أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

الإرهاق والمعاناة حصيلة ما يجنيه ذوو الاحتياجات الخاصة من السلطات الحكومية

ذوو الاحتياجات الخاصة من شريحة المعاقين يتحدثون عن قوانين قاصرة وغير منصفة في تحديد نسبة العجز لديهم فضلًا عن بيروقراطية منهكة تحول دون حصولهم على رواتب الإعانة الاجتماعية.

بغداد – الرافدين
شدد ناشطون ومراصد حقوقية وإنسانية على ضرورة الاهتمام بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة والتخفيف من معاناتهم خلال استحصال رواتب الرعاية الاجتماعية وتذليل العقبات التي يواجهونها في تشخيص نسب العجز لديهم فضلًا عن تفعيل القوانين المتعلقة بتوظيفهم ودمجهم في المجتمع.
وقال الناشطون إن شريحة المعاقين في العراق يواجهون تداعيات جسدية ونفسية جعلت غالبيتهم حبيسي المنازل والاشتراطات الإدارية وروتين المؤسسات الحكومية.
وبينوا أن حقوق المتأثرين بالحروب والنزاعات المسلحة التي يكفلها القانون الدولي والقانون النافذ في العراق صعبة في بلاد صنفتها الأمم المتحدة ضمن الدول التي يوجد فيها “أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم”.
وأقرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بوجود أربعة ملايين معاق في العراق ما يعني أن هذه الشريحة تشكل نسبة 11 بالمائة من سكان العراق.
وتُعدّ نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة مرتفعة في العراق، لاسيما وأن النسبة في ارتفاع مستمر في ظل استمرار المسببات كحوادث السير والسلاح المنفلت والانهيار الأمني المتواصل وغير ذلك.
وأظهرت نتائج المسح الوطني للإعاقة إن أعلى نسبة للإعاقة هي الإعاقة الحركية وتصل إلى 42 بالمائة، يليها صعوبات التعلم بنسبة 21 بالمائة، ثم تأتي الإعاقة البصرية بنسبة 15بالمائة، ومن ثم الإعاقة السمعية 9بالمائة، وأقل نسبة للإعاقة هي الاعاقة العقلية وعدم القدرة على العناية الذاتية وتبلغ 6 بالمائة فقط من مجموع الأشخاص من ذوي الإعاقة.
ويفسر قانون رعاية ذوي الإعاقة، الإعاقة بأنها “أي تقييد أو انعدام قدرة الشخص بسبب عجز أو خلل بصورة مباشرة على أداء التفاعلات مع محيطه في حدود المدى الذي يعد فيه الإنسان طبيعيًا، وأن المعاق هو من فقد القدرة كليًا أو جزئيًا على المشاركة في حياة المجتمع أسوة بالآخرين نتيجة إصابته بعاهة بدنية أو ذهنية أو حسية أدى إلى قصور في أدائه الوظيفي، مع توفير التأهيل ضمن عملية منسقة لتوظيف الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية لمساعدة ذوي الإعاقة في تحقيق أقصى درجة ممكنة من الفاعلية الوظيفية لتمكينهم من التوافق مع متطلبات بيئتهم الطبيعية”.
ويبين رئيس جمعية الشهباء لمعوقي الفلوجة بمحافظة الأنبار، حسين مطرود، أن “هناك نسبة كبيرة من المعوقين والمعوقات لم يحصلوا على أية حقوق أو مرتبات أو تسهيلات، رغم أن الراتب الممنوح من الدولة لا يزيد عن 170 ألف دينار (نحو 110 دولارات)”.
وأشار مطرود إلى أن “القانون غير مفعّل بالكامل، بل فُعّلت منه فقرات مثل حق ذوي الإعاقة باستيراد السيارات من الخارج”.
وتابع “مع العلم أن المبلغ قليل بالمقارنة باحتياجات المعوقين في العراق إلا أن الأمل يعقد عليه، كونه يبقى مستمراً، ويشبه نظام التقاعد”.
وأضاف أن العراق أحد الأطراف الموقعة على الاتفاقية الدولية لرعاية المعوقين التي أقرتها الأمم المتحدة، والمتضمنة بنودها توفير حياة كريمة لذوي الإعاقة وسكن مناسب، مع ضرائب مخفضة ومراجعات مجانية للمستشفيات.
وخلص بالقول إن “الاتفاقية تؤكد ضرورة منح المعوقين الهوية الوطنية، إلا أن العراق غير ملتزم بهذه الاتفاقية وأن الحكومة ومؤسساتها تتحمل إهمال الآثار المتراكمة من النزاعات المسلحة والحروب، ويتجلى هذا الإهمال في وضع دائرة ذوي الإعاقة ضمن وزارة العمل، ما جعلها تعاني من التحاصص والتنافس الحزبي على حساب حقوق المعاقين”.
بدورها تقول المشاورة القانونية في تجمع المعوقين في العراق، زينب عبد المجيد، إن “قانون رعاية ذوي الإعاقة ما يزال عاجزًا عن تنفيذ المضامين والبنود التي جاء بها، وتحقيق مطالب ذوي الإعاقة مثل زيادة الرواتب من 170 ألف دينار عراقي (110 دولارات) إلى 250 ألف دينار عراقي (190 دولارًا)، بالإضافة إلى عدم التزام العراق باتفاقية الأمم المتحدة، الخاصة بتسهيل تعليم ذوي الإعاقة، وعدم تأخير معاملاتهم في استحصال حقوقهم”.
وتكمل عبد المجيد أن “القانون تحدث عن تأمين السكن، وتوزيع قطع الأراضي على ذوي الإعاقة، لكن للأسف لم يحدث ذلك، على الرغم من الحاجة الكبيرة لهذه الشريحة لضمان مستقبلها، ونأمل أن تنتبه الحكومة لهذه الشريحة المنسية والمهملة، وأن يتم استحداث فقرات جديدة تسهل إجراءات حصول المعاقين على حقوقهم”.

خيبة أمل تنتاب شريحة المعاقين في العراق جراء القوانين القاصرة والتقاعس الحكومي عن توفير الرعاية اللازمة لهم

وتنفرد النساء من شريحة المعاقين في العراق، بنوعية الألم، خصوصًا مع تحطّم حيوات الكثيرات منهن في العمل أو الزواج وتكوين الأسرة جرّاء الإصابات أو التشوه الجسدي، كالحرق أو البتر، بينما تواجه أسر أخرى منذ سنوات تحديات في الحصول على حقوق أو مرتبات شهرية للنساء الجريحات المعذبات القابعات في المنازل، لكن من دون جدوى، لأسباب عديدة من بينها الضعف الوظيفي والتخبط في إدارة هذا الملف، بالإضافة إلى البيروقراطية الحكومية والعامل الطائفي والاستغلال السياسي والتأثير الانتخابي على هذا الملف حيث يستغل سياسيون ملف إعانة ومساعدة ذوي الإعاقة لغايات انتخابية، دون تحقيق أي فائدة حقيقية للمستحقين.
وتروي السيدة نور رشاد حكايتها بعد عجزها عن استكمال المعاملة الخاصة بحصولها على راتب يعينها على تحمل التكاليف العلاجية الخاصة بساقها التي كادت تُبتر جرّاء سقوط صاروخ على منزلها عام 2007، في حي الخمسة كيلو، وسط مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار.
وتبين نور رشاد (38 عامًا) ماحصل لها في نهار 25 شباط من عام 2007 قائلة “كنت في مطبخ المنزل، أعد وجبة الغداء لزوجي وطفلي، وفي لحظة غير متوقعة، سقط صاروخ على دارنا، أدى لإصابة في كاحلي، فضلًا عن انتشار شظايا في معظم أنحاء جسدي”.
وترفع السيدة يدها وتقول “ما تزال شظية باقية في إصبع يدي اليسرى. أعيش معاناة يومية غير عادية، فأنا لا أستطيع المشي مسافة طبيعية، كما أنني لا أستطيع الوقوف لأكثر من 5 دقائق، ما يضطرني إلى التقصير في أداء مهامي الحياتية والزوجية… يمكنني القول إن ما أؤديه في منزلي هو 30 بالمائة مما تقوم به أي امرأة وربة منزل”.
وتكمل نور “منذ ذلك التاريخ وأنا لم أنقطع عن زيارة المستشفيات، وأجريت 5 عمليات جراحية، لكن من دون جدوى بعدما تحوّلت حياتي إلى جحيم وبعد أن تبخرت 17 عامًا من عمري، جراء الربط البلاتيني في كاحلي، كما أنهكتنا المصاريف الكثيرة، وغلاء المراجعات الطبية والأدوية، في وقت لم أعد أملك شيئًا لبيعه لكي أتعالج بثمنه”.
وتتابع “أنا من دون مرتب، وزوجي يعمل سائق لسيارة أجرة، وأن كل ما يحصل عليه شهريًا لا يتجاوز 400 دولار، وهو مبلغ يمكن استخدامه لتوفير الحاجات الأساسية من الأكل والشرب وخلال الفترات الماضية، كنّت استلف مرة ونجمع المال مرة، وهكذا، من أجل استكمال إجراءات العلاج الخاصة بي، وأنا مضطرة لزيارة الطبيب كل أربعة أشهر تقريبًا، وطيلة الأعوام الماضية لم أحصل على أية مساعدة من الدولة أو جهة طبية أو إغاثية”.
وأضافت أن “آخر عملية جراحية أجريتها قبل نحو عامين، كلّفت ما يزيد عن 8 آلاف دولار”.
وتوضح أنها طالبت هي وزوجها عشرات المرات عبر مؤسسات الدولة بالحصول على راتب الرعاية الاجتماعية الذي لا يتجاوز 190 دولارًا في أفضل الأحوال، أو علاجات على نفقة الدولة، أو تسفيرها إلى خارج العراق، لا سيما أن حل أزمتها الصحية متوفر في ألمانيا وتركيا، بتكلفة تصل إلى 60 ألف دولار”.
ولا تزال السيدة العراقية مضطرة لزيارة المستشفيات الخاصة في كردستان العراق لإجراء فحوص دائمة لتأمين الأربطة البلاتينية في كاحلها، حالها حال نساء كثيرات تعرضن لبتر أطراف من أجسادهن بسبب تبعات الاحتلال والعمليات العسكرية في المدن المنكوبة.
من جهته، يقول زوجها حسن إنه لم يتخلّف طوال تلك السنوات عن دعمها ومساندتها إلا أن محدودية دخله تمنعه من استكمال علاج زوجته المنهكة جدًا من التدخل الجراحي الدائم.
ولفت إلى أنها “فقدت إحساس الشغف بالحياة وتراجعت حالتها النفسية بعدما حُرمت حتى من ارتداء حذاء كما بقية البشر”.
وتقدر نسبة العجز في ساق نور بـ65 بالمائة، لهذا لا يحق لها الحصول على راتب الرعاية الاجتماعية، لأن القانون ينص على أن تكون نسبة العجز أكثر من 75بالمائة.
في المقابل يبين المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي، أن “الوزارة تمنح راتب المعين المتفرغ، وهو 250 ألف دينار عراقي (180 دولارًا أمريكيًا) للمعاق بعد عرض المصاب على لجنة طبية تابعة لوزارة الصحة، وأن هذا الحق يمنح له إذا كانت بلغت نسبة العجز لديه 75 بالمائة.
وأضاف العقابي أن “المصاب له الحق في المطالبة براتب أيضًا، أي أن العاجز بنسبة 75% له الحق بالحصول على راتبين، الأول له والثاني للمعين المتفرغ”.

