات الحرارة وأيضًا اكتشاف مناطق خطرة جديدة بشكل يومي”.
من جانبه قال مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي إن “البصرة تعد الأولى عالميًا من ناحية الأكثر تلوثًا بالمقذوفات الحربية والألغام”.
واتفق التميمي مع مدير المركز الإقليمي لشؤون الألغام في المساحة الملوثة والتي قدرت بمليار وأكثر من مئتي مليون متر مربع، وعدد الضحايا يقدر بستة آلاف شخص منذ حرب الخليج الأولى وحتى اليوم، لافتًا أن النسبة الأكبر من الضحايا كانت بعد عام 2003″.
وأضاف التميمي أن “البصرة فيها مناطق شبه محظورة بمساحات ملوثة تمتد لعشرات الكيلو مترات، وأن هناك جزءًا كبيرًا من الملوثات يحمل اليورانيوم المنضب”.
وأوضح التميمي أنه “اليوم للأسف تحصر عملية إزالة الألغام والمخلفات الحربية واكتشافها بيد منظمات أجنبية تؤدي الأعمال بشكل خجول لا يتناسب مع أكبر مساحة ملوثة”.
وأضاف التميمي أن “البصرة تحتاج إلى صندوق خاصة يخصص لإزالة الألغام لأننا نخسر الأرواح بسبب عدم إجراء عملية مسح للمناطق الملوثة بالألغام لأسباب عجز أو قلة الدعم للشركات العاملة”.
وسبق أن توقع المدير الأقدم لدائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام بير لودهامر، أن “العراق يحتاج إلى نحو 30 عامًا لإزالة وتطهير المواد المتفجرة والذخائر منه بسبب قلة التمويل”.
وبيّن، أن الجهات الدولية المانحة قللت المنح المالية المتعلقة برفع المواد المتفجرة والذخائر بعد أن كان هناك 20 مانحًا عام 2017، معللاً ذلك بأن هؤلاء المانحين يعدّون العراق من الدول ذات الدخل المتوسط، وأن العراق بإمكانه أن يمول تلك البرامج من خلال الموازنة المخصصة لذلك، مؤكدًا على ضرورة تخصيص مبالغ في الموازنات الحكومية لرفع هذه المواد المتفجرة، والتي قد تكلف الدولة المليارات من الدنانير.
وكشف تقرير سابق لمنظمة “ماغ” الإنسانية الدولية التي تساعد الدول على إزالة وتدمير الألغام الأرضية والقنابل غير المنفجرة، أن العراق هو البلد الأكثر تلوثًا بالألغام في العالم، وأن جهود إزالتها ما تزال متأخرة لعقود من السنين.
وصرحت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق هبة عدنان في وقت سابق أن “سنوات الحروب والنزاعات في العراق، جعلته واحدًا من البلدان شديدة التلوث بالأسلحة في العالم”.
وأشارت إلى أن المساحة الملوثة بالمخلفات الحربية قريبة من حجم 364 ألف ملعب كرة قدم.
ويرى خبير إزالة الألغام عقيل المشرفاوي أن “المساحات الملوثة بالألغام والمخلفات الحربية والعبوات الناسفة تقدَّر بعشرات الكيلومترات، إضافة إلى المباني التي لا تزال أسيرة المخلفات، وهي قرى كاملة باتت مهجورة من سكانها”.
وعزا المشرفاوي أسباب قلة تمويل برامج إزالة الألغام، إلى عوامل كثيرة أولها انعدام الاهتمام الحكومي الجادّ بهذا الملف الخطير، لافتًا أن آفة الفساد هي سبب آخر يعيق جهود التخلص من هذه المخلفات الحربية، حيث تورّط بعض أصحاب الشركات المتخصصة وبعض المنظمات العاملة في مجال إزالة الألغام في صفقات فساد كبيرة.
ويعيش العراق تحديات كبيرة تتعلق بإدارة ما تركته النزاعات والحروب من مشكلات مرتبطة بالألغام، إذ يعد سببًا من أسباب إعاقة عمليات إعادة الإعمار، ويشكل تهديدًا مستمرًّا على الحياة اليومية.
ويرى خبير الألغام، قصي السعيدي، أن “أبرز تلك التحديات يتمثّل في حجم التلوث الكبير بالألغام والعبوات الناسفة والمخلفات الحربية في مختلف المناطق، خاصة في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية ضد تنظيم “داعش”.
وقال “ثمة تحديات أخرى تتعلق بنقص الموارد المالية والفنية والبشرية لتنفيذ عمليات إزالة الألغام بشكل فعّال وآمن، وعدم وجود بيانات دقيقة وموثوقة عن مواقع وأنواع وأعداد الألغام والمتفجرات الموجودة في الأراضي العراقية.”
وأشار إلى عدم وجود تشريعات ومعايير وطنية موحّدة ومحدّثة لتنظيم ورصد وتقييم الأعمال المتعلقة بالألغام، فضلًا عن غياب التوعية الكافية للمجتمعات المحلية بمخاطر الألغام والمتفجرات وكيفية التعامل معها”.
وقال المواطن صالح البدراوي من قرية الطعان في زرباطية شرقي محافظة واسط، المحاذية للحدود الإيرانية إن “زرباطية وبالخصوص قرية الطعان تعاني من مشكلة انتشار الألغام بشكل كبير، ولم تصل المعالجات الحكومية والدولية إلى حل جذري لها”.
وأضاف البدراوي الذي سبق وأن فقد إحدى عينيه بسبب انفجار لغم أرضي “يوميًا أتوجه بحذر إلى مزرعتي خشية من الألغام التي أخذت من عائلتي مأخذًا كبيرًا، فقبل سنوات قليلة من إصابتي، فقد شقيقي منعم ساقه بانفجار لغم”.
وتابع “موسم السيول يشكل أكثر الأوقات قلقًا لنا لأن المياه تقوم بجرف كميات كبيرة من المخلفات الحربية والألغام وما شابه”.
ولا تختلف قصة صالح البدراوي كثيرًا عن قصة راعي الأغنام بكر القصير من أهالي قضاء خانقين في محافظة ديالى المجاورة لواسط، والذي يؤكد أنه فقد قدمه بالكامل، إثر مروره على لغم من بقايا الحرب على داعش في المنطقة.
ويطالب القصير “السلطات الحكومية بتقديم دعم لشريحة المتضررين من إصابات الألغام والمخلفات الحربية، إضافة إلى التنسيق مع المنظمات الدولية لتنظيف العراق من هذه القنابل الموقوتة”.