شباب العراق في يومهم العالمي يتوقون إلى استعادة كرامة مفقودة في وطن تحت سطوة الميليشيات
الحرمان وشحة الفرص وتفشي البطالة والمخدرات وارتفاع معدلات الانتحار من أبرز المشاكل التي يعاني منها شباب العراق الذين يشكلون نحو 60 بالمائة من عدد نفوس العراقيين.
بغداد – الرافدين
أجمع مراقبون وناشطون شباب على أن الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال ساهمت في قتل أحلام الشباب وإدخالهم في دوامة من الاضطرابات النفسية دفعت بالكثير منهم إلى تعاطي المخدرات واللجوء إلى العنف فضلًا عن الانتحار بعدما ساهمت سياساتها الخاطئة بتفشي البطالة وارتفاع معدلات الفقر تزامنًا مع احتفاء دول العالم باليوم العالمي للشباب.
وقالوا إن التصريحات الحكومية المتكررة بشأن العمل على تمكين الشباب تقتصر وظيفتها على بث الأمل الزائف بين أوساط الفئة الشابة المنهكة بهموم الحياة وهي بمثابة استعراضات إعلامية لم تتوقف جميع الحكومات التي جاءت بعد 2003 عن تسويقها إلى الرأي العام.
ولفتوا إلى وجود تقصير واضح من قبل وزارة الشباب والرياضة في احتضان اليافعين وإبعادهم عن عالم الجريمة والانحراف وتبعاتها الخطيرة على المجتمع ككل.
وتحتفل دول العالم بيوم الشباب العالمي، سنويًا في 12 آب لتركيز اهتمام المجتمع الدولي بقضايا الشباب والاحتفاء بإمكانياتهم بوصفهم شركاء في المجتمع العالمي المعاصر.
وقال الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، إن “بناء الشباب هو ضمان للمستقبل، والعكس هو الصحيح، فدمارهم هو ضياع للمستقبل، وللأسف الشديد فإن وزارة الشباب المعنية بهذه الشريحة، وهم الأغلبية في المجتمع العراقي، تعد من أفشل الوزارات في كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في بغداد بعد عام 2003 وحتى الآن”.
وأضاف حيدر، أن “الوزارة بقيت هامشية بمهامها وواجباتها وتعاقب عليها وزراء من غير المتخصصين ومن قليلي الخبرة ولذلك لم يقدموا شيئاً لهذه الشريحة، وبالتالي ضيعت الوزارات مستقبل البلاد”.
وأشار إلى انه “بتتبع بسيط لمنحنيات التراجع لما آل إليه واقع العراق خلال العقدين الأخيرين، فسنكتشف حقائق خطيرة والتي أبرزها أن النسبة الأعلى من الضحايا هم الشباب ومن الجنسين”.
وتابع أن “التراجع لا يقتصر على مستوى دون آخر، وإنما على مختلف المستويات إذ انتشرت المخدرات والأمية والتسيب المدرسي والبطالة وانعدام الفرص أمام الخريجين على وجه التحديد بالإضافة إلى الجريمة المنظمة وجرائم أخرى كثيرة”.
ولفت حيدر إلى أن “منحنيات النسب في تصاعد مستمر وهي لم تشهد تحسناً يذكر، وما مثبت بالأرقام والإحصائيات المنشورة في المواقع الرسمية لمؤسسات الدولة والمنظمات والهيئات الدولية، دليل واضح على فشل الدولة في احتضان هذه الشريحة من المجتمع وبالتالي تضييعها للمستقبل الذي لا يمكن أن نتخيله نامياً وناهضاً من دون الشباب”.
وخلص الباحث في الشأن السياسي بالقول إنه “كان من الأولى والأنسب أن نحتفي في يوم الشباب العالمي بشبابنا بصورة أفضل وبرؤية أكثر إيجابية وبأمل أكبر، إلا أن الواقع لا يسمح لنا بذلك إلا إذا قررنا أن نضحك على أنفسنا ونتغاضى عن كل الحقائق”.
ويفتقر حوالي ثلاثة أرباع الشباب من الفئة العمرية 15-24 في العراق، إلى فرص اكتساب المهارات اللازمة للتوظيف، حسبما أفاد تقرير لليونيسف.
ويذكر التقرير أنه في العراق، حيث يمثل الشباب الفئة الأكبر من السكان، فإن نحو 60 بالمائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 24 عامًا يفتقرون إلى المهارات الرقمية التي تمكنهم من أداء الأنشطة الأساسية المرتبطة بالكومبيوتر، كما يفتقر الشباب إلى فرص الحصول على التعليم القائم على المهارات الحياتية، والقابلية للتوظيف، والمهارات الريادية التي ستمكنهم من الانتقال السلس إلى سوق العمل.
ويذكر تقرير يونيسف أنه ليس ثمة فرص كثيرة لتزويد الشباب بالمهارات اللازمة لرفع مستوى انخراطهم المدني لكي يصبحوا مواطنين فاعلين وواعين، ورفع وتيرة مشاركتهم في عمليات صنع القرار.

وفي شهر تموز الماضي كشفت إحصائية أجرتها شركة “statista” الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين بالعالم، أن فئة الشباب في العراق تشكل أكثر من 60 بالمائة من عدد نفوس العراقيين.
ووفقًا لبيانات الشركة لعام 2024 فإن الفئة العمرية التي تتراوح بين عمر السنة الواحدة و14 عامًا في العراق تبلغ نسبتهم 35.24 بالمائة.
وأضافت أن فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا نسبتهم 61.17 بالمائة.
وبحسب هذه الأرقام فإن العراق يمتلك ثروة بشرية كبيرة متمثلة في الشباب لكنها معطلة وغير مستغلة، حيث يعاني تحديات كبيرة وسط أزمات عدة وفساد سياسي وضعف اقتصادي وعدم استقرار سياسي.
وبات الشباب العراقي الذي ثار في ثورة تشرين على الوضع السياسي، مكبلًا ومقيدًا بسبب الهجمات التي تعرضوا لها من الميليشيات ما جعل معظمهم يائسًا من العملية السياسية برمتها.
وكانت ثورة تشرين بمثابة لحظة حاسمة استطاع الشباب الذي نزل من أجل الاطاحة بالنظام أن يكشف كل الاعيب السياسيين منذ الاحتلال.
وثار الشباب في العراق مطالبا باقتلاع العملية السياسية ومحاسبة قتلة المتظاهرين من المسؤولين الحكوميين والميليشيات الطائفية، لكنهم واجهوا آلة قتل تديرها الميليشيات أودت بحياة المئات منهم.
وأصبح العراق بلدًا فتيا بأجيال ودماء جديدة تعمل على كشف الحقائق وعلى رأسها جرائم الأحزاب والميليشيات الحاكمة والاخفاقات الأمريكية في العراق.
وانخرط شباب العراق في ثورة تشرين من أجل حق الحياة واستعادة وطنهم المخطوف من أحزاب سياسية فاسدة وميليشيات مارقة، بعد أن نهبت أموال البلاد، فيما ينتهي الحال سنويا بمئات الآلاف من خريجي الجامعات إلى البطالة.
ويؤكد الناشط المدني محمد عفلوك، أن “الحكومات أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر بتجهيز الشباب للجرائم وإبعادهم عن مراكز العلم الرصينة، فهي لا يهمها وضع الشباب، والتجارب كثيرة مع هذه الشريحة الشباب، فتظاهرات تشرين ليست ببعيدة حيث تم قمعها بأبشع الطرق وارتبكت مجازر بحقهم فقط لانهم طالبوا بالتغيير”.
وأضاف أن “الحكومات على تعاقبها مقصرة، لا بل قاتلة لأحلام الشباب وطموحهم ولم تمر حكومة واحدة مهتمة بهذه الشريحة المهمة لاحتضانهم وتوفير فرص عمل لهم”.
وأوضح أن “شباب العراق مروا بعدة منعطفات بدءا من الحصار إلى دخول القوات الأمريكية ومن ثم الثورات والتظاهرات حيث لم تمر فترة عاش بها الشباب بصورة صحية في ظل ظروف معيشية جيدة وحكومة راعية لهم”.
ويرى الناشط، أن الأزمات التي مر بها الشاب العراقي خلقت بيئة متوترة أثرت في سلوكه ونزاعاته، ما دفع الكثير إلى الانخراط في عالم الجرائم والمخدرات لاسيما مع الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الكثير من الشبان”، مستدركا أن “هنالك فئة من الشباب الواعي والمثقف استطاعوا تجاوز الأزمات باقل الخسائر الممكنة.

وسبق أن كشف برنامج الأغذية العالمي، أن معدل البطالة بين الشباب العراقي تجاوز الـ 35 بالمائة.
وأضافت المنظمة، أن معدلات الفقر في العراق ارتفعت منذ عام 2018 حيث نحو 30 بالمائة من العراقيين هم تحت خط الفقر بواقع 12.27 مليون شخص من إجمالي عدد السكان.
وفند تقرير لبرنامج الأغذية العالمي عن ارتفاع معدل البطالة بين الشباب تحديدًا إلى 35 بالمائة، مزاعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن توفير فرص عمل للشباب.
ويكشف تقرير المنظمة الدولية عجز حكومة السوداني في معالجة مشكلة البطالة، في ظل وجود نحو 29.6 في المائة من العراقيين دون خط الفقر بواقع 12.27 مليون شخص من تعداد نفوس يبلغ 41.2 مليون نسمة.
وذكر تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة، عن أنشطة دعم المستوى المعيشي والتأقلم مع تبعات التغير المناخي في العراق وبرامج التمكين لمجتمعات متضررة في سبع محافظات عراقية، أن معدلات البطالة بقيت عالية خصوصًا بين شرائح النازحين والعائدين والشباب والأشخاص ذوي الاعاقات.
وأشارت المنظمة إلى، أن الافتقار إلى مقومات أنشطة المعيشة هو السبب الرئيسي لكثير من مشاكل حماية وتعليم الأطفال والتي تشتمل على عمالة الطفولة وتزويجهم وهم أطفال.
ومع معدل نمو تبلغ نسبته 2.55 بالمائة، توقعت المنظمة أن يصل تعداد نفوس العراق البالغ عددهم 41.2 مليون عراقي إلى الضعف بحلول العام 2050، وسط غياب معالجات حقيقية لواقع البطالة في البلاد.
وتعد البطالة من المشاكل المعقدة التي يعاني منها العراق، نتيجة الفساد في دوائر الدولة وتقسيم أموال العراق بين أحزاب العملية السياسية، حيث شهد عام 2023 تسجيل مئات الآلاف من الشبان العاطلين عن العمل، فيما جاء العراق في التسلسل 121 من بين 191 بلد ومنطقة في التصنيف المتوسط للتنمية الإنسانية.
وفيما تعمل حكومة الإطار على عدم إظهار الأرقام الدقيقة والحقيقية لنسبة البطالة في البلاد، أشار مراقبون إلى أن نسبة 35 بالمائة أقل من الواقع، بالتزامن مع إطلاق حكومة السوداني الإعانات الاجتماعية، ما يعني أن نسبة البطالة مرتفعة جدًا وأضعاف هذا الرقم المعلن.

وطالما أصبح الشباب العراقي يمثل مصدر قلق لدى الكثير من المحللين بسبب الأعداد الكبيرة التي تدخل سوق العمل في كل عام وتفشي البطالة والفساد حيث يقدر ان حوالي 700 ألف شخص يغادرون المدرسة او الكلية سنويًا، والغالبية العظمى منهم غير قادرين على العثور على عمل مربح.
ويبين رئيس منظمة بوصلة عقيل الهاشمي أن “قلة فرص العمل والتعليم غير اللائق وعدم توفير بنية ثقافية جيدة ناهيك عن الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة كلها عوامل تساعد في نخر الفئة الشبابية المهمة والزج بها الى الهاوية”,
وأشار الهاشمي إلى أن “عدم وجود بيئة حاضنة للشباب يدفعهم إلى الانخراط في الجرائم وتعاطي المخدرات”.
وأضاف أن “الحكومة تقصيرها واضح تجاه فئة الشباب والمؤسسات الشبابية التي ترعاهم، الأمر الذي يستدعي الانتباه لهذه الفئة لما لها من أهمية كبيرة في المجتمع”.
وتابع “التقصير الحكومي تجاه الشباب والمؤسسات الشبابية والمراكز أو المنتديات او منظومات الشباب بشكل عام واضح لاسيما بعد عام 2003، إذ لم تمر حكومة تضع هذه الفئة من ضمن أولوياتها”.
وخلص رئيس منظمة بوصلة بالقول إن “الشاب في العراق أصبح عبارة عن وقود يحترق كل يوم بسبب عيشه في منظومة فاسدة، إذ أن جميع الحكومات لم تستطع أن تضع فرصًا وبرامج لاستثمار هذه الشريحة المهمة”.
وتحذر تقارير لمنظمة الصحة العالمية من خطورة تحول الانتحار بين الشباب في العراق إلى ظاهرة قاتلة ومخيفة تهدد بنية المجتمع العراقي، إثر فقدان الأمل بالحاضر والمستقبل جراء الظلم الاجتماعي والسياسي والتفاوت الطبقي.
وحذرت المنظمة من أن العدد المتزايد لحالات الانتحار في العراق خلال السنوات الماضية يشكل مصدر قلق للصحة العامة ولم يعد من الممكن تجاهله.
وطالبت المنظمة العالمية بدراسة ومعالجة ظاهرة الانتحار في العراق وإذا لم تتم معالجتها، فإنها ستستمر في إلحاق خسائر فادحة بالأفراد والمجتمعات في البلاد.
وأجمعت دراسات متخصصة على أن معدل انتحار الشباب في العراق وصل إلى مؤشر الخطر في ظاهرة لافتة ومثيرة للقلق الصحي في البلاد التي عاشت سنوات من القتال والتقسيم المجتمعي والفشل السياسي.
وأشارت إلى أن الخطر يكمن في ارتفاع نسبة الانتحار بين الشباب أكثر من كبار السن أو من هم في منتصف العمر، الأمر الذي يحيل إلى أن فقدان الأمل بين الشباب يكاد يتحول إلى ظاهرة.