تبلغ نسبة العجز في ساق نور رشاد 65 بالمائة وهي نسبة لا تمكنها من الحصول على راتب الرعاية بعدما حددت بـ 75 بالمائة

وينتقد ناشطون في حقوق الإنسان، تخصصوا برعاية ذوي الإعاقة، استناد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لأرقام مبالغ بها للعجز وفقًا لقانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981، الذي جرى تحديثه عام 1998 وسط مطالبات بتحديثه ليتناسب مع الأوضاع الجديدة في العراق عقب الاحتلال.
وتبين الناشطة ونائبة منتدى المرأة لذوات الإعاقة، شهد الأنصاري، أن “قانون ذوي الإعاقة في العراق، غير منصف، وهناك إجحاف واضح تجاه المعاقين عمومًا، وتحديدًا الصم والبكم في هذا القانون الذي لم يمنحهم أي حق، ولم يذكرهم.
وأشارت الأنصاري إلى أن “وزارة الصحة مسؤولة عن هذه الإخفاقات وأن مثل هذه المشاكل تمثل لنا إعاقة إضافية، تضاف إلى الإعاقة الولادية أو المكتسبة”.
ولفتت إلى أن “هناك صعوبة في حصول ذوي الإعاقة المكتسبة جرّاء الحروب أو الحوادث، على حقوقهم بشكلٍ كبير، على الرغم من أنهم بحاجة ربما أكثر من غيرهم إلى هذه الحقوق، لأنهم لم يكونوا معاقين قبل الحوادث التي عاشوها، بالتالي فإن المعايشة مع المعوق من الصعب جدًا التأقلم معها، ورغم هذا الأذى الكبير، لم تقدم الدولة لهم أي دعم معنوي أو نفسي أو مراكز تأهيل”.
وتمضي بالقول إن “راتب الرعاية الاجتماعية والمعين المتفرغ، تحدده اللجان الطبية التي لا تتعاون في أغلب الأحيان مع ذوي الإعاقة، ويحدث أن يتم غبن هؤلاء، ناهيك عن تدخل المحسوبيات في هذا الملف بعدما لمسنا تفرقة في هذا الخصوص، حيث يتم تقليل نسبة العجز أحيانًا بتدخل اللجان الطبية، وأحيانًا يتم رفعها للمعاق بطرق مرتبطة بالعلاقات والصداقات، فتخيلوا حجم المعاناة التي يعانيها ذوو الإعاقة، كما أن اختيار نسبة 75 بالمائة لمنح المعاق حقه، مجحفة”.
وسبق أن أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في شهر حزيران الماضي أن العراق يتقاعس عن تنفيذ قوانينه الوطنية التي تضمن حقوق العمل للأشخاص ذوي الإعاقة، ما يجعل حصص الوظائف المخصصة للعراقيين ذوي الإعاقة غير مستغلة ويترك مئات الآلاف عاطلين عن العمل.
ويخصص القانون رقم 38 لسنة 2013 خمسة بالمائة من وظائف القطاع العام و3 بالمائة من وظائف القطاع الخاص للأشخاص ذوي الإعاقة وفي كردستان العراق، يخصص القانون رقم 22 لسنة 2011 أيضًا 5 بالمائة من وظائف القطاع العام للأشخاص ذوي الإعاقة ويُشجّع توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص من خلال تغطية نصف رواتب الموظفين لمدة ثلاثة أشهر.
ولا تُحصي الحكومة في العراق معدلات توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيشون في البلاد.
وقالت منظمات حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في العراق لـ “هيومن رايتس ووتش” إنها ترجع عدم تنفيذ القانون إلى تقاعس “هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة”، وهي مؤسسة تابعة لـ “وزارة العمل والشؤون الاجتماعية” مكلفة بضمان تنفيذ القانون بينما تتحمل الهيئة المسؤولية الأساسية عن تطبيق القانون رقم 38، إلا أنها غير قادرة على القيام بذلك بمفردها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى