محامو العراق عرضة للتصفية والانتهاكات بسبب ضعف القانون وفوضى السلاح
يشكو عشرات المحامين في العراق من تراجع قدرة السلطات على تطبيق القوانين وحمايتهم من الميليشيات والعشائر المتنفذة والعصابات بعدما باتوا يدفعون أرواحهم ضريبة لممارسة مهنتهم المحفوفة بالمخاطر.
بغداد – الرافدين
تزايدت وتيرة الاعتداءات والتهديدات بالتصفية الجسدية التي يتعرض لها المحامون في العراق بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة فيما لقي الكثيرون منهم حتفهم وغادر آخرون البلاد جراء ضعف القانون في توفير الحماية اللازمة لهم لممارسة مهنتهم في بيئة آمنة.
ويواجه مئات المحامين رسائل تهديد وابتزاز، ويتعرض العشرات منهم لمختلف الاعتداءات بسبب الفوضى الأمنية السائدة في العراق وعجز السلطات عن تطبيق القوانين مع تنامي نشاط الميليشيات والعشائر المتنفذة فضلًا عن مافيات تجارة المخدرات وفوضى انتشار السلاح.
ووفقًا لممثلين عن نقابة المحامين العراقيين، فإن أكثر من 100 محامٍ تعرضوا للاعتداءات في عموم محافظات البلاد، 10 منهم فقدوا حياتهم خلال سنة 2023 وحدها.
وبحسب ذات المصادر فإن الحصيلة التي أعلنتها النقابة، تشمل الاعتداءات التي بلغتها، سواءًا من قبل جهات أمنية أو شكاوى تقدّم بها المحامون، لأن هناك الكثير من حالات الاعتداء التي لا يتم توثيقها، لعدم رغبة المحامين في تحمّل تبعات ذلك وتداعياته، مع تهديدات شبه يومية للمحامين في مختلف مناطق البلاد، لدفعهم إلى ترك دعاوى توكلوا بها.
وتداول عراقيون على نطاق واسع الجمعة مقطع فيديو يوثق لحظة محاولة اغتيال استهدفت المحامي حمزة جاسم جنوبي الحلة بمحافظة بابل.
وأظهر الفيديو مجموعة من المسلحين وهم يجبرون المحامي على النزول من سيارته، وأطلقوا النار باتجاه قدمه.
وأوضح الفيديو مقاومة المحامي لهم، خلال إطلاقهم النار تجاهه فيما أفادت بعض الأنباء أن المحامي تعرض لهجوم مسلح أثناء خروجه من منزله.
ويؤكد محامون أن مهنتهم باتت خطرة، بما في ذلك العمل في القضايا الأمنية فضلًا عن تلك المتعلقة بالمشاكل الاجتماعية والخصومات المالية والتجارية ليتحول هذا النوع من العمل إلى مهنة مقلقة لا يمكن التنبؤ بما قد يهدد من يمارسها.
ويقول المحامي نوزاد علي الذي تعرض لتهديدات وضغوط أجبرته على التخلي عن بعض الدعاوى، إن مهنة المحاماة تواجه مصاعب وتحديات كبيرة في المجتمع العراقي بسبب تعدد السلطات خارج المنظومة القانونية للدولة.
ويوضح أن “هناك سلطة حاملي السلاح سواءًا كانوا موالين للدولة أو ضدها، فبوسعهم قتل أي شخص في وضح النهار والمحامي ضحية مثالية إذا اعترض طريقهم”.
ويتابع “هناك كذلك سلطة العشيرة التي تفرض أعرافها وأيضًا بقوة السلاح، وهناك الحزبيون والمقربون منهم وما يمتلكونه من نفوذ”.
ويشير علي إلى أن بوسع أي من هذه السلطات التأثير على المحامي سواءًا بالاعتداء الجسدي أو التهديد اللفظي ويتحدث عما جرى له بسبب دعوى توكل فيها قائلا “أنا شخصيًا تخليت عن دعاوى عديدة توكلت فيها بسبب تهديدات تلقيتها من خصوم موكليني”.
أما المحامي محمد أحمد، من نينوى، فيقول إنه تعرّض إلى مضايقات من الأجهزة الأمنية قبل وبعد العمليات العسكرية في مدينة الموصل عام 2014.
ويبين أحمد أنه ترافع في مناسبتين عن شخصين متهمين بقضايا متعلقة بالإرهاب قائلًا إنه “تلقى تهديدات في المرتين من ضباط في الأجهزة الأمنية”.
ويتابع “أحدهم اتهمني بالانتماء لداعش مع أنني مجرد محامٍ أقوم بعملي الذي يكفله القانون، كما أنني أصلًا من المتضررين من داعش لأنني نزحت عن المدينة لأكثر من ثلاث سنوات وفقدت العديد من أقاربي وأصدقائي الذين قتلهم التنظيم”.
ويذكر أحمد أن جهات تنتمي لميليشيات الحشد الشعبي ابتزت بعض المحامين بعد 2017 في حين أن “مراكز الشرطة تتجنب استلام شكوى بهذا الخصوص أو التعامل معها وفقًا للسياقات القانونية، لأن سلطات بعض الجهات أقوى من الجهات الأمنية القانونية”.

وتهدف عمليات الاستهداف إلى إجبار المحامين على التلاعب أو ترك الدعاوى القضائية التي يترافعون فيها.
ويقول عضو نقابة المحامين العراقية ماهر الفتلاوي في هذا الصدد إنّ “تلك الاستهدافات تنفذها فصائل مسلحة أو جهات سياسية معينة ومتنفذون، فضلًا عن التهديدات العشائرية لإجبار المحامين على ترك القضايا الموكلين بها”.
وبين الفتلاوي أن “مئات من المحامين أجبروا على ترك القضايا، الأمر الذي أثر على سير العدالة بشكل عام”.
وأكّد أن “نقابة المحامين والمحاكم العراقية توثق مئات من حالات الاعتداء على المحامين، وقد فتحت تحقيقات في كثير منها، إلا أن أغلب النتائج تُقيّد ضد مجهول، فضلًا عن أن الكثير من المحامين ممن تعرضوا للاعتداءات والتهديدات يرفضون إقامة دعاوى خوفًا من التصفية الجسدية”.
وأشار إلى أن “المحامي يعدّ حلقة ضعيفة جدًا في الفترة الحالية، فلا تتوفر له أي حماية أمنية، وهو مسؤول عن حماية نفسه، ما تسبب بانسحاب الكثيرين منهم من القضايا حفاظًا على حياتهم”، محملًا الحكومة “مسؤولية توفير الحماية للمحامين، وخاصة أنهم يمثلون جانب العدالة في البلد”.
ويشهد العراق منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 أوضاعًا أمنية سيئة، حيث زاد نشاط الميليشيات المسلحة وانتشر السلاح الذي يوصف رسميًا بـ”المنفلت” ليهدد هذا الواقع مهنة المحامين ويعرض الكثير منهم لخطر الاغتيال ولاعتداءات متكررة ومختلف أنواع الابتزاز.
ويُقدِّر أمين سر نقابة المحامين العراقيين أحمد الزيدي أعداد المحامين الذين يتعرضون للقتل كمعدل سنوي من أربعة إلى خمسة محامين أما الاعتداءات الجسدية واللفظية، فيقول إن معدلاتها تختلف بحسب بيئة المجتمع من محافظة إلى أخرى.
ويعزو الزيدي سبب الاعتداءات التي تطال المحامين إلى جهل المجتمع بعمل المحامي الذي يعمل في بيئة خطرة.
وأوضح أن “المجتمع تسوده الفوضوية وانتشار السلاح والنزعة العشائرية وبمجرد رفع دعوى لصالح موكل كأن تكون حضانة طفل أو نفقة، يجد المحامي نفسه أمام عقبات عديدة منها التهديد والوعيد عبر أرقام هواتف غريبه أو القوامة العشائرية أو يتعرض للتسقيط (التشويه) في مواقع التواصل الاجتماعي على صفحات وهمية”.
ويُحمِّل الزيدي مجلس النواب المسؤولية عمّا يواجهه المحامي، لعدم تشريع قانون رادع يوفر له الحماية، ويحذر من ازدياد وتيرة الاعتداءات إذا بقى الوضع على ما هو عليه لأن قانون حماية المحامين قديم ولا يتناسب مع الوضع الحالي، على حد قوله.
ويضيف “نحن بحاجة إلى مساعدة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية من أجل تثقيف بعض فئات المجتمع بدور المحامين، بدءًا من موظفي المؤسسات الحكومية، فالبعض منهم يعدون المحامي منافسًا لهم في أعمالهم، ويعلنون كرههم لمهنة المحاماة، وكثير من الموظفين ومدراء الدوائر يوقفون معاملات يتتبعها محامون”.
