أخبار الرافدين
طلعت رميح

حرب غزة: مرحلة الوضوح الإستراتيجي

دخلت الحرب على غزة مرحلة الوضوح الإستراتيجي سواء بشأن ما يجري بها ويجعلها تستمر أو بشأن احتمالات توقفها وهي تكشف أبعاد الموقف والوضع الإقليمي على نحو غير مسبوق.
لقد بات مؤكدا أن لا حرب إقليمية شاملة أو موسعة وأن لا توقف للحرب والعدوان الصهيوني على غزة وأن المقاومة الفلسطينية ستستمر وتتصاعد. كما بات مؤكدا أن خطة احتلال غزة عسكري وترحيل الشعب الفلسطيني منها لم تعد خططا قابلة للتحقق. وفي الجانب الآخر، بات جليا أن احتمالات توقف الحرب بات مرهونا بعوامل لم تدخل على خط التفعيل بعد، ويمكن تلخيصها في احتمال أن تتمكن المقاومة من توجيه ضربات مؤثرة ضد الجيش الصهيوني بما يحدث انقلابا في الرأي العام الصهيوني ويجبر حكومة نتنياهو على وقف الحرب أو قد يطيح بتلك الحكومة ويأتي بغيرها، لتتخذ قرارا بوقف العدوان والذهاب إلى صفقة. أو أن تنجح بعض الجهود في الوصول بالإقليم إلى صفقة واسعة تتوقف بمقتضاها كل الأعمال الحربية الجارية على كل الجبهات دفعة واحدة.
لقد جاء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران إسماعيل هنية، بعد اغتيال القائد العسكري بميلشيا نصرالله في لبنان، ومن قبل اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد اللهيان في حادثة الطائرة الغامض، لتؤكد أن الكيان الصهيوني ليس ذاهبا باتجاه حرب إقليمية وأن هدفه الحالي يتمثل في تغيير البيئة السياسية التي سمحت بتشكيل المشهد الراهن. ولتؤكد بالمقابل، أن إيران وميليشياتها ليست في وارد التصعيد باتجاه حرب إقليمية أو باتجاه حرب واسعة باتجاه لبنان. وإن المقاومة الفلسطينية باتت ثابتة على موقفها ورؤيتها المعلنة بأن الحرب التي كانت بدايتها طوفان الأقصى هي بداية حرب تحرير فلسطين.
في الموقف الإيراني يمكن القول إن خطة الكيان الصهيوني، قد نجحت في تغيير الوضع السياسي في إيران. وإذ كان متداولا في الغرب أن رئيسي وعبد اللهيان، قد جسدا موقفا إيرانيا متشددا تجاه قضايا الصراع في الإقليم، فقد مثل وصول من يوصف برئيس إصلاحي مسعود بزشكيان إلى سدة الحكم تحولا في الاتجاه الذي أرادته الإدارة الأمريكية بشكل محدد.
ولعل أهم الدلالات على هذا التحول قد تجسد في تعيين وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف رئيس لما وصف باللجنة الإستراتيجية المشرفة على المرحلة الانتقالية ونائبا للرئيس للشؤون الإستراتيجية، وهو الموصوف من المتشددين في إيران بالمتغرب –أو حتى بالعميل للغرب- بل هو متهم من قبلهم بالتآمر على إيران حين وقع على الاتفاق النووي. وفي ذلك يؤكد كثير من المراقبين أن الموقف الإيراني من الصراع والتصعيد سيشهد تحولا ملموسا باتجاه تخفيف التصعيد السياسي الإيراني، وميلا نحو عقد صفقات جديدة مع الولايات المتحدة، ومع الإدارة الحالية -تحديدا- وفي هذا التوقيت.
وفي ثبات موقف المقاومة، فهو تأكيد، حيث قابلت حماس مقتل رئيس مكتبها السياسي بانتخاب يحيى السونار قائدا لحماس، وهو من يقود القتال والمقاومة على الأرض. كان ذلك إعلانا بأن حماس ستحمي قيادتها بسلاحها في الداخل، وأنها لم تعد تعول على الدور الدولي والإقليمي لوقف المذابح التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. وإنها تؤكد على أن الحل هو في استمرار المقاومة واستنزافها للجيش الصهيوني حتى تحدث تأثيرا سياسيا في داخل الكيان الصهيوني.
وقد جاء هذا الموقف الواضح في الدلالات والأبعاد، بعدما حدث وضوح إستراتيجي جلي في المعركة الجارية على الأرض. فقد بات مؤكدا أن العدو الصهيوني، قد اتخذ قرارا إستراتيجيا باستمرار الحرب وأن نظرته لأي صفقة مع المقاومة يتلخص في وقف مؤقت للحرب لا يتخطى الوقت المتاح لتنفيذها أو لاستلام الأسرى الصهاينة، لتعود الأعمال الحربية كما كانت قبل الصفقة.
كما جاء هذا الموقف بعدما انكشف وضوح إستراتيجي آخر يتعلق بسير المعركة. لقد انسحبت القوات الصهيونية من عموم أراض غزة إلا محور نتساريم في الوسط ومحور صلاح الدين في الجنوب، وباتت تقوم بهجمات تستمر لعدة أيام في مناطق محددة، لتعود بعدها للتموضع في المحورين أو في محيط غزة.
وهكذا بات هناك وضوح إستراتيجي كامل لتلك المرحلة. كما باتت معادلة الصراع وآلاته أشد وضوحا. وفي ذلك تسود تقديرات بأن القيادة الصهيونية ستواصل المعركة على هذا النحو في انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية وبمعنى أدق وأشمل فالإقليم وليس الكيان الصهيوني وحده، قد وصل إلى خلاصة مفادها أن لا تغيير فى الوضع الإستراتيجي حتى تحسم الانتخابات الأمريكية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى