الدوائر الحكومية في العراق تتحول من خدمة المواطن إلى بؤرة آسنة للابتزاز
عراقيون ينددون بما يعانونه في دوائر المرور بسبب الفساد المالي والإداري المستشري أثناء تسجيل لوحات المركبات وكذلك التزوير في بعض المعاملات وارتفاع منسوب الرشى والابتزاز العلني.
بغداد ــ الرافدين
أثارت مقاطع متداولة على منصات التواصل الاجتماعي بشأن إهانة وابتزاز المراجعين في دوائر حكومية، استهجان الكثير المراقبين والناشطين لعمل هذه الدوائر التي تحولت من أماكن لخدمة المواطن إلى بؤرة للابتزاز نتيجة سوء الإدارة وغياب الرقابة وعدم محاسبة الفاسدين والمتنفذين فيها.
وانتشر مقطع مصور من قبل أحد المراجعين في دائرة مرور الرستمية ببغداد وهو يظهر اعتداء أحد الموظفين على مراجعين داخل الدائرة حتى وصل الحال إلى التشابك بالأيدي، في مشهد يظهر حجم الفساد الذي ينخر دوائر الدولة وتحديدًا دوائر المرور، في حين تكتفي الجهات الرقابية بتسجيل حالات الاعتداء دون أي خطوات جادة لإيقاف مسلسل إذلال المواطن العراقي في دوائر تابعة للدولة.
وسبق أن أكدت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية وجود ملاحظات وانتقادات على عمل مديرية المرور في جانب الكرخ من العاصمة بغداد.
وقال عضو اللجنة علاوي نعمة إن هناك شكاوى كثيرة تصل من قبل المواطنين بشأن عمل وأداء مديرية المرور في جانب الكرخ من بغداد، فضلًا عن تسجيل ملاحظات ومؤشرات على عمل المديريات الأخرى.
ويتحدث مواطنون عراقيون عن المعاناة في دوائر المرور بالعراق بسبب الفساد المالي والإداري المستشري، خصوصًا أثناء تسجيل لوحات المركبات وكذلك التزوير في بعض المعاملات بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الرشاوي.
ويشكو مواطنون ومراجعون من سوء عمل دوائر المرور نتيجة التخبط في التنظيم للمعاملات وترك المراجعين بالخارج دون توفير أماكن مخصصة للجلوس.
وبينوا أن الروتين وتأخير إنجاز معاملات بعض المواطنين مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة يسبب إرهاق كبير لدى المواطنين.
وقال أحد المواطنين إن مراجعة دوائر الدولة أصبحت معاناة للعراقيين بسبب الروتين المتبع في أغلب الدوائر لاسيما دوائر المرور حيث يحتاج المواطن إلى وساطة قوية لإكمال معاملته.
ويقول مواطنون آخرون إن إنجاز أي معاملة في دوائر الدولة يحتاج الى مراجعات كثيرة، وانتقال من مكان لآخر في ظل زحام الشوارع، والوقوف في طوابير طويلة عدة ساعات، فضلًا عن إنفاق مبالغ مالية كبيرة.

ويرى مراقبون أن الآليات الروتينية مستدامة في الدوائر الحكومية حتى مع إدخال الحوكمة الإلكترونية بسبب فشل التعامل مع الأنظمة الإلكترونية كما حصل من توقف النظام الإلكتروني في دوائر المرور والجنسية وغيرها من الدوائر بشكل مستمر حتى مع إدخال التعامل الإلكتروني.
وطالب المراقبون بضرورة إنهاء معاناة المواطنين في مراجعة الدوائر التي فيها روتين قاتل وتأخير في حسم معاملات المواطنين خاصة في دوائر المرور، في ظل توقف النظام بشكل مستمر، بالإضافة إلى الإجراءات الروتينية والفساد المتفشي مما يعرقل إنجاز معاملات المواطنين.
وأضافوا أن أغلب الموظفين في الدوائر الحكومية بعد سنوات الاحتلال قد اعتادوا على تعاملهم مع السيء مع المواطنين حيث يتعمدون إذلال المراجعين، ما يشعر المواطن كأنه غريب في بلده.
ويجمع مراقبون على أن الفساد في مديريات مرور بغداد وصل مستويات عالية جدًا، مضيفين أن لوحات الأرقام مضى عليها ثلاثة أشهر لم تسلم إلى أصحاب السيارات، إلا عن طريق الرشوة بـ 200 دولار تسلم خلال يوم واحد.
وقال الباحث الاجتماعي حسين العقابي إن الرشوة هي السائدة في الكثير من مؤسسات الدولة، وتتضمن تقديم مبالغ مالية أو هدايا أو أي أموال أخرى للحصول على ميزة غير مشروعة أو لتسهيل إجراءات قانونية أو إدارية.
وقال المحامي سلام النداوي، إن أغلب الدوائر الحكومية تعاني بشكل يومي من تكدس بشري بفعل ضيق مساحات بناياتها، وخصوصًا دوائر التقاعد والضرائب والأحوال المدنية، ما يؤدي أحيانًا إلى شجار أو تدافع بين المراجعين، ويتعرض بعضهم إلى حالات إغماء أثناء انتظارهم في الطوابير الطويلة لإنجاز معاملاتهم. وأضاف أن معاناة المواطنين أصبحت لا تطاق بسبب الإجراءات التي تجبر المواطنين على دفع الرشى إلى السماسرة ومعقبي المعاملات، وعلى الحكومة إيجاد حلول، وإنقاذ المواطنين من مأساة مراجعة مؤسسات الدولة لإنجاز معاملاتهم الشخصية.
وينتشر قرب كل بناية حكومية في العراق من يعرفون بالمعقبين وعادة ما يعملون تحت غطاء محل طباعة وبيع القرطاسية أو محال بيع الاستمارات، ويرتبط هؤلاء بموظفين داخل الدوائر لتنسيق إنهاء المعاملات مقابل تقاضي رشوة لإنجازها سريعًا من دون أن يضطر الموظف إلى التعامل مع المواطنين بشكل مباشر.
وتبرز حلقة أخرى في المعاملات هي المعتمد، وهو الذي ينقل البريد بين الدوائر ويعتبر حاليًا من الوظائف المطلوبة نظرًا للحصيلة المالية التي يجنيها من العراقيين الذين يدفعون مضطرين، بينما الآخرون الذين لا يملكون المال يتعين عليهم الانتظار طويلًا قبل استكمال معاملاتهم.
وعادة ما تتطلب مراجعة الدوائر الحكومية الحكومية للحصول على أوراق رسمية عدة أشهر في حال لم يقم المواطن بدفع مبالغ مالية لهؤلاء، أو لبعض العاملين في تلك الدوائر، رغم أن المعاملة يمكن إنجازها في يوم واحد.
وتؤشر هذه العمليات إلى مدى تعمق جذور الفساد في مديريات المرور في العراق، والتي تحتاج إلى جهد كبير ومضاعف لاقتلاع جذور هذه الآفة التي لازمت الدوائر الحكومية بصورة عامة منذ عام 2003.