وعن دور النقابة في حال تعرض محام للاعتداء، يقول الزيدي “النقابة تكون طرفًا في القضية التي يكون أحد أطرافها محام، وهي تسهم من تلقاء نفسها في الجانب القانوني، وترسل ممثل قانوني، ولا تتنازل عن حق أي محام، إلا إذا كان موقفه ضعيفًا أو يثبت للنقابة أن دعوى الاعتداء شخصية ولا علاقة لها بالجانب المهني”.

وأدت الاعتداءات على المحامين إلى تصاعد الدعوات خلال السنوات الماضية إلى تعديل قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 لكي يوفر للمحامين البالغ عددهم 84 ألفًا وفق تقديرات نقابة المحامين هامشًا من الحماية والحصانة ومكانة تليق بهم في المجتمع.
ويرى عضو مجلس نقابة المحامين، أوس الطائي أن قانون المحاماة القديم لم يعد يلبي طموح المحامين، لأن مواده قديمة، على الرغم من 14 تعديلًا أجريت عليه منذ صدوره قبل 59 عامًا.
ويذكر الطائي أن النقابة عقدت سلسلة من اللقاءات مع أعضاء مجلس النواب لمناقشة التعديلات المقترحة على القانون.
في المقابل أعلنت الدائرة الاعلامية لمجلس النواب أن المجلس أنجز القراءة الأولى لمقترح قانون تعديل المحاماة المقدم من لجنتي “القانونية والعمل” بدعم من منظمات المجتمع المدني “لزيادة حصانة المحامين أثناء تأدية أعمال مهنتهم”، وإزالة التعارض بين أحكام القانون وإضافة بعض الأحكام الجديدة المتعلقة بشركات المحاماة وغرف المحامين.
لكن فريقًا قانونيًا، لاحظ اختلافًا واضحًا بين نسخة مقترح القانون المقدم، والنسخة التي تمت قراءتها في مجلس النواب فيما يخص “الاعتداء على المحامين والتحقيق معهم”.
وخلت النسخة التي تمت قراءتها في المجلس من بعض المواد التي كانت النسخة المقدمة من قبل نقابة المحامين قد تضمنتها وهي المادة السابعة، 1- يعاقب من يعتدي على محامٍ أثناء تأديته أعمال مهنته أو بسبب تأديته لها بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، دون الإخلال بأية عقوبة أشد يقررها القانون.
ولم تتضمن النسخة كذلك على المادة الثامنة التي تنص على وجوب إخبار النقابة بأي شكوى تُقدّم ضد محامٍ، وفي حالة الجرم المشهود لإجراء التحقيق فيها، ولا يجوز استجوابه والتحقيق معه أو توقيفه لجريمة منسوبة إليه تتعلق بممارسة مهنته إلا بعد استحصال موافقة نقيب المحامين أو مجلس النقابة، وعلى نقيب المحامين أو من يخوّله حضور الاستجواب والتحقيق.
وجاء في النسخة التي قُرِأت في المجلس ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة السابعة، ونصها “يجري التحقيق مع المحامي في مكتب التحقيق القضائي حصرًا، وتعد غرفة المحامين المسجل فيها المحامي عنوانًا لتبليغه”.
ويشدد المحامي علي إحسان على أهمية قيام نقابة المحامين بالضغط على مجلس النواب، لضمان إدراج المواد التي تكفل حماية المحامين من الاعتداءات أو في الأقل الإبقاء على بنود القانون القديم مثل المادة 29 التي تنص على أنه “يعاقب من يعتدي على محامي أثناء تأديته أعمال مهنته أو بسبب تأديته بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف عام أثناء تأديته وظيفته أو بسبب تأديتها”.
ويرى إحسان إن التعديلات المقترحة كلها مهمة، وستعيد لمهنة المحاماة شيئًا من مكانتها القديمة.
وكانت منظمات حقوقية من بينها منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد وثّقت في السنوات السابقة عمليات انتهاكات واعتداءات تعرض لها الكثير من المحامين في العراق بغية إجبارهم على تسليم وثائق معينة وترك القضايا التي يدافعون عنها، وحمّلت تقارير المنظمة الدولية الحكومة مسؤولية حمايتهم من تلك الاعتداءات.