سرقة القرن تتحول إلى فضحية تاريخية بعد نهب 8 مليارات دولار وليس 2.5 مليار دولار
رئيس هيئة النزهة حيدر حنون يتعمد إخفاء ضلوع سبعة فصائل مرتبطة بالأحزاب والميليشيات الحاكمة في العراق في سرقة القرن التي تم فيها نهب 8 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق.
بغداد- الرافدين
قالت مصادر قضائية ورقابية أن السلطات الحكومية تتستر على فضيحة تاريخية غير مسبوقة بعد أن كشفت أن كمية الأموال التي سرقت من الهيئة العامة للضرائب تصل إلى 8 مليار دولار وليس 2.5 مليار كما ذكر سابقا.
ويحاول رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون، تضليل الرأي العام عن كمية المبلغ المسروق بعد وعود بالإعلان عنه قريبا.
وتجاهل حنون في أخر تصريحات له الرؤوس الكبيرة في سرقة القرن بسبب حمايتهم من قبل أحزاب وميليشيات متنفذة، عبر الإعلان على لصوص ثانويين من الموظفين وأصحاب الشركات الصغيرة.
وقال “تم استرداد بعض المتهمين، من أصحاب الشركات الضالعة في عملية السرقة، وضمنهم المتهم قاسم محمد، وكان يشغل منصب المدير المفوّض لشركة (الحوت الأحدب)، وبلغت السرقة المسجّلة باسمه 988 مليار دينار”.
وأُلقي القبض، حسب حنون، على “المتهم محمد فلاح الجنابي، المدير المفوض لشركة (القانت)، وهو متهم بسرقة تريليون و85 مليار دينار، عبر 79 صكاً مزوراً”.
وذكر أن “المتهم الرابع بسرقة الأمانات الضريبة، هو علاء خلف مران، هارب الآن في لبنان، وكان منسوباً بمكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وبجعبته 890 مليار دينار”.
وكشف حنون عن أن عدد المتهمين فاق الـ30 متهما، من دون أن يذكر صلات هؤلاء المتهمين بالأحزاب الحاكمة وجهات سياسية متنفذة.
وعن المتهم الرئيس نور زهير في سرقة الأموال الضريبية الذي أُفرج عنه بكفالة، ذكر حنون أن “نور زهير متهم مكفل، وهو خارج السجن، والأموال المستردة تعود إلى القضاء، ومجمل القضية بيده، وثقتنا عالية بالقضاء”.
ولا تشكل الأرقام التي أعلنها رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون عن استردادها إلا نسبة ضئيلة من كمية المبلغ المسروق.
وتأتي تصريحات حنون الجديدة بعد قدّم “عرضا كوميديا قضائيا” ليتنافس به مع تراجيديا العروض السياسية القائمة في العراق، في محاولة مكشوفة لاستغفال الرأي العام عندما وعد بتحرك لتنظيم “إشارات حمراء” من الإنتربول بحق المطلوبين في سرقة القرن.
ويكشف مسعى رئيس هيئة النزاهة عن طبيعة الفساد الكامن في بنية القضاء العراقي، عندما يحاول أبعاد جريمة سرقة القرن عن سبعة فصائل مشاركة في حكومة الإطار التنسيقي والبحث عن كبش فداء من اللصوص الصغار، بذريعة أنهم خارج العراق.
ويعتقد الباحث في شؤون مكافحة الفساد غالب الدعمي، أن “قضية الأموال الضريبية متشابكة ومعقدة جدا، وأن الجزء الغاطس منها أكبر بكثير ربما من الجزء الظاهر لنا”.
وقال الدعمي في تصريحات صحفية إن “حجم التقديرات للمبالغ المسروقة ربما يصل إلى نحو 8 مليارات دولار، والمؤسف أن معظم هذه الأموال ذهبت إلى خارج البلاد”.
وأضاف “معظم المتورطين كانوا في الحقيقة أدوات لسارق حقيقي لم يظهر إلى الواجهة، لكنه يملك النفوذ اللازم للتملّص من السرقة، لقد كانوا مجرد أدوات، وحين حصولهم على الأموال عبر صكوك مصرفية اكتفوا بالحصول على نِسب صغيرة من تلك الأموال”.
وسبق أن كشف تحقيق تلفزيوني مصور لمجلة “إيكونوميست” البريطانية عن ضلوع سبعة فصائل مرتبطة بالأحزاب والميليشيات الحاكمة في العراق في سرقة القرن التي تم فيها نهب 8 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق.
وذكرت المجلة في التحقيق المصور الذي أجراه مراسلها في الشرق الأوسط نيكولاس بيلهام، أن لصوص الدولة يتقاتلون في ما بينهم في العلن، لكنهم يعملون معا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والطائفية.
وقال الباحث السياسي في “ذي سنتشري فاونديشن” سجاد جياد أن سبعة فصائل من مختلف الأطياف قد حصدت مكاسب من سرقة القرن: المدعومون من إيران، والمدعومون من الولايات المتحدة، وأنصار الوضع الراهن، وكل الفصائل تستفيد من مخططات الفساد.
وأضاف “هؤلاء المعارضون يقاتلون بعضهم البعض في العلن لكنهم يعملون سويًا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والأيديولوجية”.
ويقدر مسؤولون أن حجم الأموال التي اختفت من الخزانة العامة منذ سنة 2003 تتجاوز 300 مليار دولار.
ويصنف العراق من البلدان الغنية في العالم، حيث يعد أحد أكبر منتجي النفط في العالم بتحقيق أرباح من الصادرات في السنة الماضية تجاوزت 115 مليار دولار. ومع ذلك، لا يصل سوى القليل من هذه الأرباح إلى الناس العاديين.
وتستهدف مذكرات التوقيف التي أعلن عنها حيدر حنون، مدير مكتب رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي ورئيس جهاز المخابرات السابق رائد جوحي، والسكرتير الخاص للكاظمي، أحمد نجاتي، ووزير المال السابق علي علاوي، ومستشار الإعلام السابق للكاظمي مشرق عباس.
ووفقا لمسؤولين عراقيين، تدور سرقة القرن حول عمليات سحب نقدي غير مشروعة من الهيئة العامة للضرائب في البلاد في عامي 2021 و2022 بلغ مجموعها حوالي 2.5 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم حتى في البلد الذي يصنف دائما من بين أكثر الدول فسادا في العالم. الا أن الأرقام الجديدة تكشف أن المبلغ المسروق يصل إلى 8 مليار دولار.
ونفى الكاظمي ووزير المالية السابق علي علاوي ضلوعهما في الفساد الذي تردد أنه افتُضح في أواخر العام الماضي بعد تولي حكومة جديدة السلطة.
واستقال علاوي من المنصب في أغسطس آب 2022 متذرعا بالتدخل السياسي في العمل الحكومي وبالكسب غير المشروع. وقال بعد ذلك إنه اتخذ خطوات لمنع حدوث سرقة في الهيئة العامة للضرائب لكن المسؤولين الآخرين تجاهلوا قراراته.