تراجع الدعم الحكومي يوصل المراكز الصحية في أقضية الأنبار إلى الانهيار
المرضى في قضاء راوة يضطرون لقطع مسافات طويلة، للذهاب إلى المدن المجاورة لمجرد التشخيص، وإذا كانت الحالة مرضية فيضطر لقطع أكثر من 200 كيلومتر والذهاب إلى مدينة الرمادي.
الأنبار – الرافدين
تعاني أقضية محافظة الأنبار، من أزمة كبيرة في القطاع الصحي، منذ أكثر من 10 أعوام إثر القصف الذي تعرضت له أثناء العمليات العسكرية إبان تواجد تنظيم “داعش” الذي سيطر عليها عام 2014، ولكن منذ استعادة المدن نهاية عام 2017، وحتى الآن ما تزال المستشفيات متهالكة، ولا تقدم أي خدمات طبية مما يجبر المواطنين على الذهاب إلى مركز المحافظة لتلقي العلاج.
وعلى الرغم من حملات البناء التي شهدتها الأنبار، بقي القطاع الصحي متخلفا في أكبر محافظات العراق مساحة، إذ ما زالت مستشفياتها تعاني الإهمال والنقص في الكوادر والأجهزة الطبية.
ويعتقد أهالي المحافظة أن هذا الإهمال متعمد بسبب الاتجاه للمشافي الأهلية التي يملكها متنفذون في المحافظة.
ويشير ناشطون من المحافظة إلى أن الإعمار الذي يتحدث عنه مجلس المحافظة والحزب المسيطر عليه، يختصر على مشاريع بسيطة مثل تبليط الطرق وصبغ الأرصفة، وإقامة النافورات والحدائق والإنارة وغيرها، لكن أهم قطاع يحتاجه المواطن، وهو القطاع الصحي فيه فشل كبير.
وقال الناشط المدني عثمان عبد الرحمن، وهو من أهالي قضاء راوة إن “أهالي راوة يعانون معاناة كبيرة، بسبب نقص المستشفيات والمراكز الصحية، والموجودة لا تقدم أي خدمات طبية للمواطنين”.
وأكد على أن المرضى يضطرون لقطع مسافات طويلة، للذهاب إلى المدن المجاورة، في حال أن كان لديه تشخيص بسيط، وإذا كانت الحالة مستعصية فيضطر لقطع أكثر من 200 كيلومتر والذهاب إلى مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار.
وحمل مواطنون من قضاء راوة غربي الأنبار مجلس المحافظة ووزارة الصحة مسؤولية تردي الواقع الصحي في القضاء بسبب غياب الدعم للقطاع الصحي، وعدم تأهيل مستشفى القضاء الذي تعرض للدمار.
وأكد المواطنون أن “أهم مشروع يحتاجه أهالي راوة، هو إنشاء مستشفى بسعة 150 سريرًا على الأقل، لكي تتمكن من استقبال الحالات المرضية، ولا يتحمل الأهالي أعباء السفر والتنقل للمدن المجاورة، للعلاج”.
وأشاروا إلى أن “راوة لا تفتقر للمستشفى الحكومي فقط، بل حتى أن عدد الأطباء من أهل الاختصاص والتمرس قليل جدا، كما لا توجد مستشفيات أهلية أو عيادات خارجية للفحص، وهذا كله يحمل الأهالي أعباء السفر إلى الرمادي لغرض الفحص، خاصة بالرنين والمفراس، وهذا الأجهزة لا وجود لها في راوة إطلاقا، لا في القطاع الحكومي ولا الأهلي”.
ويؤكد المواطن عمر الراوي أن “المستشفى الحالي في قضاء راوة ليس فيه حتى صالة عمليات ولادة، وبالتالي تضطر النساء الحوامل للسفر إلى مسافات بعيدة، ما يؤثر على وضعهن الصحي”.
وأضاف أن “المستشفى ليس فيه سوى الأدوية الأولية البسيطة، وليس فيها حتى تحليلات أو مركزًا للأشعة أو تخطيط القلب، وليس فيه كادر طبي”.
ولفت إلى أن أغلب الأطباء من أبناء المدينة الذين يتخرجون من الجامعات يفتحون عيادتهم في مركز المحافظة، أو المدن الأخرى غير راوة، وذلك بسبب الكثافة السكانية في تلك المناطق والأجور المرتفعة للكشف الطبي والفحص وغيرها، كما أن الأطباء الذين يأتون إلى راوة هم مجموعة من الطلبة المتخرجين والمتدربين، والذين ينهون تدريبهم ويتركون القضاء، بالتالي من غير المعقول ترك حوالي 20 ألف مواطن بلا خدمات طبية”.
وشكى عدد من أهالي قضاء القائم غربي محافظة الأنبار من انعدام الخدمات الصحية وغياب خدمة الطوارئ بالمؤسسات الصحية في المحافظة بشكل عام وبالقضاء بشكل خاص، فضلاً عن غلاء أسعار الخدمات الطبية والعلاجية في المستشفيات الأهلية الخاصة التي أصبحت بديلاً للمؤسسات الحكومية في مختلف مناطق محافظة الأنبار.
ويقول مروان المحلاوي أحد أهالي قضاء القائم غربي المحافظة، إن “الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية غائبة تمامًا، وأغلب المستشفيات التي تعرضت للدمار، لم تعد للخدمة كما كانت، لذا يضطر أغلب المواطنين إلى مراجعة المستشفيات الأهلية أو العيادات الخاصة، بسبب غياب الأجهزة الطبية الحديثة وعدم توفر الأدوية في المستشفيات الحكومية”.
وطالب المحلاوي، الجهات الحكومية والجهات المعنية الأخرى، بـ “التدخل السريع لإنقاذ الواقع الصحي في المحافظة، والذي أصبح عبئا كبيرًا على المواطن”.
وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومات المتعاقبة في العراق أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولارا في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان وفقا لتقرير سابق.
ويبلغ عدد الأطباء والممرضات في العراق مقارنة بعدد السكان أقل بكثير من دول أخرى، بل إن عددهم أقل بكثير من دول أفقر مثل الأردن وتونس وفقا لتقرير لوكالة “رويترز”، ففي العام 2018، كان لدى العراق 2.1 ممرضة وقابلة لكل ألف نسمة مقارنة مع 3.2 في الأردن و3.7 في لبنان، وذلك وفقا لتقديرات كل بلد.
وبلغ عدد الأطباء 0.83 فقط لكل ألف نسمة، أي أقل بكثير من الدول المماثلة في الشرق الأوسط، فقد بلغ العدد في الأردن على سبيل المثال 2.3 طبيب لكل ألف نسمة.