أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

غياب الجودة والرصانة العلمية يجعل الجامعات العراقية خارج تصنيف شانغهاي لمؤسسات التعليم

أكاديميون يجمعون على أن قطاع التعليم العالي في العراق يسير وفق تحكم جهات حزبية وطائفية وليس على أسس ومعايير علمية رصينة.

بغداد ــ الرافدين
أجمع مختصون على أن ما يشهده قطاع التعليم والبحث العلمي في العراق من تدهور وانحدار لم يكن محض صدفة أو نتاج ظرف طارئ، بل هو نتيجة حتمية لعقود من سوء الإدارة والتخطيط والفساد المتجذر في وزارة التعليم والحكومات المتعاقبة.
وأصبحت المؤسسات الأكاديمية عاجزة عن تقديم تعليم بجودة مقبولة، ما جعل العراق يتذيل قوائم التقييمات العالمية في معايير الرصانة الأكاديمية وجودة التعليم، ويعكس هذا التدهور الفشل الذريع في استيعاب أهمية التعليم كركيزة أساسية لبناء مستقبل البلاد.
وخلا تصنيف شانغهاي المستقل لأفضل مؤسسات التعليم العالي في نسخته لعام 2024 من الجامعات العراقية على الإطلاق.
ويصدر تصنيف شنغهاي منذ عام 2003 من الشركة المستقلة “شنغهاي رانكينغ كونسلتنسي” والذي يعتمد في تقييمه على ستة معايير، من بينها عدد جوائز نوبل وميداليات فيلدز التي توصف بنوبل الرياضيات بين طلاب الدراسات العليا والأساتذة، وعدد الباحثين الأكثر استشهادًا بهم في تخصصاتهم أو عدد المنشورات في مجلتي ساينس ونيتشر.
وما يميز هذا المؤشر أنه بالإضافة إلى التركيز على المساهمات البحثية لأعضاء هيئات التدريس في الجامعات الخاضعة للتصنيف، فإنه يأخذ بالاعتبار إن كان هناك خريجون أو أعضاء هيئة تدريس حائزون على جائزة نوبل، أو حصلوا على وسام فيلدز، وهي جائزة تمنح لعلماء رياضيات شريطة أن تكون أعمارهم دون 40 سنة، في المؤتمر الدولي لعلماء الرياضيات للاتحاد الدولي للرياضيات الذي يعقد كل أربع سنوات.
وتتسبب حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في تدهور التعليم في العراق، والتي وصلت إثر الفساد والتدخلات السياسية إلى مستويات كارثية جعلته خارج مقاييس التعليم الرصين، فقد أكدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو، أن عقودًا من الصراع وغياب الاستثمارات في العراق دمرت نظامه التعليمي الذي كان يعد فيما مضى أفضل الأنظمة التعليمية في المنطقة.
وسبق أن استبعدت مؤسسة “كيو إس” البريطانية الجامعات العراقية أيضا من قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، فيما ضمت 14 جامعة عربية ضمن القائمة.
وخلت قائمة المؤسسة المختصة في مجال التعليم من الجامعات العراقية والتي تفتقر إلى جودة ورصانة التعليم، لعدم مطابقتها للمعايير التي اعتمدتها المؤسسة الدولية.

الدكتور محمود المسافر: الفساد الذي ينخر الدولة منذ الاحتلال ساهم بتردي واقع التعليم بالبلاد

ولا يخفي عراقيون أساهم على واقع التعليم في البلاد بعد إبادته كليا والسماح لمؤسسات طائفية بالتدخل في مناهجه وفرض وصايات على البحوث والدراسات. والسماح لجهات فاسدة مرتبطة بدول خارجية بفتح مدارس ومعاهد وجامعات تجارية لا تبالي بوطنية العملية التعليمية.
وقال الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور محمود المسافر بأن الفساد المالي والإداري الذي ينخر الدولة منذ الاحتلال وحتى اليوم ساهم بتردي واقع التعليم.
وأكد المسافر في تصريح لقناة “الرافدين” بأن الاحتلال والحكومات التي اعقبته ينفذون خطة ممنهجة لإعادة العراق إلى عهد ما قبل الصناعة بمساعدة بعض الدول التي لا تريد للعراق أن ينافسها في المنطقة ولاسيما إيران.
ويواصل وزير التعليم العالي الحالي نعيم العبودي الإجهاز على ما تبقى من الكفاءات والكوادر التعليمية ضمن المخططات الممنهجة لإبادة التعليم في العراق.
وذهب الوزير الذي ينتمي إلى ميليشيا العصائب أبعد من ذلك إلى إجراء تغييرات إدارية هي الأكبر في تاريخ الوزارة لصالح الولائيين تمثلت في إقصاء عدد كبير من الكفاءات العلمية.
وتحولت وزارة التعليم العالي إلى واجهة لتنفيذ الأجندات الحزبية بعد أن أحاط العبودي نفسه والدائرة المحيطة به بهالة من القدسية يتمكن بموجبها من مساءلة كل من ينتقد أداء الوزارة على الصعيد العلمي والإداري.
وساهم الفساد والإهمال في تنمية الإحباط لدى المجتمع العراقي، حيث يواجه نظام التعليم في العراق غيابًا واضحًا في الخطط والاستراتيجيات التي انعكست وبشكل مباشر على نتاج النظام التعليمي وأصبح ضعيفًا في الاستقطاب وغير موحد.
ويعاني التعليم العالي في البلاد من اختلالات هيكلية مرتبطة بفشل الدولة على عدة مستويات والفساد المستشري الذي أنتج حالة الشلل في الرؤى التعليمية والاجتماعية والثقافية لدى المؤسسات التي تصنع القرارات وترسم السياسات.
وتخلت وزارة التعليم العالي عن دورها التخطيطي والرقابي وسمحت لجهات غير تخصصية خارج الوزارة بإجراء معادلة الشهادات، حتى لو كانت مزورة بحسب ما تكشفه التقارير المحلية والدولية المعنية بشؤون التعليم البحث العلمي.
وأظهرت إحصائية لمنظمة التعليم العالمي وهي منظمة دولية لها مقر في بغداد ارتفاع نسب تزوير الشهادات في العراق خلال، إذ احتلت فيها محافظة البصرة المركز الأول بواقع تزوير نسبته 19 بالمائة تلتها العاصمة بغداد بفارق نصف درجة.
وكشفت المنظمة أن الكثير من المسؤولين والوزراء والنواب وأصحاب الدرجات الخاصة، يحملون شهادات مزورة صادرة من جامعات معروفة أو غير معروفة وأن هؤلاء يحظون بامتيازات الشهادة رغم الكشف عن بطلانها ما جعل الشهادة العلمية لا قيمة لها في نظر الشارع العراقي.
وأشارت إلى عدم جدية الجهات الرقابية في محاسبة المخالفين للقانون ومزوري الشهادات، مبينة وجود عدد من النواب لا يحملون أي مؤهل علمي أو شهادة أكاديمية سليمة، وأنهم يمارسون التزوير عند الترشيح للبرلمان.

تحولت الجامعات إلى أماكن لمناسبات طائفية على حساب القيمة التعليمية

ومن جانبه أكد معهد المجلس الأطلسي الأمريكي على وجود تحديات هائلة تواجه قطاع التعليم في العراق جعلته يمر بمرحلة حرجة، مبينًا أن تعليم العراقيين لا يمثل أولوية لدى الحكومات المتعاقبة.
وذكر التقرير الأمريكي أن المشهد التعليمي في العراق يعيش تحديات كبيرة ألحقت أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية للقطاع التعليمي وتمويله ما تسبب بتراجع جودة التعليم، موضحًا أن ارتفاع معدلات البطالة وعدم كفاية المرافق التعليمية يمثل تهديدًا وتقويضًا لإمكانات الشباب.
وحذرت نقابات وأكاديميات علمية عراقية من الاستمرار في إبادة التعليم في العراق والاستهانة بمعايير الرصانة على حساب مصالح تجارية وحزبية ضيقة.
ويجمع خبراء تربويون وأساتذة جامعيون على أن وزارة بمهام التعليم العالي التي تعد ملاكات وطواقم صناعة مستقبل البلاد، خارج قدرة وزير التعليم الحالي نعيم العبودي نتاج ميليشيا العصائب.
وأكد الخبراء أن الواقع التربوي في البلاد يزداد سوءًا، وأن نسبة كبيرة من حملة الشهادات العليا في العراق يتخرجون بطرق وصفوها بالملتوية.
وأشار الأكاديمي الدكتور علاء الموسوي إلى وجود تداعيات خطيرة تهدد مسيرة التعليم في البلاد على المدى القريب والبعيد.
وأكد على أن جميع الكليات والجامعات الأهلية في العراق يمتلكها أشخاص هدفهم الأول الربح المادي دون مراعاة للجوانب العلمية.
وبين الموسوي أن التعليم في العراق أصبحت تتحكم به جهات عدة، وليس على أسس ومعايير علمية، فالتدخلات الحزبية والجوانب المالية أضعفت التعليم كثيرًا، فالكليات الأهلية تهدف إلى زيادة عدد الطلبة بغض النظر عن الجانب العلمي أو النجاح او الرسوب وهناك بعض الأساتذة يتعرضون لضغوط من قبل بعض مجالس إدارة الجامعات الأهلية بسبب الرسوب أو الضغط على الطلبة.
يذكر أن العراق كان يتبوأ المراتب الأولى عالميًا في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينيات القرن الماضي وفقًا لتصنيفات منظمة اليونسكو، إلا أن المؤشرات والتقارير التي صدرت بعد عام 2003 تجعله بين أكثر البلدان التي تعاني من ارتفاع الأمية بما يتجاوز 47 بالمائة في ظل وجود أكثر من 11 مليون أمي في البلاد.

طلبة الجامعات ضحية الفشل الحكومي في استيعاب أهمية التعليم كركيزة أساسية لبناء مستقبل البلاد
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى